تواصل أسعار معدن البالاديوم الصعود منذ بدء التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، إذ وصلت إلى أعلى مستوى لها في 23 فبراير (شباط) الماضي، مرتفعة بنسبة 54 في المئة عن أعلى مستوى سابق لها في 15 ديسمبر (كانون الأول)، حين وصل سعر الأوقية "الأونصة" إلى 1617 دولاراً. لكنه وصل الأسبوع الماضي إلى 2492 دولاراً. وقفز سعر البلاديوم، الثلاثاء الأول من مارس (آذار)، نتيجة مخاوف من أن تلحق العقوبات الغربية على روسيا بسبب غزوها أوكرانيا الضرر بالإمدادات. وصباح الثلاثاء، ارتفع سعر البلاديوم بنسبة 3.6 في المئة إلى 2577.38 دولار للأوقية. ونقلت وكالة "رويترز" عن أولي هانسن، المحلل في "ساكسو بنك"، قوله "نرى أن العقوبات بدأت التأثير"، مما يعطل الشحنات ويقود مكاسب البلاديوم.
وتُعدّ روسيا أكبر منتج للبلاديوم في العالم، وتصدرّ أكثر من ثلث حاجات السوق العالمية من المعدن النادر. وشكّل إنتاج شركة "نورنيكل"، ومقرها موسكو، نسبة 40 في المئة من إنتاج المناجم العالمي للمعدن العام الماضي. وعام 2021، أنتجت روسيا 2.6 مليون أوقية من البالاديوم. وتُعتبر شركة "نورنيكل" الروسية الأكبر في العالم لتعدينه.
تأثير مستقبلي في الصناعة
ويتوقع المحللون في السوق أن يستمر ارتفاع سعر معدن البالاديوم وغاز النيون في حال استمرت العقوبات على روسيا بسبب حرب أوكرانيا. وتوقّع بارت مالك من "تي دي للأوراق المالية" على منصة "آي جي" للتداول استمرار صعود أسعار المعدن. وأضاف "إذا شهدنا حزمة عقوبات تؤدي إلى انخفاض التمويل والانسياب الحر للمعدن إلى بقية أنحاء العالم، فقد تصبح سوق البالاديوم في وضع مضطرب جداً في المستقبل القريب". أما بنك "غولدمان ساكس" الاستثماري، فرجّح أن يصل سعر المعدن إلى المستوى القياسي الذي وصل إليه في مايو (أيار) 2021 خلال أزمة تعطل سلاسل التوريد، عند 2967 دولاراً للأوقية.
ويُعدّ معدن البالاديوم وغاز النيون من عناصر الإنتاج الأساسية في صناعة الرقائق الإلكترونية وأشباه المواصلات. وبما أن كثيراً من الصناعات أصبحت تعتمد على الرقائق وأشباه الموصلات، من الأجهزة الإلكترونية كالهواتف والكمبيوترات والسيارات وغيرها، فإن النقص في تلك المواد الأساسية يعني تعطل صناعاتها. ويؤدي ارتفاع الأسعار إلى زيادة تكلفة إنتاج الرقائق وأشباه المواصلات، وينعكس ذلك على أسعار المنتجين لكثير من مخرجات الصناعة حول العالم.
تضرر الولايات المتحدة
وبحسب أرقام شركة "تيك سيت" لأبحاث السوق، المتخصصة في متابعة سلاسل التوريد للمواد والمكونات الحساسة، ومقرها في كاليفورنيا، فإن استهلاك الولايات المتحدة من غاز النيون يأتي بالكامل من روسيا وأوكرانيا. ويُستخدم النيون بكثافة في عمليات صناعة الرقائق "أشباه الموصلات".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتنتج روسيا غاز النيون باعتباره منتجاً ثانوياً لصناعات الصلب، ثم يتم تكريره بواسطة شركة أوكرانية. وخلال أزمة شبه جزيرة القرم، التي ضمّتها روسيا من أوكرانيا عام 2014، ارتفعت أسعار النيون بنسبة 600 في المئة. وفي مقابلة مع شبكة "سي إن بي سي"، قالت ليتا شون - روي، الرئيسة التنفيذية لشركة "تيك سيت"، عن تأثير الحرب الحالية، "بالتأكيد سيكون هناك تأثير واضح... فسيستمر الخناق على وصول موارد صناعة الرقائق، ما يؤثر سلباً في صناعة السيارات".
وأضافت شون - روي أن السوق ربما لن تشعر بكامل الأثر إلا في غضون ستة أشهر مثلاً، لكن التأثير الأكبر سيكون في قطاع صناعة السيارات. ولفتت إلى أنه لدى كثير من الشركات تعاقدات طويلة الأمد بشأن توريد البالاديوم والنيون. وأردفت "هذا عامل إضافي سيدفع الأسعار نحو الارتفاع... وستكون سوق السيارات بالتأكيد الأكثر تأثراً".
النقص في المعادن
وتوقّعت شركة "ديلويت أند دويتش" للمحاسبة والاستشارات المالية أن يستمر النقص في المعدن النادر والغاز المهم خلال عام 2022 كله، وربما يمتد إلى 2023. بالتالي، فإنه من المتوقع استمرار تضرر عدد كبير من الصناعات في الولايات المتحدة الأميركية وحول العالم. وقدّرت الشركة أن تصل الخسائر عالمياً نتيجة نقص الإمدادات من تلك المكونات إلى نصف تريليون دولار (500 مليار دولار).
لكن بعض المعلقين يرون أن شركات تعدين أميركية تعمل في مناطق في أفريقيا وغيرها لاستخراج المعادن النادرة يمكن أن تستفيد من نقص الإنتاج الروسي والأوكراني في السوق العالمية. إلا أن الشركات ربما لا تستطيع، مهما زادت سعة طاقتها الإنتاجية، تعويض الإنتاج الروسي. بالتالي، ربما تقتصر استفادتها على زيادة عائداتها نتيجة ارتفاع الأسعار بسبب الحرب في أوكرانيا.