مع تصاعد وتيرة الحرب الروسية على أوكرانيا، برز اسم "سويفت" كنظام مالي عالمي بين العقوبات الغربية المطلوب فرضها على موسكو، والتي طالتها جزئياً مع عزل عدد من البنوك الروسية الكبري عن هذه الشبكة الرئيسية الدولية. واتفق الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وحلفاؤهما على عزل عدد من البنوك الروسية عن نظام الدفع "سويفت".وذكر تحالف القوى العالمية في بيان مشترك نشر على موقع البيت الأبيض، إنه بالتنسيق مع المفوضية الأوروبية وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا وكندا، تؤيد الولايات المتحدة استبعاد "بنوك روسية مختارة" من سويفت "خلال الأيام المقبلة بهدف زيادة عزل روسيا عن النظام المالي الدولي.ويعني هذا الإجراء الانتقامي الكبير أن البنوك الروسية لن تكون قادرة على التواصل بشكل آمن مع نظيرتها خارج حدودها، كما سيتعين عليها تنفيذ معاملاتها مع شركائها الأجانب بالطريقة القديمة، أي عن طريق الفاكس، وهو أمر يستغرق وقتا طويلا للغاية. ومن جانبها أعلنت جمعية الاتصالات العالمية المالية "سويفت" أنها تستعد لتنفيذ العقوبات المالية على المصارف الروسية.وذكرت في بيان، اليوم الأحد، أنها تجري محادثات مع السلطات الأوروبية من أجل تحديد الكيانات والمصارف الروسية التي ستخضع للإجراءات الجديدة.
ما هو نظام سويفت؟
ونشأت فكرة "سويفت" في نهاية الستينيات مع تطور التجارة العالمية، وتكونت الشبكة في العام 1973 ومقرها الرئيس بلجيكا، وبدأ نشاطها العام 1977. واسم "سويفت" قد لا يكون معروفا لدى عامة الناس، ولتقريب المفهوم أكثر فإن إذا سبق لك تقديم طلب تحويل إلى البنك الذي تتعامل معه - على سبيل المثال لحجز منزل عطلتك في لندن - فقد استخدمت سويفت دون معرفة ذلك، فهو نظام مراسلة آمن تستخدمه آلاف البنوك حول العالم بهدف إجراء تحويلات بسيطة لتسوية معاملات عملائها أو تبادل الأوراق المالية أو الأسهم أو السندات. ومن الناحية الرسمية، يعتبر "سويفت" الاسم المختصر لجمعية الاتصالات المالية بين المصارف في العالم، أو "مجتمع الاتصالات المالية العالمية بين البنوك"، وهو نظام مراسلة آمن يجعل المدفوعات السريعة عبر الحدود ممكنة، ما يمكن التجارة الدولية من الاستمرار بسلاسة.ويسهل النظام، والذي مقره في بلجيكا، المعاملات بين أكثر من 11 ألف بنك ومؤسسة مالية في أكثر من مائتي بلد وإقليم في جميع أنحاء العالم، وهو أقوى الأسلحة المالية التي يمكن أن تُعاقب به دولة، إذ سيقطع البلاد عن جزء كبير من النظام المالي العالمي. وعلى الرغم من أن هذا النظام يلعب دورا محوريا في دعم الاقتصاد العالمي، لكن ليس لديه سلطة اتخاذ قرارات العقوبات بنفسه، وتقول سويفت إنها لا تملك أي تأثير على العقوبات وإن أي قرار بفرضها يقع على عاتق الحكوماتويرسل هذا النظام أكثر من 40 مليون رسالة يومية، إذ يتم تداول تريليونات الدولارات بين الشركات والحكومات.
مُلاك نظام سويفت
وبلغ عدد الرسائل المتبادلة عبر شبكة "سويفت"، حتى نهاية شهر مارس (آذار) 2020، ما يزيد على 2.4 مليار رسالة، وبنسبة نمو قدرت بـ 16.6 في المئة مقارنة بنفس الفترة من العام السابق، ووصلت ذروة تبادل الرسائل إلى ما يزيد على 43 مليون رسالة في 28 فبراير (شباط) 2020. وأنشىء نظام سويفت من قبل بنوك أميركية وأوروبية، كانت ترغب في ألا تسيطر مؤسسة واحدة على النظام المالي وتطبق الاحتكار، والشبكة الآن مملوكة بشكل مشترك لأكثر من 2000 بنك ومؤسسة مالية. ويشرف عليها البنك الوطني البلجيكي، بالشراكة مع البنوك المركزية الكبرى في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي وبنك إنجلترا. ويساعد نظام سويفت في جعل التجارة الدولية الآمنة ممكنة لأعضائها، وليس من المفترض أن تنحاز إلى أي طرف في النزاعات.
تتضمن العقوبات الاقتصادية الجديدة عزل بنوك روسية محددة من النظام المالي الدولي "سويفت"، بما يعيق قدرتها على العمل على مستوى العالم.وبحسب الاتحاد الأوروبي، تشمل العقوبات حاليا نحو 70 في المئة من البنوك الروسية والتي تعتبر مندمجة بعمق في النظام المالي العالمي، مما يعني أن ضرر العقوبات يمكن أن يتخطى حدودها.
