لم تعرف ياسمين جمال النوم الهانئ منذ ثلاثة أسابيع. في كل مرة يبدأ النعاس بمداعبة أجفانها، تتبادر إلى ذهنها صور وجوه أربعة أطفال صغار ويسيطر عليها القلق. إنها وجوه أشقائها الأصغر سناً: حياة 16 سنة، حنان 12 سنة، كيرات 11 سنة، و أكمل 9 سنوات. كل ما تريده هو أن يكونوا معها في مكان تعلم أنه آمن بالنسبة لهم - لكنهم بدلاً من ذلك عالقون على بعد آلاف الأميال في قارة أخرى.
تقول ياسمين ابنة الثالثة وعشرين ربيعاً من شقتها في لندن: "ليست لدي عائلة هنا، وهم لا يمتلكون عائلة هناك. إنهم أصغر مني سناً. علي الاعتناء بهم ... إنهم ليسوا بمأمن في مكانهم الآن".
تعرضت الفتاة الإثيوبية للسجن من دون محاكمة عندما كانت مراهقة إثر مشاركتها في مظاهرات مناهضة للحكومة. أثناء فترة احتجازها، اغتصبها الجنود واعتدوا عليها جسدياً. أُطلق سراحها بعدما دفع أحد أفراد أسرتها رشوة وفرّت من البلاد على الفور.
في نهاية المطاف، وصلت الشابة التي كانت في السابعة عشرة من عمرها حينها إلى كاليه في فرنسا وكانت واحدة من بين بضع مئات من الأطفال الذين نُقلوا إلى المملكة المتحدة بموجب خطة “دَبس” Dubs [التي طالبت وزارة خارجية المملكة المتحدة باتخاذ الترتيبات اللازمة لنقل عدد محدد من الأطفال اللاجئين من أوروبا إلى أراضيها ودعمهم]عندما تم هدم المخيم سيء السمعة الملقب بـ "الأدغال". وبعد ست سنوات، استقرت الفتاة في لندن.
لكن أشقاءها الأربعة الصغار ما زالوا يعانون. توفيت والدتهم منذ عدة سنوات وكان والد ياسمين يعتني بهم إلى أن وافته المنية في أبريل (نيسان) عام 2021 . ونتيجة لعدم وجود أي أقارب يتولون رعايتهم، وافق أحد أصدقاء العائلة على أخذ الأطفال.
تقول ياسمين إن الرجل المكلف برعاية أشقائها منعهم من مواصلة تعليمهم وأجبرهم على العمالة المنزلية، فضلاً عن حرمانهم من الطعام والإساءة إليهم جسدياً في بعض الأحيان. وتضيف أنه اعتدى جنسياً على أختها حياة.
تقول ياسمين: "أتحدث إلى [أختي] في الليل لمساعدتها على نسيان ذلك الشعور. أنا قلقة جداً. قال لهم الرجل “إذا أبلغتم الشرطة سأقتلكم”".
لقد خضعت ياسمين واثنتان من شقيقاتها الأصغر بالفعل لتشويه الأعضاء التناسلية للإناث (ما يعرف بختان الإناث)، كما أن أختها الثالثة كيرات مهددة بشدة بالتعرض لهذه الممارسة. بسبب اليتم، فإن شقيقات ياسمين الثلاث معرضات جداً أيضاً لخطر الزواج القسري، وهي ممارسة تتزايد بشكل مثير للقلق في إثيوبيا منذ بداية وباء كورونا.
توضح حياة من إثيوبيا : "نحن نعاني حقاً الآن. نرى أطفالاً آخرين في أعمارنا لديهم آباؤهم ويمكنهم الحصول على ما يريدون، لكننا لا نستطيع ذلك. ياسمين هي الشخص الوحيد الذي يمكنه الاعتناء بنا.
يبكي إخوتي الصغار دائماً ولديهم رغبة شديدة بالعودة إلى المدرسة. أنا أيضاً أنتظر استئناف تعليمي بفارغ الصبر، المملكة المتحدة هي المكان الوحيد الذي يمكننا فيه العودة إلى الدراسة وبناء مستقبل إلى جانب ياسمين".
ياسمين، التي تدرس حالياً لتصبح خبيرة تجميل ومصففة شعر، تقدمت في أكتوبر (تشرين الأول) السنة الفائتة بطلب لاستقدام أشقائها إلى المملكة المتحدة بموجب بنود لم شمل العائلات اللاجئة، الهادفة إلى توفير طريق آمن وقانوني لتوحيد الأسر، لكن طلبها رفض الشهر الماضي رغم توفيرها قدراً كبيراً من الأدلة الداعمة.
