على الرغم من إعلان حلف شمال الأطلسي (الناتو) والولايات المتحدة عدم نشر قوات قتالية في أوكرانيا رداً على الغزو الروسي للدولة التي أبدت منذ سنوات تطلعاتها الأطلسية بالانضمام إلى الحلف، فإن إعلان الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ تفعيل "معاهدة الخطط الدفاعية" لـ"الناتو" من شأنه أن يجعل التحالف الذي يضم 30 بلداً على أهبة الاستعداد للعمل العسكري، فيما يرى مراقبون أن الخطوة "الرمزية" التي اتخذها الحلف حتى الآن لا تعني الكثير بالنسبة إلى الحرب الراهنة، على الرغم مما تتضمنه من انتشار عسكري كبير في الجناح الشرقي للحلف.
وأعلن "الناتو" أن "تصرفات روسيا تشكل تهديداً خطيراً للأمن الأوروبي الأطلسي"، محذراً من عواقبها الجيوستراتيجية، فيما أكد البيان الأول الصادر عن الحلف عقب الغزو الروسي لأوكرانيا أمس الخميس، أنه "سيستمر في اتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان أمن ودفاع جميع الحلفاء. ونقوم بنشر قوات برية وجوية دفاعية إضافية في الجزء الشرقي من الحلف، بالإضافة إلى أصول بحرية أخرى"، مؤكداً أنه "عزز استعداد قواته للاستجابة لجميع الحالات الطارئة".
ماذا يعني تعزيز "الخطط الدفاعية" للحلفاء؟
ذكر سفراء حلف "الناتو"، في البيان الصادر عن اجتماعهم الطارئ في بروكسل أمس، أنهم أجروا "مشاورات بموجب المادة 4 من معاهدة واشنطن. وتماشياً مع خططنا الدفاعية لحماية جميع الحلفاء، تقرر اتخاذ خطوات إضافية لزيادة تعزيز الردع والدفاع عبر الحلف. إن إجراءاتنا وقائية ومتناسبة وغير تصعيدية ولا تزال كذلك"، مؤكدين "التزاماً (حديدياً) بالمادة الخامسة من معاهدة واشنطن التي تمثل تجسيداً لمبدأ الأمن الجماعي للحلفاء، بمعنى أن الاعتداء على أي من الدول الأعضاء يمثل اعتداء عليها جميعاً".
وأعلنت أربع دول من الحلف وهي بولندا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا، الخميس، تفعيل البند الرابع من معاهدة حلف شمال الأطلسي، وينص على أن "يتشاور الأطراف بعضهم مع بعض، عند إحساس أي منهم، بأن سلام المنطقة، أو الاستقلال السياسي وأمن أحد الأطراف مهدد".
أما المادة الخامسة التي تمثل جوهر الدفاع المشترك بين الحلفاء فتنص على أن "يتفق الأطراف على أن أي هجوم أو عدوان مسلح ضد طرف منهم أو عدة أطراف، في أوروبا أو أميركا الشمالية، يعتبر عدواناً عليها جميعاً. وعليه، فإنها تتفق على أنه في حالة وقوع مثل هذا العدوان المسلح، فإن على كل طرف منها، تنفيذاً لما جاء في المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، حق الدفاع الذاتي، بشكل فردي أو جماعي، وتقديم المساندة والعون للآخر، من دون تأخير. بما في ذلك استخدام قوة السلاح، التي يرى أنها لازمة لإعادة الأمن، إلى منطقة شمال الأطلسي".
وقال سيد غنيم، رئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع والأستاذ زائر بـ"الناتو"، إن "القوى الغربية مستمرة في فرض العقوبات وتزويد أوكرانيا بالإمدادات اللازمة لها لصد العدوان الروسي، كما تستمر في نقل القوات اللازمة لتأمين أوروبا وزيادة الضغط العسكري والسياسي على روسيا، من دون أي احتمالات لاشتباك عسكري مباشر بين القوات الأميركية والروسية ولا قوات الناتو وروسيا".
وحول الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا في مواجهة الغزو الروسي، أشار غنيم إلى "أن الولايات المتحدة أعلنت إرسال خمسة آلاف جندي أميركي إضافي إلى أوروبا، وأن الهدف من إعادة تمركز ونشر قواتها في أوروبا الشرقية هو ردع العدوان الروسي ودعم حلفائها بـ(الناتو). كما أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن تحركات القوات في رومانيا وبلغاريا والمجر وبولندا وألمانيا. ونقل الفيلق الثامن عشر المحمول جواً الأميركي مركز قيادة متطوراً يمكن البنتاغون من قيادة قوة المهام المشتركة في ألمانيا. ونشرت الولايات المتحدة 4700 فرد من الفرقة 82 المحمولة جواً وعناصر دعم غير محددة إلى ألمانيا، بالإضافة إلى لواء مشاة مدعم في بولندا".
