تسجل التقارير المحلية والدولية ارتفاعاً كبيراً في مستوى الأمية في العراق، إذ أعلنت وزارة التخطيط العراقية، مطلع عام 2020، أن نسبة الأمية بين العراقيين الذين تزيد أعمارهم على 10 أعوام، وبحسب آخر مسح نفذه الجهاز المركزي للإحصاء، بلغت 13 في المئة. كما حذر البنك الدولي في وقت سابق من تقييم مستويات التعليم في العراق، بأنها من بين أدنى المستويات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وأشارت الأمم المتحدة إلى حجم الكارثة التي يعانيها العراق بوجود 12 مليون شخص أمّي، ووصف الخبراء التربويون ذلك بأنه "رقم صادم يعصف بقطاع التعليم في البلاد".
وأعلن عضو نقابة المعلمين العراقيين، ناصر الكعبي، للصحافة، "عدم وجود أي تخصيصات مالية لجهاز محو الأمية التنفيذي". وأضاف أن "العراق متجه نحو الأمية وليس محو الأمية".
حروب وحصار وانفلات أمني ونزوح
وتعود أسباب ارتفاع نسبة الأمية إلى سنين طويلة من الحروب التي خاضها العراق، تلتها سنوات الحصار، ومنها إلى مرحلة الانفلات الأمني، ومن ثم النزوح وانتشار الفساد، واتساع الفجوة الطبقية بين فئات المجتمع العراقي وشرائحه، وإغفال تفعيل قانون "إلزامية التعليم" النافذ لحد الآن، بالتالي عدم كبح نزيف التسرب من المدارس العراقية.
وتحتل محافظة ميسان المرتبة الأولى في قائمة المحافظات التي ترتفع فيها نسبة الأمية، حيث تسجل 22 في المئة، تليها محافظة دهوك بـ19 في المئة، والمحافظة الثالثة هي المثنى بنسبة 18 في المئة، بحسب ما ورد من مدير إعلام وزارة التخطيط، عبد الزهرة.
ارتفاع نسبة تسرب طلاب المدارس
من جهة أخرى، أشار عضو "مفوضية حقوق الإنسان" فاضل الغراوي إلى "حاجة العراق للاهتمام بالمدارس بشكل أكبر، إذ إن المتوفر من المدارس، وعلى الرغم من سوء وضعها، لا تغطي الحاجة الفعلية، وهناك حاجة ماسة إلى بناء 8000 مدرسة في عموم العراق، والمعطيات تبين أن مدارس كثيرة تعاني دواماً مزدوجاً أو ثلاثياً، وحتى رباعياً، ومجموعة كبيرة من تلك المدارس بالية وقديمة وتفتقر إلى أبسط الإمكانات التعليمية. كما أن المؤسسات التعليمية والاستثمارية لا تملك القدرة على تغطية هذه الحاجات. وهو ما أثر سلباً على مستوى التعليم". وأضاف الغراوي، "لدينا مؤشر يفيد بتسرب أكثر من 83 في المئة من الطلاب من المدارس لأسباب عدة منها عدم توفر المتطلبات والمستلزمات الأساسية للتعليم، ومنها مقاعد الجلوس، أو حتى القاعات الدراسية".
"مدارس كرفانية"
وكشفت لجنة التربية في مجلس النواب بعد عام 2003 عن حاجة العراق إلى 6000 مدرسة لسد النقص الحاصل واستيعاب عدد أكبر من الطلاب. وحاولت الحكومة أن تتغلب على المشكلة، وكان أحد هذه الحلول هو بناء "مدارس كرفانية" في مناطق أطراف بغداد، لتكون بديلاً عن المباني المدرسية، أو لسد النقص في المدارس ذات الكثافة العالية، وكذلك للتخفيف من ضغط الدوام الثنائي أو الثلاثي على التلاميذ والمعلمين بصيغة التناوب.
والمدارس الكرفانية عبارة عن غرف مصنعة من الحديد مع مواد عازلة، وتسمى أيضاً بالبناء الجاهز المؤقت، استخدمت في العراق كحل مؤقت إلى حين إنشاء مدارس تتضمن قاعات دراسية بحسب الأصول.
"الكرفان" حل للانفجار السكاني
في السياق، بين الباحث الاجتماعي محمد الفخري أن "هذا النوع من المدارس هو جزء من حلول مؤقتة لتجاوز أزمة مهمة وحيوية اسمها نقص المدارس الحكومية". وأضاف أن "الانفجار السكاني العمراني غير المنضبط، والمشاريع الوهمية التي تسببت بعدم الشروع بإنجاز الإعداد المطلوبة من المباني بسبب استشراء الفساد والهدر والمغالاة في سعر إنشاء الأبنية المدرسية، جميعها عناصر أجبرتنا على التوجه إلى الحل البديل المطروح حالياً وهو المدارس الكرفانية".
