أمر المستشار الألماني أولاف شولتز اليوم الثلاثاء، وزارة الاقتصاد في بلاده بأن تطلب من الشركة الألمانية المنظمة لمشروع "نورد ستريم 2" تعليق العقد معها، مؤكداً أنه سيتم إيقاف تصديق العقد.
واعتبر المستشار الألماني أن هذا الإجراء "خطوة ضرورية"، كردّ على اعتراف روسيا بجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك الشعبيتين. وأضاف "يبدو هذا تقنياً، لكنه خطوة إدارية ضرورية، لذا لا يمكن أن تكون هناك شهادة لخط الأنابيب، ومن دون هذه الشهادة، لا يمكن بدء تشغيل نورد ستريم 2".
و"نورد ستريم 2" هو خط للأنابيب يبلغ طوله 745 ميلاً (حوالى 1200 كيلومتر)، يمتد بين أوست لوغا بالقرب من حدود روسيا الغربية مع إستونيا وبين غرايفسفالد في شمال شرقي ألمانيا، ويهدف إلى إيصال الغاز الطبيعي إلى وسط أوروبا عبر بحر البلطيق.
وأُنجز بناء المشروع في سبتمبر (أيلول) 2021 بتكلفة بلغت نحو 8.3 مليار جنيه استرليني (11.13 مليار دولار)، لكنه لم يحصل بعد على الموافقة التنظيمية الأوروبية اللازمة للسماح للجهة المشغلة للمشروع، شركة الغاز الروسية العملاقة المملوكة للدولة "غازبروم"، بتشغيله.
واكتمل خط الأنابيب "نورد ستريم" الأصلي عام 2012، وهو يسير بالتوازي مع نظيره الجديد وينتهي على نحو مماثل في غرايفسفالد، لكنه ينطلق من منطقة أخرى أي من فيبورغ الواقعة على الساحل الشمالي لخليج فنلندا.
وسيمكّن "نورد ستريم 2" روسيا من ضخ ما يُقدّر بنحو 55 مليار متر مكعب من الغاز إلى ألمانيا كل عام، ما يضاعف القدرة الحالية لموسكو ويزيد من هيمنتها الإقليمية على الطاقة.
المشروع بحاجة إلى شهادات تنظيمية من ألمانيا
وتشير البيانات المتاحة إلى أنه تم الانتهاء من بناء مشروع خط الأنابيب، لكنه لا يزال بحاجة إلى شهادة تنظيمية من السلطات الألمانية قبل تسليم الغاز.
وفي وقت سابق من اليوم، طالب المستشار الألماني بمعاقبة روسيا على اعترافها بمنطقتين انفصاليتين في أوكرانيا عبر فرض "عقوبات فورية" تشمل "إيقاف نورد ستريم 2 بشكل كامل". وأعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن كييف تدرس قطع علاقاتها الدبلوماسية مع روسيا، رداً على اعتراف الأخيرة بالمنطقتين الانفصاليتين في شرق البلاد.
وقال "تلقّيت طلباً من وزارة الخارجية للنظر في مسألة قطع العلاقات بين أوكرانيا وروسيا الاتحادية"، مضيفاً أنه يعتزم الآن "درس هذه المسألة والعمل عليها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واكتسب الصراع الروسي الأوكراني منعطفاً جديداً فارقاً، بعدما أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاعتراف بجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك جمهوريتين مستقلتين عن أوكرانيا، في خطوة تصعيدية لاقت غضباً كبيراً من كييف وحلفائها الأوروبيين.
من جهتها، تتهم موسكو الغرب بتوظيف تلك الاتهامات كذريعة لزيادة الوجود العسكري لحلف "ناتو" بالقرب من حدودها، في وقت تصرّ روسيا على رفض مسألة توسيع الحلف، أو انضمام أوكرانيا إليه، في حين تتوق كييف للانضواء تحت لواء حلف شمال الأطلسي.
المشروع يزيد من النفوذ الروسي
ولعل الأمر الأكثر أهمية في ضوء الأزمة الدبلوماسية الحالية، التي شهدت تجمع أكثر من 100 ألف جندي روسي ومدرعات روسية على طول الحدود الأوكرانية في جاهزية للغزو على ما يبدو، أن خطّي الأنابيب التوأمين "نورد ستريم" يسمحان لروسيا بإرسال الغاز إلى الغرب بوسائل أخرى غير تلك المباشرة عبر أراضي جارتها، وهي وسائل اعتمدت عليها موسكو من قبل وتلقّت كييف في مقابلها رسوم عبور مربحة.
