تواصل الجزائر التحرك دبلوماسياً على مستوى أفريقيا بشكل لافت، وبعد غياب عن الساحة لفترة طويلة خلال فترة نظام بوتفليقة، شكلت رفقة إثيوبيا ونيجيريا وجنوب أفريقيا، تكتلاً أطلق عليه "الأربعة الكبار"، يهدف إلى معالجة أزمات القارة السمراء.
تكتل مفاجئ
وفي خضم حراك أفريقي يهز بلداناً عدة من القارة ترنح بين تحسين الأوضاع الاجتماعية، و"طرد" القوات الأجنبية، وتصاعد النشاط الإرهابي، وتوسع دائرة الانقلابات، واستمرار التوتر المسلح، بادرت 4 دول هي الجزائر وإثيوبيا ونيجيريا وجنوب أفريقيا، إلى التفكير في هيكل يسهم في إيجاد حلول لمختلف الأزمات التي تعرفها أفريقيا، أو على الأقل تقديم مقترحات.
ووفق ما تسرب بخصوص الخطوة، فإن رؤساء الدول والحكومات الأربع قرروا إنشاء هذه المجموعة خلال اجتماع لهم على هامش قمة الاتحاد الأفريقي- الاتحاد الأوروبي التي جرت في العاصمة بروكسيل، وأنها تتبنى النهج الاستباقي في معالجة الأزمات الكبرى التي تصادف القارة، إضافة إلى توحيد صوتها أمام المنظمات والهيئات الدولية الكبرى مثل الاتحاد الأوروبي ومنظمة الأمم المتحدة، وأيضاً عند مخاطبة الدول الكبرى مثل الصين وروسيا والولايات المتحدة، والنظر في كيفية تنفيذ القرارات الصادرة عن الاتحاد الأفريقي بشكل أفضل.
لا تناغم سياسي... وتساؤلات
وتشكل الدول الأربع ثقلاً استثنائياً في الاتحاد الأفريقي على مستوى القوة البشرية والإنتاج القومي الخام، ومن ثم أنها تعد قوى لها أوزان على المستوى الإقليمي، غير أنها لا تتناغم سياسياً في قضايا وملفات عدة، لعل أهمها أزمة سد النهضة، والقضية الفلسطينية، والعلاقات الأفريقية- الإسرائيلية، بينما يبقى المجال الاقتصادي أهم ما يلم "الأربعة الكبار"، ورفض التواجد العسكري الأجنبي الذي بات يحقق الإجماع الأفريقي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي حين تعددت القراءات والتفسيرات على المستوى الأكاديمي والإعلامي، يبقى الحديث الرسمي غائباً في الدول المعنية، الجزائر وإثيوبيا ونيجيريا وجنوب أفريقيا، ما يطرح تساؤلات عدة حول أسباب التزام الصمت إزاء الخطوة، وعدم تقديم توضيحات حول أصل الفكرة وأهدافها وشروط الانضمام وأسباب غياب دول أخرى، لا سيما في ظل غياب مصر التي يعد تواجدها في مثل هذه المبادرات مهم بسبب وزنها الدبلوماسي، على الرغم من أن عدم حضورها مفهوم ويرجعه المتابعون إلى إثيوبيا التي هي في خصام مع القاهرة جراء مشكلة سد النهضة.
تحقيق التشاور والتنسيق
يقول أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، عبد الوهاب حفيان، بخصوص "الأربعة الكبار"، إن مبادرة "جي 4" تعبر عن مشروع تكتل أفريقي يهدف إلى تحقيق التشاور والتنسيق من أجل السعي إلى إيجاد حلول أفريقية - أفريقية للأزمات والقضايا التي تواجه مستقبل القارة، مشيراً إلى أن الخطوة تأتي من خلال قناعة مشتركة الرؤى حول مستقبل القارة الأفريقية في ظل التجاذبات العالمية، وأوضح أنه تجري مناقشات لإقناع الشريك المصري بالانضمام إلى المبادرة، بعد تحفظ من المشاركة نظراً لمشكلة جوهرية تكمن في سد النهضة.
ويواصل حفيان، أن المبادرة تستهدف في الأساس فترة قد تكون فارقة في القارة، بخاصة في ما تعلق بعدم فاعلية العمل المؤسساتي في بعض بنى الاتحاد الأفريقي بعد قضية قبول إسرائيل كمراقب، الذي تم تجميده، والشق الثاني يكمن في تحرك الجزائر نحو محاولة إنشاء تكتل جديد يضعف من سلطة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "الاكواس"، التي اتضح بعد الانسحاب الفرنسي، وحصارها لدولة مالي، أنها تخدم أجندات أخرى خارجة عن إرادة القارة وطموحاتها، وتذهب في عديد المرات إلى أن تكون ضد توجه "أفريقيا الشعوب".
وقال إن الأوضاع والسياقات السياسية في العالم تتجه إلى حالة تعزيز العلاقات الثنائية والتكتلات، بالتالي يجب هندسة المستقبل من منطلق إقليمي متين بما يخدم المصالح والتوجهات البراغماتية لأفريقيا.
غياب مصر؟
في السياق ذاته، كشفت مصادر عدة عن أن المبادرة يقف وراءها رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، الأمر الذي أجل انضمام مصر، حيث يشهد خط القاهرة- أديس أبابا توتراً بسبب "سد النهضة"، على الرغم من توسط الجزائر من أجل إيجاد حل وطي الملف، بعد تنقل وزير خارجية الجزائر رمطان لعمامرة، إلى البلدين وكذلك السودان، والتقائه المسؤولين، إذ عبرت مختلف الأطراف عن تحقيق الجزائر بعض التفاهمات التي من شأنها تهدئة الوضع.
هندسة الأمن الإقليمي
في سياق متصل، يرى أستاذ العلاقات الدولية، أبو الفضل بهلولي، أنه "لحد الساعة لا يوجد أي تصريح رسمي من الجزائر بشأن هذه المجموعة، لكن بحسب تصوري تأتي لتنفيذ مقررات مؤتمر الاتحاد الأفريقي في دورته العادية الـ 35، لا سيما ما تعلق بالدعوة إلى نهج جديد في معالجة الأمن في القارة".
ويوضح أن هدفها الأساسي يتمثل في هندسة الأمن الإقليمي في المنطقة، إذ لا يمكن لدولة وحدها اليوم مواجهة التحديات، بخاصة الإرهاب والتغييرات غير الدستورية، إضافة إلى دعم الحركات التحررية في القارة السمراء، وحلحلة مختلف الأزمات على غرار الساحل الأفريقي والصحراء الغربية وليبيا وسد النهضة.
ويضيف بهلولي، أن التكتل الجديد يشكل تأثيراً على الاتحاد الأفريقي بالدرجة الأولى، بخاصة أن الدول الأربع تجمعها توافقات كثيرة وعلاقات قوية، مشيراً إلى أن التأسيس لهذا الهيكل جاء بعد الاتفاق الأمني المغربي الإسرائيلي، وأبرز أن هذه المجموعة الإقليمية تشكل ورقة تفاوض مع الاتحاد الأوروبي، والصين وأميركا وروسيا.
وختم أنه "بحسب تصوري سيكون لهذا التكتل عمل استراتيجي مستقبلي وقوة تأثير خصوصاً أن الدول الأعضاء لها إمكانات مادية وثقل دبلوماسي".