قال مطلعون في هذا القطاع، إن ما نجم عن "بريكست" من طوابير ضخمة وتأخيرات طويلة وطوفان في المعاملات يسهم في ضغوط صحية عقلية - نفسية لا تحتمل على سائقي الشاحنات، ما يدفع البعض إلى الإفراط في شرب الكحول أو الاستقالة من وظائفهم.
ويفيد السائقون أن الفوضى في موانئ المملكة المتحدة منذ 1 يناير (كانون الثاني)، بما في ذلك 20 ميلاً (32 كيلومتراً تقريباً) من طوابير المركبات في دوفر، كثيراً ما تضيف أربع أو خمس ساعات من الانتظار إلى جانب نوبات قيادة شاقة لمدة 10 ساعات لكل نوبة، ما من شأنه أن يعرض سلامة الطرق إلى الخطر.
يقول سائق إحدى الشاحنات جيسون بودن*: "تعني الضغوط التي تواجه السائقين الآن أن السائقين الأحدث سناً لن يكلفوا أنفسهم عناء الالتحاق بالمهنة. أما الشركات فلا تلقي بالاً لهذه المسائل، ويصح الأمر نفسه في الحكومات.
"يعامل المسؤولون من أعلى الهرم إلى أسفله السائقين معاملة تتسم بالازدراء المطلق، فنحن مواطنون من الدرجة الثانية.
"ويلجأ كثر من السائقين إلى الشراب لتخدير الألم، ويتعاطى بعضهم المخدرات. وعرفت سائقين قتلوا أنفسهم لأسباب منها أنهم لا يرون طريقاً إلى الخلاص [يعتقدون أنهم أمام طريق مسدود]".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في الطابور بدوفر، يقول مايكل تومبسون، وهو سائق شاحنة يبلغ من العمر 62 سنة من لانكشاير، إن المنشآت المحلية المخصصة للسائقين لا تزال شبه غائبة، على الرغم من سنوات من النداءات من سائقي الشاحنات والتحذيرات من أن "بريكست" من شأنه أن يزيد الوضع سوءاً على الطرق المكتظة في كنت.
ويضيف: "يتوفر للمرء مرحاض متنقل إذا حالفه الحظ. وحتى عندما يكون كل شيء يسير على ما يرام [في الميناء]، لن يجد المرء مكاناً للركن في كنت إذا احتاج إلى استراحة من القيادة لأن [الشرطة] تضع المشابك على العجلات وتصدر محاضر ضبط لمن يركنون شاحناتهم على جوانب الطرق".
وفي بعض منشآت الاستراحة [مقاصف ومراحيض] بأماكن أخرى من المملكة المتحدة "تفوح رائحة كريهة"، ولا يتوفر الأمن، وهذا يعني أن وقود [شاحنات] السائقين غالباً ما يسرق. يقول تومبسون: "إنها مقززة. رأيت العديد من السائقين الذين تعاني صحتهم العقلية. لقد سئموا الآن من وضعهم".
ويقول إنه يفكر في تقديم استقالته هذا الأسبوع بعد أكثر من أربعة عقود من العمل في القطاع.
"قد يجلس المرء هناك لخمس ساعات وست ساعات، فيقول لنفسه: 'لا أحتاج إلى هذا العمل، ولا أريد أن أقوم به بعد اليوم'. وهذا الوضع يجعل المرء غاضباً.
"أنا محظوظ، فأنا لا أشرب الكحول كثيراً، لكنني رأيت أشخاصاً يشربونها أكثر فأكثر... لكي يسترخوا وينعسوا ويناموا جيداً في الليل، أو في النهار إذا كانوا يعملون ليلاً".
يبدأ اليوم النموذجي لتومبسون عند الساعة السابعة صباحاً، عندما يقود شاحنته إلى هيثرو قبل القيام برحلة إلى لييج في بلجيكا، مروراً ببضع محطات توقف.
ويصل عند الساعة الـ10 أو الـ11 مساء وينام في شاحنته ليلاً. يقول: "لقد تعودت على ذلك. لكن لا أظن أن الناس يعرفون مقدار العمل الشاق الذي يؤديه السائقون والساعات التي يعملون خلالها".
ويقول إن ساعات التأخير، التي تفاقمت هذا العام بسبب الضوابط الإضافية المفروضة على حدود المملكة المتحدة منذ الأول من يناير (كانون الثاني)، تجاوزت قدرة بعض السائقين على التحمل.