وأوضح غنيم لـ"اندبندنت عربية"، "نفذ زعماء الولايات المتحدة وحلفاؤها وعودهم بإلغاء الاجتماعات مع كبار المسؤولين الروس بعد غزو أوكرانيا، وألغى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن اجتماعاً كان مقرراً في 24 فبراير (شباط) الحالي في جنيف مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف"، مشيراً إلى "غزو روسيا لأوكرانيا والرفض الشامل للدبلوماسية، كما أمدت الولايات المتحدة كلاً من لاتفيا وليتوانيا وأستونيا بطائرات F-35".
إجراءات للردع وتدابير وقائية
وأعلن "الناتو" أنه "سينشر قدرات وقوات على أراضيه" بخاصة في أوروبا الشرقية، وأنه وضع أكثر من 100 طائرة حربية في حالة تأهب قصوى، بالإضافة إلى الأصول البحرية، وعلى الرغم من إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن أن القوات الأميركية لن تحارب في أوكرانيا، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أنها "ستنشر سبعة آلاف جندي أميركي إضافي في ألمانيا، بغرض ردع روسيا".
وبحثت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي الخطوات اللازمة لضمان أمن أراضي الحلفاء، لا سيما على الجناح الشرقي للحلف. وخلال مكالمة هاتفية بين وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، ووزير الدفاع لويد أوستن، مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي لإدانة الهجوم الروسي على أوكرانيا، شدد الأول على "صرامة التزام بلاده بالمادة 5 من حلف شمال الأطلسي التي تطلب من الدول الأعضاء أن تأتي لمساعدة أي دولة عضو تتعرض لهجوم مسلح"، كما ناقش الجانبان "استجابة الحلف المنسقة" على الهجوم الروسي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويرى محللون عسكريون أن الهدف من التدابير التي اتخذها الحلف لردع روسيا عن أي هجوم على دولة من الأعضاء، خصوصاً بولندا ودول البلطيق الثلاث إستونيا ولاتفيا وليتوانيا، لا يضمن بالضرورة أي التزام قانوني بموجب معاهدة الحلف تجاه أوكرانيا الدولة غير العضو به، التي تسعى منذ نحو عقدين إلى الانضمام إليه.
وقال باسم راشد، الباحث المتخصص في العلاقات الدولية، إن "تفعيل الناتو خططه الدفاعية يعني أنه سيتمركز بقواته في الجزء الشرقي للحلف؛ أي في دول الجوار الجغرافي لكل من روسيا وأوكرانيا، وتحديداً في إستونيا ولاتفيا وبولندا وليتوانيا، من منطلق الدفاع والردع في حال امتداد الغزو الروسي لأوكرانيا لإحدى هذه الدول. لأنه في هذه الحالة، قد يلجأ ناتو لتفعيل المادة 5 من معاهدة واشنطن، المؤسسة لحلف ناتو، وتقضي بأن أي هجوم على دولة عضو في الحلف يمثل هجوماً على جميع الحلفاء".
واعتبر راشد أن "رد فعل الحلف الذي أعلن عنه في البيان الصادر عن اجتماعه الطارئ كان كاشفاً عن محدودية قدرة الناتو على مساعدة أوكرانيا نفسها، غير العضو في الحلف، في مواجهة الغزو الروسي، وهو ما يتزامن مع ما أعلنته الولايات المتحدة بأنها لن تحارب روسيا من أجل أوكرانيا تحت أي ظرف من الظروف".
وأضاف في تصريح خاص، "يكشف البيان أيضاً عن انهزامية عسكرية للناتو أمام روسيا، إذ اقتصر البيان على إبراز العواقب الاقتصادية والسياسية الباهظة، فقط، التي ستواجه موسكو جراء هذا الغزو، ما تزامن مع اقتصار إرسال بعض دول التحالف أسلحة دفاعية، معظمها غير فتاكة، لأوكرانيا لمواجهة الهجوم الروسي. وأن البيان جاء مطمئناً لموسكو في الغالب أكثر من كييف نفسها، ففي حين أكد الحلف اتخاذ خطوات إضافية لزيارة الردع والدفاع، فإنه سارع لتأكيد أنها إجراءات وقائية ومتناسبة وغير تصعيدية، وهي لهجة استحيائية لا تتناسب مع لهجة بوتين الهجومية التي حذرت بقوة من أي تدخل خارجي في أوكرانيا".