ويقال إن بوتين وهو ضابط سابق في لجنة أمن الدولة (كي جي بي)، استاء من استقلال أوكرانيا منذ انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1989، لا سيما رغبتها بتأمين قدر أعظم من الحماية العسكرية بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي.
وعلى غرار ضمه شبه جزيرة القرم عام 2014 أو تشجيعه لاحقاً انفصاليين موالين لروسيا في منطقة دونباس شرق البلاد، يمكن اعتبار خط الأنابيب عقاباً إضافياً لرفض كييف نفوذه و"الدوران في فلك" النظام الروسي.
وسبق أن حذرت أوكرانيا من أن مشروع "نورد ستريم" يمثل "سلاحاً جيوسياسياً خطيراً"، والرئيس الأوكراني ليس وحده بين زعماء العالم الذي يخشى أن تستخدم روسيا المشروع لممارسة نفوذها السياسي على الاتحاد الأوروبي من خلال التهديد بحجب الغاز عنه في الشتاء إذا لم تُلبَّ نزواتها السياسية.
والواقع أن ألمانيا، في عهد المستشارة السابقة أنغيلا ميركل، رفضت لفترة طويلة أخذ هذه المخاوف من الابتزاز في الاعتبار بوصفها هستيرية، وأصرّت على أن المشروع تجاري بحت، ومن شأنه أن يمكّن البلاد من تدفئة 26 مليون منزل ومساعدة انتقالها بعيداً من الطاقة النووية نحو مصادر الطاقة المتجددة.
وفي حين أن المملكة المتحدة لا تتلقّى سوى 3 في المئة من وارداتها من الغاز من روسيا، تحصل ألمانيا على 40 في المئة وفنلندا على 100 في المئة، ما يؤكد قوة الأوراق التي تحملها موسكو، مع تحذير مصرف الاستثمار الأميركي "ستايفل" هذا الأسبوع من أن أسعار الغاز يمكن أن ترتفع أربعة أضعاف إذا نشبت الحرب.
كل شيء قيد المناقشة إذا حدث تدخل عسكري
في وقت سابق، أشارت ألمانيا إلى تغيير في الاتجاه في ما يتصل بـ"نورد ستريم 2"، وقالت "سيكون كل شيء قيد المناقشة إذا حصل تدخل عسكري ضد أوكرانيا".
ومن ناحية أخرى، قالت وزيرة خارجيتها أنالينا بيربوك للبرلمان الألماني، إن الحلفاء الغربيين "يعملون على حزمة قوية من العقوبات... تشمل "نورد ستريم"، وستُطبَّق في حال فشل المحادثات الدبلوماسية. وغرّدت السفيرة الألمانية في واشنطن إميلي هابر أن "الخيارات كلها ستكون موضع بحث، بما في ذلك نورد ستريم 2 إذا انتهكت روسيا سيادة أوكرانيا".
ولطالما عارضت الولايات المتحدة خطّي الأنابيب، حتى إن دونالد ترمب هاجمهما في قمة مشوبة بالانقسامات لحلف شمال الأطلسي استضافتها بروكسل في يوليو (تموز) 2018، وذهب الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس إلى أبعد من ذلك، إذ هدد الكرملين بعرقلة الموافقة التنظيمية على خط الأنابيب الإضافي حين قال للإذاعة الوطنية العامة، "أريد أن أكون واضحاً جداً: إذا غزت روسيا أوكرانيا بطريقة أو بأخرى، لن يتقدم نورد ستريم إلى الأمام... سنعمل مع ألمانيا كي لا يمضي العمل به قدماً".
وعلى نحو مماثل، قال وزير الدفاع البريطاني بن والاس إن وقف تشغيل خط الأنابيب المقرر تشغيله "واحدة من الأوراق القليلة القادرة على التأثير"، في حين يسعى الغرب بشكل عاجل إلى إيجاد حلول دبلوماسية لتسوية التوترات الحالية التي تعرّض أوكرانيا إلى خطر كهذا.
وتتردد برلين في تقديم دعم عسكري كبير إلى أوكرانيا حتى الآن، على الرغم من الضغوط التي مارسها المجتمع الدولي لحملها على ذلك. لكن لديها خيارات أخرى محتملة لتوريد الغاز إذا عُرقِل "نورد ستريم 2"، بما في ذلك استلام شحنات من النرويج وهولندا وبريطانيا والدنمارك. لذلك، من الناحية النظرية، هي في غنى عن البقاء رهينة خط الأنابيب وعرضة للابتزاز.