ويعني طرد موسكو من النظام اختفاء 40 في المئة من إيراداتها العالمية بقيمة 200 مليار دولار، والتي تتمثل بأرباحها العالمية من صادراتها النفطية، بحسب وكالة "بلومبيرغ"، وسيسبب هذا أيضاً فوضى للبنوك الروسية على المدى القصير. وتعتمد روسيا بشكل كبير على نظام "سويفت" بسبب صادراتها الرئيسية من النفط والغاز التي تبلغ مليارات الدولارات، وتعد العقوبات المشتركة أقسى إجراءات فرضت حتى الآن على روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا. وتعد روسيا ثاني أكبر دولة بعد الولايات المتحدة من حيث عدد مستخدمي نظام "سويفت"، حيث تنتمي حوالي 300 مؤسسة مالية روسية إلى النظام، أي أن أكثر من نصف مؤسساتها المالية أعضاء في "سويفت"، بحسب بيانات جمعية "روسيفت" الروسية.
إجراءات تقييدية
وبالإضافة إلى ذلك، أعلنت الولايات المتحدة وحلفاؤها أنهم سيفرضون إجراءات تقييدية تهدف إلى منع البنك المركزي الروسي من استخدام احتياطياته الدولية بطرق قد تشدد العقوبات.
ومنع "سويفت" دولة واحدة فقط من الوصول إليه في تاريخه، وذلك في عام 2012، وبمساعدة أمر توجيهي من الاتحاد الأوروبي، وكانت تلك الدولة إيران، حيث جاء حظرها من النظام كجزء من مجموعة من الإجراءات التي تهدف إلى احتواء برنامج طهران النووي، ما أدى إلى خسارتها 30 في المئة من تجارتها الخارجية ونصف عائدات النفط بحسب بيانات مركز "كارنيغي موسكو" للأبحاث.
انقسام غربي
وعلى مدي الأيام الماضية بينما كانت أوكرانيا تحث الدول الغربية على استبعاد روسيا من "سويفت" وأيدتها دول مثل بريطانيا وفرنسا، كانت دول أخرى مثل ألمانيا تشعر بالقلق من التداعيات المحتملة على اقتصادها وشركاتها.
وفيما شدد مسؤولون أوربيون، الجمعة، على ضرورة حجب "سويفت" عن روسيا، كإجراء عقابي، قال الرئيس الأميركي جو بايدن إن تلك الخطوة التي "لا تزال خياراً قائماً" لا تحظى حتى الآن بقبول بين الأوربيين، في إشارة للخلافات بين الدول الأوروبية حول ذلك القرار الذي من شأن أن يعقد التجارة المتبقية مع أوروبا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يواجه القرار مخاوف ألمانية بشكل خاص، فبينما لا تعارض برلين اتخاذه فهي في الوقت نفسه ذكرت أنها "تفكر في العواقب"، وبمزيد من التشكيك في جدوى تلك الخطوة، خففت ألمانيا التي تملك أكبر تدفقات تجارية من الاتحاد الأوروبي مع روسيا موقفها وأشارت إلى أنها تبحث عن وسيلة لإخراج روسيا من شبكة سويف وفي الوقت نفسه تحاول تقليل الأضرار الجانبية.
وقال المستشار الألماني أولاف شولتس، إن فصل روسيا عن "سويفت" ينبغي ألا يكون جزءاً من حزمة العقوبات ضد موسكو.
ويوم الجمعة قال وزير المالية الفرنسي برونو لو مير إن الاستبعاد من سويفت "سلاح نووي مالي". وقال للصحفيين "عندما يكون في يديك سلاح نووي تمعن في التفكير قبل استخدامه".
معارضة "وول ستريت"
من جهتها عارضت بنوك "وول ستريت" اتخاذ خطوة مماثلة ضد روسيا، بحجة أنها ستؤدي إلى ارتفاع التضخم، ودفع موسكو إلى الاقتراب من الصين، وربما تحمي المعاملات المالية المشبوهة من التدقيق من قبل الغرب، بحسب "بلومبيرغ". ويحذر المعارضون أيضاً من أن منع روسيا من الوصول إلى نظام المدفوعات العالمي، يخاطر بالتشجيع على تطوير بديل لـ "سويفت" يمكن أن يقوض في النهاية هيمنة الدولار الأميركي.
شبكة خاصة
في المقابل لم تقف موسكو مكتوفة الأيدي بعد صدور دعوات لفصلها عن نظام "سويفت" في 2014، عندما ضمت شبه جزيرة القرم، قامت موسكو بتطوير بنية تحتية مالية محلية لمواجهة مثل ذلك التهديد من خلال إنشاء شبكة خاصة كنظام بديل للتراسل هو "إس.بي.إف.إس" (SPFS) الخاص بتحويلات مصرفية ونظام مير (Mir) للدفع بالبطاقات على غرار أنظمة "فيزا" و "ماستر كارد".وبلغ عدد الرسائل المرسلة عبر "إس.بي.إف.إس" نحو مليونين في 2020 تعادل خُمس حركة التراسل الداخلية الروسية ويستهدف البنك المركزي رفع النسبة إلى 30 بالمائة في 2023. غير أن الشبكة الروسية التي تقيد عدد المراسلات وتعمل في أيام العمل الأسبوعية فقط واجهت صعوبة في ضم أعضاء أجانب إليها وترسيخ نفسه في المعاملات الدولية.