فعالية محدودة لقدرات الحلفاء
تقول إيرينا تسوكرمان، المحللة الأميركية المتخصصة في شؤون الأمن القومي، في تصريح خاص، إن "الولايات المتحدة لم تعد تهتم بتقوية حلف شمال الأطلسي، وأن استجابته المحدودة للغزو الروسي لأوكرانيا غير العضو بالحلف أو حتى استجابته المحتملة للهجوم على أي من الدول الأعضاء الثلاثين، حال حدوثها، وراءها أسباب هيكلية تتعلق ببنية الحلف، وأخرى مرتبطة بسياسة موسكو لإضعافه خلال السنوات الماضية، أولاً من خلال التحالف مع تركيا، وثانياً من خلال سيطرتها العسكرية الأساسية على أرمينيا، وثالثاً من خلال التأثير الكبير داخل المجر، واستخدام الضغط الاقتصادي على فرنسا وألمانيا وإلى حد ما المملكة المتحدة".
وترى تسوكرمان، أن "الإدارات الأميركية بدأت في رؤية حلف الناتو على أنه تحالف عفا عليه الزمن، ودوره واهن وأخذته على نحو متزايد على محمل أقل جدية"، وأضافت "بينما يستخدم بايدن خطاب التعددية ولكنه لم يفعل شيئاً لتقوية الناتو، كما تراجع عن التزامات الدفاع الأميركية تجاه أوكرانيا". وأشارت إلى أن "تعليقات الناتو في ضوء ذلك، تعني القليل جداً. وسيؤدي عدم الالتزام بالوفاء بالتزاماتها الدفاعية إلى وضع دول الحلف في وضع غير موات ضد روسيا إذا وصل الأمر إلى نقطة تصعيد وغزوات إضافية".
واعتبرت المحللة الأميركية أن "تعليقات حلف شمال الأطلسي بأنه سيدافع عن أراضيه بأكملها لا تزال بلا معنى إلى حد كبير"، موضحة أنه "من غير المرجح أن ترسل الولايات المتحدة أعداداً كبيرة من القوات إذا خرج الوضع عن السيطرة لدرجة غزو روسيا أحد أعضاء الناتو، ومع وجود نظام موال لروسيا في أوكرانيا، ومن المرجح أن تتعرض تلك البلدان المجاورة لزعزعة الاستقرار بدرجة كافية من خلال تدابير أخرى مثل التدابير النشطة، والحروب المختلطة، والضغط الاقتصادي الذي قد لا يجعل الغزو ضرورياً لروسيا لتحقيق أهدافها المتمثلة في ممارسة السيطرة".
بدوره، يذهب باسم راشد، إلى أن "قدرة الناتو على اتخاذ قرار ضد روسيا حتى في حالة الاعتداء على بعض الحلفاء تظل محدودة، نظراً إلى أن القرارات داخله تتم بالإجماع. ومن ثم فإن إمكانية مواجهة روسيا دفاعياً من الحلف قد تصطدم باعتراضات بعض الحلفاء الذين لديهم مصالح استراتيجية معها مثل تركيا وألمانيا وفرنسا وغيرها، بما يعرقل اتخاذ قرار موحد ويشكك بقوة في فعالية الناتو وقدرته على مواجهة الأزمات التي تهدد أعضاءه".
وفيما يتعلق بتباين المواقف داخل الحلف، يرى غنيم، أنه "على الرغم من عقوبات الناتو والضغط على الوصول إلى البحر الأسود، امتنعت تركيا عن فرض عقوبات على روسيا حتى الآن. فلا يزال أردوغان مصمماً على مسك العصا من المنتصف بهدف تحقيق التوازن للعلاقات التركية مع كل من روسيا وأوكرانيا. وكرر أن تركيا لا تقبل اعتراف روسيا بجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين، ودعا إلى العودة إلى اتفاقات مينسك الثانية، وذكر خلال اتصال هاتفي مع بوتين أن بلاده تتبع (نهجاً بناءً) داخل الناتو. ودعا إلى اتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة للناتو، كما انتقد الجهود الدبلوماسية السابقة غير الفعالة للقادة الغربيين للقاء الكرملين، وذكر أن تركيا لا تستطيع التخلي عن علاقاتها مع روسيا أو أوكرانيا بسبب العلاقات الاقتصادية والعسكرية والسياسية القوية التي تربط تركيا بالدولتين".