بينما تتواصل المعارك في العاصمة الأوكرانية كييف، يستمر الزحف العسكري الروسي في مناطق عدة من البلاد، لليوم الثالث على التوالي، أدلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بتعليقات، الجمعة 25 فبراير (شباط)، تعرب عن خيبة أمل حيال حلفائه الغربيين، قائلاً إن بلاده "تُركت وحدها" في مواجهة الجيش الروسي. وأضاف في خطاب عبر الفيديو، "مَنْ مستعد للقتال معنا؟ لا أرى أحداً".
خطاب زيلينسكي وإعلان قادة حلف "الناتو" عدم إرسال قوات إلى أوكرانيا واقتصار الدعم الأميركي على إرسال الأسلحة، ولّدا تساؤلات بشأن الموقف الغربي الداعم لكييف من قبل المنتقدين. وفي الوقت نفسه، ترددت انتقادات خلال الأيام القليلة الماضية، بشأن وصول الدبلوماسية إلى طريق مسدود نتيجة فشل الغرب في احتواء القلق الروسي من توسع "الناتو" شرقاً.
في مقابلة عبر تطبيق "زووم"، تناول المتحدث الإقليمي باسم وزارة الخارجية الأميركية، سامويل وربيرغ، مع "اندبندنت عربية"، مستجدات الوضع، ورد على بعض الأسئلة المثارة على الساحة الدولية. وبسؤاله عن خطاب الرئيس الأوكراني وعما إذا كان "الناتو" والولايات المتحدة تخلّيا عن أوكرانيا أم أن هناك أخطاءً في إدارة الأزمة على الرغم من توافر كثير من المعلومات الاستخباراتية بشأن الاستعدادات العسكرية الروسية، قال الدبلوماسي الأميركي إن الحكومة الروسية هي من أغلق الباب أمام أي حل سلمي أو دبلوماسي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار وربيرغ إلى الدعم الأميركي الواسع لأوكرانيا منذ عام 2014، عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم. وأوضح أن الولايات المتحدة قدمت أكثر من 650 مليون دولار مساعدات دفاعية عسكرية لأوكرانيا، خلال عام 2021، ونحو 2.7 مليار دولار منذ الغزو الروسي الأول في 2014. وأضاف أنه على الرغم من الصعوبات الحالية ستواصل واشنطن تقديم وإيصال هذه المساعدات الدفاعية العسكرية للحكومة الأوكرانية، بالتنسيق مع الحلفاء في "الناتو" والاتحاد الأوروبي والدول الأخرى. وقال إن الرئيس الأميركي جو بايدن أصدر قراراً بنقل 7 آلاف جندي أميركي إلى أوروبا ومن أماكن أخرى داخل أوروبا إلى الجناح الشرقي لحلف "الناتو"، نظراً للحاجة الملحة إلى دعم البلدان الأخرى المجاورة لأوكرانيا ومنها ليتوانيا وأستونيا ولاتفيا وبولندا.
جدوى العقوبات
وفرضت الولايات المتحدة والدول الأوروبية وغيرها من الحلفاء عقوبات مالية شاملة وقيوداً صارمة على الصادرات الروسية التي سيكون لها تأثير عميق على اقتصاد روسيا. هذه الآلية ليست جديدة، إذ فرضت واشنطن عقوبات على موسكو قبل ثماني سنوات عندما ضمت شبه جزيرة القرم. وقد مر الاقتصاد الروسي بركود، لكنه سرعان ما بدأ النمو. ولم يواصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين السيطرة على القرم فحسب، بل بدأ غزواً جديداً الآن، وهو ما أثار التساؤلات في شأن فاعلية العقوبات هذه المرة، خصوصاً أنها لم تتضمن نظام المراسلة بين المصارف الدولية "سويفت" بعد رفض ألمانيا وإيطاليا.
