أثارت دعوة الرئيس التونسي قيس سعيد إلى منع الجمعيات من تلقي أموال من الخارج، جدلاً واسعاً في البلاد. واعتبر سعيد أن الجمعيات التي تتلقى تمويلاً أجنبياً "امتداد لقوى خارجية وأحزاب سياسية".
وقال خلال جلسة مجلس الوزراء، "لن نسمح لها بالعبث بالدولة التونسية وبإرادة الناخبين"، كاشفاً عن أنه سيجري إصدار نصوص قانونية تمنع هذا التمويل.
وتسرّب للإعلام مشروع قانون تعده الإدارة العامة للجمعيات في رئاسة الحكومة، يقوم على تنقيح مرسوم 88 لسنة 2011 المنظم للجمعيات، وهو قانون محل جدل بصفته يشرع التمويل الأجنبي.
تمويل الإرهاب
وتعتقد الكاتبة منية العرفاوي أن قرار الرئيس التونسي منع التمويل الأجنبي على الجمعيات هو الأفضل منذ توليه الحكم. وتقول: "قيس سعيد تطرق لتقرير محكمة المحاسبات التي تحدثت عن القوائم الانتخابية والتمويل الأجنبي والمجموعات المرتبطة ببعض الأحزاب والقوائم الانتخابية التي استفادت من التمويل الأجنبي من طريق الجمعيات".
وتضيف العرفاوي، "هناك جمعيات إسلامية تتلقى أموالاً طائلة من جهات أجنبية تحت غطاء الحملات الخيرية، وهذا مثبت في تقارير لجنة التحاليل المالية في البنك المركزي منذ سنة 2017. وأشارت بشكل واضح إلى وجود تمويل جمعيات على علاقة بتمول الإرهاب في تونس"، لكن الحكومات السابقة، بحسب العرفاوي، "لم تحاول تغيير قانون الجمعيات المثير للجدل الذي يشرع دخول هذه الأموال المشبوهة".
يذكر أنه في 2017 جمّد نحو 153 جمعية كانت تنشط تحت غطاء اجتماعي ولها علاقة بتمويل الإرهاب في تونس. وتسأل العرفاوي عن "مصير هذا الملف"، قائلة: "حتى اليوم، لا وجود لحكم قضائي بخصوص الملف الذي ذهب أدراج الرياح كغيره من ملفات الإرهاب".
حق أممي
ويطالب كثيرون من المجتمع المدني التونسي بالتمسك بالمرسوم الحالي المنظم للجمعيات وبتطبيقه، معتبرين أنه لا موجب لتنقيحه. ويدعون إلى وضع حد للأموال المشبوهة بعيداً من التضييق على حريات الجمعيات وعملها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في السياق ذاته، يقول رئيس مركز "الكواكبي للتحولات الديمقراطية"، أمين غالي، إن "مراجعة قانون الجمعيات جاء لمراقبة التمويل الذي يعتبر حقاً أممياً تستفيد منه جمعيات في أنحاء العالم".
ويضيف غالي، أن "الجمعيات، ولا سيما التنموية، تقوم بعمل جبار لمؤازرة جهود الدولة التي لم تعد قادرة على توفير أهم الحاجات ويسعى المجتمع المدني إلى توفيرها من طريق تمويل أجنبي".
فمنع التمويل، بحسب غالي، "هو منع على كل المجتمع الذي تحتاج فئات منه إلى المساعدة، ولا يعتبر منعاً يخص المجتمع المدني فحسب".
وفي ما يخص تمويل الإرهاب من طريق جمعيات، يذكر غالي أنه "تم الكشف عن ثلاث جمعيات فحسب متورطة"، معتبراً أن "هذا العدد ضئيل جداً ويعكس حقيقة الأوضاع بأن الجسم الجمعياتي في تونس بخير.
أما في ما يخص عدد الجمعيات الذي فاق 23 ألفاً، بحسب إحصائيات رسمية، أي بمعدل جمعية لكل 500 مواطن، فيرى غالي أنه "عدد ضعيف مقارنة بالدول الديمقراطية".
المستفيدون والمستفيدات
من جانبها، تسأل الناشطة في المجتمع المدني هناء الطرابلسي، "هل يعرف رئيس الجمهورية عدد المستفيدين والمستفيدات من مشاريع المجتمع المدني الممول من منظمات خارجية؟". وتضيف، "هل يعرف عدد فرص العمل التي يوفرها المجتمع المدني في تونس، وعدد الأسر المعوزة والمستفيدة من التمويلات الخارجية من طريق منظمات خارجية، وعدد المدارس والمستشفيات التي جهزت بتمويل أجنبي؟".
ونشر في الجريدة الرسمية للجمهورية التونسية قرار من رئيسة الحكومة، في 10 فبراير (شباط) الحالي يتعلق بضبط قائمة الجمعيات المنصوص عليها في الفصل 25 المتعلق بضبط معايير وإجراءات وشروط إسناد التمويل العمومي للجمعيات. وهو ما طرح مجدداً ملف التمويل الأجنبي للجمعيات.