قالت وزارة الداخلية إن الأخطار المزعومة التي يتعرض لها الأشقاء كانت "غير مثبتة" وأنهم حتى لو كانوا يواجهون تلك المخاطر، فإن الدولة الإثيوبية تعتبر "قادرة على تقديم درجة من الحماية إذا لزم الأمر" وأنه قد يكون بإمكان المنظمات والخدمات هناك "المساعدة أو تقديم المزيد من النصائح بشأن [وضع الأطفال] المزعوم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن ياسمين تنفي هذه الفرضية، قائلة إن الشرطة في إثيوبيا "ليست هي نفسها الموجودة في المملكة المتحدة" وأنها حتى لو كانت قادرة على المساعدة، فإن الرجل الذي يؤوي أشقاءها حالياً هددهم "بالقتل إذا أخبروا أي شخص عن وضعهم".
تقول ياسمين: "أشعر أنني عاجزة تماماً. أنتظر كل يوم أن يخبروني بما حدث لهم... أنا قلقة للغاية".
جاء أيضاً في رسالة الرفض الصادرة عن وزارة الداخلية: "لا تتضمن قواعد الهجرة لدينا بنداً يسمح لشخص ما بالسفر إلى المملكة المتحدة للحصول على ملاذ مؤقت أو حالة لجوء مؤقتة. بينما نحن نتعاطف مع الأشخاص الذين يعيشون ظروفاً صعبة، فإننا لسنا ملزمين بمراجعة طلبات النظر في الوضع التي تصلنا من الأعداد الكبيرة جداً من الأشخاص الموجودين في الخارج الراغبين ربما في المجيء إلى هنا".
تشير الرسالة إلى أربعة مخططات لإعادة التوطين يمكن للأطفال الاستعانة بها وهي: البوابة، والتفويض، وخطة إعادة توطين الأشخاص المستضعفين، وخطة إعادة توطين الأطفال المستضعفين، لكن ثلاثة من هذه المخططات لم تعد قيد الاستخدام، بينما يمكن تطبيق المخطط الأخير - التفويض - فقط عندما يكون الفرد قد فر بالفعل من موطنه وموجوداً في مخيم للاجئين.
بعد الارتفاع الكبير الذي شهدته السنوات الأخيرة في عمليات عبور القنال الإنجليزي باستخدام القوارب الصغيرة، كررت وزيرة الداخلية بريتي باتيل ادعاءها أن الناس لا يحتاجون إلى سلك هذا الطريق بحثاً عن ملاذ في المملكة المتحدة لأنه بإمكانهم استخدام "طرق آمنة وقانونية".
قال نيك بيلز، رئيس الحملات في منتدى اللاجئين والمهاجرين في إسكس ولندن، الذي دعم ياسمين في طلبها المقدم إلى وزارة الداخلية، إنه "من الواضح" أنه عندما تحاول عائلة محتاجة مثل هذه القيام بذلك، يقال لها إن تلك الطرق الآمنة غير متاحة أمامها.
مضيفاً: "مما يفاقم الأمر هو قيام الحكومة بإحالة تلك العائلات إلى مخططات إعادة التوطين التي من الواضح أنها لا تنطبق عليها أو أنها لم تعد سارية بعد الآن ... يزداد بؤس الوضع الذي يعيشه أشقاء ياسمين، ولا تقوم الحكومة بمناقشة حاجتهم. على كل حال، ورغم الدليل الذي قدمه خبير مستقل وحقيقة أن فرداً من الأسرة الذي يعد مقدم الرعاية الفعلي لها مستعد لاستقبال بقية الأفراد في المملكة المتحدة ، فقد أظهرت الحكومة عدم نيتها توفير الحماية لهم".
وزارة الداخلية قالت على لسان متحدث باسمها إنها لا تعلق على الحالات الفردية، لكنها أضافت: "تم منح أكثر من 390 ألف تأشيرة لم شمل الأسر منذ عام 2015 بموجب سياسة لم شمل الأسر اللاجئة، حيث شكل الأطفال أكثر من نصف الحاصلين على التأشيرات ... ستعمل “الخطة الجديدة للهجرة” الخاصة بنا على إصلاح نظام اللجوء المعطل بحيث يكون عادلاً ولكنه حازم في الوقت نفسه، ويساعد المحتاجين الفعليين من خلال توفير طرق آمنة وقانونية بينما يمنع أولئك الذين يسيؤون استخدام النظام. سيواصل لم شمل الأسر لعب دور مهم في نظام الهجرة لدينا".
© The Independent