وسط التطورات المتسارعة ميدانياً وسياسياً في أوكرانيا يمسك الكرملين بورقتين عسكرية واقتصادية، فهو يعلم حجم الخسائر في حال توقف خط الغاز الطبيعي الروسي "نورد ستريم 2" عن إمداد أوروبا، ومعلوم أن جزءاً كبيراً من الاقتصاد الروسي يعتمد على صادرات النفط والغاز، فهي تشكل حوالى 40 في المئة من الموازنة الفيدرالية الروسية، مع التنويه إلى زيادة عائدات تصدير الغاز بنسبة 120 في المئة مقارنة بعام 2020 لتصل إلى 55.5 مليار دولار، وفق معطيات دائرة الجمارك الفيدرالية الروسية.
في الأثناء، تشكل القواعد الروسية في طرطوس واللاذقية على الساحل السوري أماكن استراتيجية، الأمر الذي دفع وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو إلى قطع انشغاله بغرفة العمليات العسكرية في موسكو، والقيام بزيارة إلى قاعدة حميميم في سوريا وتفقد المناورات الروسية في البحر المتوسط.
إشارات روسية لأوروبا
ويرى مراقبون أن علاقة سوريا بالأزمة الأوكرانية تبرز أهميتها بالبعد الجغرافي القريب من أوروبا، وإلى أن المناورات هي رسائل وإشارات للدور الروسي الممتد من البحر الأسود إلى المياه الدافئة في المتوسط، ولفت الأكاديمي في الاقتصاد السياسي بجامعة دمشق محمد حاج عثمان النظر إلى أن سوريا لم تعد ملعباً لتصفية الحسابات بين دول فاعلة خلال عشرية النزاع المسلح على أرضها، بل باتت بعد كل الضجيج توصف بـ "رأس الحربة" في أي حرب روسية من باب موقعها الاستراتيجي المطل على أوروبا، وإذ لفت إلى اقتراب ساعة الصفر للحرب، توقع أن تكون خاطفة وعلى أغلب الظن يفصلها أسبوع آخر من المفاوضات، على الرغم من التوتر الحاصل على الجبهة الأوكرانية والدعم المتواصل للانفصاليين عن كييف.
ورأى عثمان أن ما تمثله قاعدة حميميم، فضلاً عن المناورات الروسية على ساحل المتوسط، هي رسالة للدول الأوروبية حول هيمنة ونفوذ متناميين تمتلكهما روسيا إبان انخراطها بالصراع الدائر في الداخل السوري والوقوف إلى جانب دمشق، ومن جهة ثانية لإبراز عضلات موسكو قبل بدء ساعة الصفر في معركة لا تحمد عواقبها، وقال، "عدا عن استغلال موسكو قاعدة حميميم التي وصلتها أخيراً أكثر أنواع الأسلحة تطوراً والصواريخ الموجهة التي لا يمكن اعتراضها، ستقوم بدور فاعل في تهديد مواقع نفوذ الولايات المتحدة في الشمال الشرقي من سوريا إضافة لمواجهة الأهداف الأوروبية، بخاصة أن القوات الروسية وجدت موطئ قدم لها في منطقة شديدة التعقيد، ولن تكون القوات الأميركية عن منأى الاستهداف في حال أسهمت واشنطن بالوقوف إلى جانب كييف".
شرق المتوسط
واشتركت أكثر من 140 قطعة بحرية في مناورات داخل الجزء الشرقي من البحر المتوسط، وفق ما أعلن القائد العام للقوات البحرية الروسية الأميرال نيكولاي إيفمينوف، ونحو 60 طائرة و1000 آلية عسكرية وحوالى 10 آلاف جندي.
كما أعلنت وزارة الدفاع الروسية مشاركة 15 سفينة حربية من أساطيل المحيط الهادي والشمال والبحر الأسود في تدريبات تمحورت حول رصد الغواصات المعادية وفرض السيطرة على الملاحة في البحر وتنظيم عبور الطائرات، مع مشاركة مقاتلات "ميغ -31" وحاملة صواريخ "كينجال" فرط الصوتية المضادة لحاملات الطائرات مع قاذفات "تو-22 إم"، وهذه المقاتلات قطعت مسافة 1500 ألف كيلومتر من قواعدها إلى قاعدة حميميم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ونشرت وزارة الدفاع الروسية بياناً أشارت فيه إلى أن نشر القاذفات جاء على خلفية وجود مجموعة جوية تابعة لـ "الناتو" في منطقة البحر المتوسط، في وقت كانت قيادة حلف شمال الأطلسي أعلنت في الـ 24 من يناير (كانون الثاني) الماضي إجراء تدريبات "نبتون سترايك 22" في البحر المتوسط بمشاركة حاملة الطائرات الأميركية "هاري ترومان"، بالتزامن مع إعلان إرسال الجيش الفرنسي حاملة الطائرات "شارل ديغول".
دبلوماسية الحلول في تراجع
وفي وقت يبدو أن الطريق الدبلوماسي في الأزمة الأوكرانية الروسية قد شارف على الانتهاء، تناقلت في العاصمة السورية أنباء عن مقايضة طرحتها الولايات المتحدة وعرضت فيها على روسيا إنهاء التزاماتها من سوريا في مقابل تعهد الأميركيين بأن تكون أوكرانيا تابعة لها سياسياً بالمطلق، إلا أن الرئيس فلاديمير بوتين رفضها، وفق ما نشرت شبكة "البعث ميديا" التابعة للحزب الحاكم في دمشق. واستبعد عضو مجلس الشعب، النائب خالد عبود ما يتداول، ووصفه بأنه "مقولات وخلاصات مبنية على قرارات خاطئة ومواقف مستندة إلى تهيؤات".
عودة الحروب الساخنة
وإن حدثت الحرب فإن قطبي العالم الروسي والأميركي سيخرجان من دائرة الحرب الباردة التي سادت على مدى عقود بعدما أعاد الكرملين مكانته وتزايدت سطوته، ومن الممكن أن يصطدما وجهاً لوجه إذ لم تفلح الجهود الدبلوماسية في كبحها، ويمكن أن تتسع رقعتها إلى مطارح أوسع انتشاراً لتنذر بحرب عالمية بنسختها الثالثة، بحسب ما يتنبأ متابعون.
وتستجمع موسكو كامل قواها في المياه الدافئة، وبلا شك ستكون قاعدتها في حميميم بريف اللاذقية غرب سوريا منطلقاً لأية ضربات عسكرية خاطفة، لا سيما ضد أهداف أميركية أو تابعة لحلف الناتو".