وقال وربيرغ إن "واشنطن فرضت عقوبات صارمة ضد المؤسسات الروسية، بما في ذلك عزل أكبر عشر مؤسسات مالية روسية عن النظام المالي، فضلاً عن "عقوبات على بعض الأفراد والكيانات المقربة من الكرملين ممن يستفيدون من الفساد والسرقة من الشعب الروسي". وأضاف، "لدينا أدوات أخري، أنا لا أريد أن أتكهن بالنتيجة أو وضع فرضيات، ولكن لدينا عقوبات وإجراءات أخرى، ربما نقدم عليها بالتنسيق مع حلفائنا. وهناك إجراءات من كل أنحاء العالم، من الاتحاد الأوروبي واليابان وأستراليا ونيوزيلندا، وغيرها... لدينا موقف موحد وقوي في كل أنحاء العالم".
اتصالات مع الدول العربية
في اليومين الماضيين، أجرت الخارجية الأميركية اتصالات مكثفة مع عدد من الدول العربية. فأجرى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن اتصالاً مع نظيره الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، وتحدثت ويندي شيرمان نائبة وزير الخارجية مع نائب وزير خارجية السعودية وليد الخريجي. وبسؤاله عما تتوقعه واشنطن من حلفائها في المنطقة للضغط على روسيا بشأن أوكرانيا، قال وربيرغ إن واشنطن على تواصل مستمر، عبر مجلس الأمن في نيويورك، مع الأصدقاء والحلفاء في العالم، بشأن الوضع في وأوكرانيا، وتدعو القادة العرب وغيرهم إلى اتخاذ موقف وإدانة واضحة ضد "هذا العدوان والحرب الوحشية الروسية ضد الشعب الأوكراني".
وأضاف، "في كل هذه الاتصالات، ندعو إلى أن يعربوا عن إدانتهم هذا الهجوم... الأمر الأهم أننا نتكلم بصوت واحد وصوت عالي مع الرئيس بوتين. وهنا، يجب أن نفرق بين الرئيس بوتين والشعب الروسي، الحكومة الروسية معزولة عن المجتمع الدولي، والرئيس بوتين معزول الآن عن شعبه، نحن نسمع الاحتجاجات والرفض داخل المجتمع الروسي ضد ما يفعله وحكومته... نحن ندعو القادة في العالم إلى إدانة واضحة وعالية ضد هذه العدوانية الروسية".
وأوضح المتحدث الإقليمي باسم الخارجية الأميركية أنه في اتصالات الدبلوماسيين الأميركيين بنظرائهم في الخليج تجرى مناقشة ما يتعلق بإنتاج النفط في ظل الوضع الحالي، قائلاً، "نناقش الإجراءات الاقتصادية والتعاون والتنسيق في ما يتعلق بمصادر الطاقة، لأنه من الضروري أن نعمل عن كثب لضمان توفر الطاقة اللازمة للأسواق في العالم... لدينا علاقات جيدة وتواصل مع معظم الدول في منظمة (أوبك)، وهناك اتصال يومي عبر المستويات المختلفة للمسؤولين الأميركيين بنظرائهم في الدول المنتجة للنفط التي لديها مصادر للطاقة، ونواصل دراسة أي إمكانية لتسهيل وخفض أسعار الطاقة".
مفاوضات وهدنة محتملة
وناشد الرئيس الأوكراني نظيره الروسي إجراء محادثات مباشرة، وهو ما لاقى قبولاً في موسكو التي أبدت استعدادها لإجراء مفاوضات سلام ووقف إطلاق النار، وفقاً لسيرغي نيكيفوروف السكرتير الشخصي للرئيس الأوكراني.