وأثيرت المشاكل المرتبطة بالاكتئاب في هذا القطاع لسنوات عديدة. فقد قدرت "مايند" الخيرية للصحة العقلية عام 2018 أن حوالى 30 في المئة من سائقي الشاحنات الذين يتغيبون عن العمل يفعلون ذلك بسبب الإجهاد والاكتئاب والتوتر [القلق].
والعام الماضي، توصل استطلاع أجرته "هولدج إكسبرس" إلى أن أكثر من نصف شركات الخدمات اللوجيستية شهدت زيادة في الإجهاد والقلق وغير ذلك من مشاكل الصحة العقلية في صفوف الموظفين عزتها المؤسسة إلى الآثار غير المباشرة لـ"بريكست".
وثمة عوامل أخرى عرضت السائقين دوماً إلى الخطر وهي أنماط النوبات المتغيرة، والنوم المتقطع، والوحدة، والفترات الطويلة من الجلوس.
ويقول كولين ميريك، وهو سائق شاحنة يتمتع بخبرة 36 سنة في هذا المجال: "ليست البيئة صحية. وهو يقول إن المنشآت "الرهيبة" التي لا تقدم سوى أطعمة سريعة منخفضة الجودة تعني أن كثراً من السائقين يفتقرون إلى الصحة البدنية.
"نقود آلات قاتلة تزن 44 طناً. نحن محترفون، وفي أوروبا نعامل كمحترفين، لكن في المملكة المتحدة لسنا كذلك [لا يقر بدورنا ومكانتنا]. بل إن المرء لا يحصل على فنجان من القهوة في أغلب الخدمات المتوفرة هنا.
"كل ما نحن عليه هو أننا مزعجون في نظر جميع مستخدمي الطريق [السائقين الآخرين]، فنحن نعتبر دملاً على ظهر الحياة [مصدر إزعاج كبير فحسب]".
ونتيجة لهذا كان من الصعب أن نستقطب العدد الكافي من السائقين. يقول ميريك: "لقد انخفض العدد كثيراً على مر السنين".
ويضيف أن الجانب الإيجابي من نقص السائقين يتمثل في قفزة الأجور. "الآن نتاقضى من جديد الرواتب التي نستحقها".
ويمكن أن تصل رواتب سائقي الشاحنات ذوي الخبرة إلى 50 ألف جنيه إسترليني (68 ألف دولار) سنوياً، وفق جمعية "الخدمات اللوجيستية البريطانية". لكنها لم تكن كافية لجذب دماء جديدة [عاملين جدد] إلى القطاع، على حد قول ميريك.
وأدى نقص السائقين إلى مفاقمة الضغط على ما كان بالفعل عملاً صعباً.
"الآن أصبحنا تحت ضغوط شديدة. فالمستهلكون يطالبون بكل شيء في كل الأوقات، وهذا يعني وجود السائقين على الطرق على مدار الساعة"، بحسب ميريك.
وجعل "بريكست" هذه المهمة أكثر صعوبة إلى حد كبير، والآتي أسوأ.
"هناك الآن كثير من البيروقراطية والروتين الإداري أمامنا نحن السائقون. يجب أن أتحقق من كل المعاملات ذات الصلة قبل الدخول إلى كاليه. ويستغرق الأمر وقتاً يطول ويطول.
"في بعض الأحيان يغيب التواؤم [التناغم والتنسيق]. يمكن التحقق من مستند ما من أحد الجانبين فيبدو على ما يرام، وما أن تتحقق من الجانب الآخر لا يبدو كذلك. ويسمح النظام ببساطة للمسؤولين بجعل المرء ينتظر [تضييع وقته]".
هو متشائم إلى حد كبير في شأن مستقبل القطاع.
"من الصعب للغاية اجتذاب دماء جديدة إلى القطاع. فالمنشآت سيئة للغاية. هذا ليس قطاعاً جذاباً".
فالتأشيرات المؤقتة التي تقدمها الحكومة تعادل "وضع إسعافات أولية على المشكلة"، يقول ميريك.
"إذا ذهب المرء إلى أي مقهى للعاملين في النقل، فسيرى أننا مجموعة من السائقين المسنين الذين أصابهم الشيب والصلع والسمنة. هذا القطاع يتجه نحو انهيار هائل. فهو في وضع سيئ بصراحة".
*غير اسم العائلة بناء على طلب الشخص الذي أجريت معه المقابلة
© The Independent