وذكر الفخري أن "عدداً من المدارس أنشئت عبر تبرعات فردية أو من قبل مؤسسات وأحياناً مناطقية مشتركة"، معتبراً أن "الحل الوحيد هو تضافر جهود المتخصصين بهذا الملف، مع الجهات ذات العلاقة كالمؤسسات والمنظمات والهيئات والشخصيات الرسمية، وغيرها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قاعات دراسية غير مؤهلة
وأفاد مصدر في شركة العز التابعة لوزارة الصناعة، المسؤولة عن إنتاج وتصنيع "الكرفانات" بأنه "تم التعاقد مع شركتنا لبناء كرفانات تستغل كمدارس للمناطق النائية، وبلغ سعر البيع للغرفة الواحدة حدود 9 ملايين دينار، أي نحو 6 آلاف دولار أميركي، وهو سعر يعادل بناء قاعة مدرسية بمواصفات قياسية من الحجر (الطابوق) والأسمنت وباقي المواد الإنشائية". ويذكر أن الكرفانات تشكل قاعات مؤقتة للاستخدام وموادها شديدة الخطورة وقابلة للاحتراق، وتعرض عدد منها إلى حوادث مؤسفة بسبب "تماس" الكهرباء، أو غير ذلك.
أما سحر الياسري التي تعمل مدرسة في أحد الأحياء الراقية في بغداد، فتحدثت عن عدم أهلية المبنى الخاص بمدرستها. وقالت، "نعمل جاهدين من أجل تعمير البناء المتهالك للمدرسة، وتحاول الإدارة جمع التبرعات من الأهالي ميسوري الحال، ومع ذلك هي مجرد حلول ترقيعية نعمل عليها بداية كل سنة دراسية دون جدوى. وأعتقد أنه لا بد من تدشين مبنى جديد يتماشى مع متطلبات العائلات وأولادهم، أو سيغادر الطلبة إلى المدارس الأهلية التي توفر البديل الأفضل".
حلول وزارة التربية
وأشار وزير التربية العراقي علي حميد الدليمي، إلى "أهمية تطوير قطاع التعليم لأنه أحد أهم أهداف التنمية المستدامة"، ساعياً إلى العمل على توفير البيئة التعليمية المناسبة للتلاميذ. وأكد في تصريحه تجاوز الوزارة مراحل متقدمة في مضمار الأبنية المدرسية في محاولة جادة لإزالة ازدواجية الدوام.
وأرجع الدليمي الأسباب التي أدت إلى الإضرار بالمؤسسة التعليمية طيلة العقود الماضية، نتيجة غياب الخطط وقلة المخصصات المالية، لافتاً إلى أن الوزارة تسعى بشكل حثيث لتوفير بيئة تعليمية جديدة للطلبة.
بيان الـ "يونيسف"
وسبق أن أعلنت منظمة اليونيسف في مايو (أيار) 2019 في بيان، أن 50 في المئة من مدارس العراق تحتاج إلى إعادة صيانة وترميم، وأن النقص في الكوادر التعليمية والتربوية أسهم في ازدحام الصفوف ما اضطر كثيرين منهم إلى ترك مقاعد الدراسة.
11 مليون تلميذ ومليون معلم
من ناحية أخرى، صرح الناطق الرسمي باسم وزارة التربية حيدر فاروق السعدون، بأن "العراق بحاجة إلى بناء 8000 مدرسة، بينما مشروعنا الحالي يتضمن بناء 1000 مدرسة". وأضاف أن "أسباب أزمة التعليم وتسرب الطلاب من المدارس لا تنحصر بمسألة الأبنية المدرسية ونوعها فقط، نحن بحاجة إلى تربية إعلامية وأسرية ومجتمعية لحث الأولاد على الذهاب إلى المدارس. كما أن سوء الأوضاع التي مرت بالبلد، ابتداءً بسوء الظروف الأمنية والاقتصادية والأزمات المالية، والتي انعكست على 11 مليون تلميذ وعلى نحو مليون معلم من الملاكات التدريسية، هذا بالتأكيد سيؤثر ذلك على وضع التعليم في العراق وزيادة نسبة الأمية".
واستطرد السعدون، "يعمل الجهاز التنفيذي لمحو الأمية على إعادة الطلبة بأعمار فوق 15 سنة ممن لم يلتحقوا بالمدارس وإرجاعهم إلى مقاعد الدراسة، وهو أحد الأهداف التي تسعى وزارة التربية لتحقيقها".
وأكد السعدون "أهمية الإعلام ووسائل التواصل في تحفيز الطلبة للعودة إلى المدارس".
وكان التعليم في ستينيات القرن الماضي، إلزامياً في العراق ويعاقب من يتخلف عن إلحاق أبنائه بالمدارس. وانتشرت مراكز محو الأمية في عموم مدن وأقضية البلاد ونواحيها.
ومنحت منظمة اليونسكو، العراق، في عام1968 خمس جوائز. وفي عام 1979 حاز العراق جائزة اليونسكو في القضاء على الأمية من خلال حملة وطنية شاملة طالت من تتراوح أعمارهم بين 15 و45 عاماً.
كما أن تقارير اليونسكو والأمم المتحدة بينت آنذاك أن مؤشر الأمية انخفض إلى 27 في المئة، وتشير مصادر أخرى إلى أن نسبة الأمية انخفضت إلى 10 في المئة.