وقال دميتري بيسكوف، السكرتير الصحافي للرئيس الروسي، إن بوتين مستعد لإرسال وفد إلى عاصمة بيلاروس، مينسك، لإجراء محادثات مع أوكرانيا. وبسؤاله عن احتمال مشاركة واشنطن في مثل هذه المفاوضات، واحتمالات التسوية، قال وربيرغ، "حتى الآن، سمعنا الخبر، لكن ليس هناك رد فعل رسمي أو تعليق رسمي من البيت الأبيض، لا أريد أن أتدخل بفرضيات، لكن منذ بداية الأزمة تنسق الولايات المتحدة مع الحلفاء، نحن نفضل المسار الدبلوماسي، ودائماً نُبقي الباب مفتوحاً للمسار الدبلوماسي... الحكومة الروسية هي من أغلق هذا الباب بغزو أوكرانيا".
وأضاف أن واشنطن تدعم أي إمكانية للوصول إلى حل سلمي عبر المفاوضات، لكن "ليس على الولايات المتحدة أن تُملي إرادتها على الأوكرانيين، وهو الأمر الذي يمثل جزءاً أساسياً في هذا الصراع، لأن الرئيس بوتين يريد أن يفرض إرادته على (جيرانه)، ويريد تغيير حدود أوكرانيا بقوة، ويريد فرض دائرة نفوذ وإخضاع أوكرانيا لإرادته، بينما أوكرانيا دولة ذات سيادة ولديها الإمكانية لاتخاذ القرار المناسب لها".
كوبا 1962
تتصاعد الخلافات بين روسيا والغرب بشأن توسع حلف شمال الأطلسي (الناتو)، منذ انتهاء الحرب الباردة وفتح الحلف آفاق منح العضوية لجورجيا وأوكرانيا في عام 2008. وخلال الأشهر القليلة الماضية، كانت مطالب موسكو واضحة، إذ طالبت بضمانات ملزمة بعدم توسع الحلف شرقاً، أو بعبارة أخرى وقف التوسع الزاحف للحلف في بلد كان لفترات طويلة جزءاً من روسيا. وندد بوتين خلال لقاء افتراضي جمعه بنظيره الأميركي في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بتنامي "القدرات العسكرية" للحلف على الحدود الروسية. ومع بدء روسيا عملياتها العسكرية في أوكرانيا، دافع البعض عن الموقف الروسي باعتباره إجراء لحماية أمنها القومي. وذهب آخرون للمقارنة بين الأزمة الحالية وأزمة الصواريخ السوفياتية في كوبا عام 1962، التي كادت تؤدي إلى حرب نووية عالمية.
المتحدث الأميركي رفض المقارنة التاريخية في هذا الصدد، قائلاً، "نحن لا نركز على الماضي، نركز على الوضع الحالي في أوكرانيا، الوضع خطير جداً. الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بأكمله يدعوان الحكومة الروسية إلى الوقف الفوري للهجوم العسكري وسحب جميع قواتها من الأراضي الأوكرانية والتراجع عن مسار العدوان الذي اختارته الحكومة الروسية". وأشار إلى أن روسيا شنّت حرباً وليست مجرد عملية عسكرية، بل "حرب روسية غير مبررة على أوكرانيا".
الصين وتايوان
في عالم متعدد الأقطاب لا يمكن حصر نتائج التحرك الروسي في منطقة شرق أوروبا، فربما تتربّص قوى أخرى بغيرها من الدول التي حازت استقلالها حديثاً. المثال الأوضح على ذلك هو التوتر في منطقة المحيطين الهندي والهادي، حيث تواصل بكين التحركات العسكرية تجاه تايوان. ويتوقع مراقبون أن يكون الغزو الروسي لأوكرانيا محفزاً لبكين على القيام بعمل مماثل في تايوان، التي تعتبرها جزءاً من البر الرئيس للصين، وترفض الاعتراف بها كدولة مستقلة.
وفي هذا الشأن علق وربيرغ قائلاً، "لا نريد المقارنة بين الملفين، نركز في الوقت الحالي على الوضع في أوكرانيا والعدوان الروسي، لكن في الوقت نفسه نراقب الأمور بين الصين وتايوان وفي تواصل مع الأطراف كافة".