Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

خياران أمام روسيا للسيطرة على كييف... أحلاهما مر

هجوم دموي مكلف أمام أعين العالم أو حصار طويل انتظاراً للاستسلام

يشير محللون عسكريون غربيون إلى أن الطريقة الروسية في إدارة حرب المدن لا تبشر بالخير لكييف، إذ إن العاصمة الأوكرانية معرضة لخطر حصار مطول أو هجوم دموي للغاية مثلما حدث في معارك الروس السابقة مع الشيشان. ومع اقتراب حشد القوات الروسية حول كييف، ظلت استراتيجية روسيا لإخضاع المدينة غير واضحة، لكن أحد الخيارات يتمثل في أن تتوقف التشكيلات القتالية للقوات البرية الروسية في ضواحي المدينة، وتشن حصاراً حتى استسلام الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أو يأمر قواته بإلقاء أسلحتها، ومع ذلك فإن المؤشرات الحالية تشير إلى أنه لن يستسلم بسهولة، فهل سيختار الروس هجوماً دموياً أمام أعين العالم أم يحاصرون مدينة يبلغ عدد سكانها نحو 3 ملايين انتظاراً للاستسلام؟

معركة غير عادلة

بكل المقاييس، تبدو الحرب بين روسيا وأوكرانيا نظرياً، معركة غير عادلة، إذ يفوق تعداد الأفراد والأسلحة لدى الروس، ما يمتلكه الأوكرانيون بهامش كبير، كما أن لديهم أسلحة أكثر تطوراً، وقدرات متفوقة في الفضاء السيبراني، ومع ذلك لم تأت الحرب بما تشتهي روسيا حتى الآن على الأقل، فقد ظلت القوات الروسية خارج العاصمة الأوكرانية كييف، وفشلت في السيطرة على أي مركز سكاني أوكراني رئيس آخر، ولم يثبت الروس بعد سيطرتهم الجوية الكاملة التي كانوا يطمحون فيها، كما فشلوا في المهمات اللوجيستية الأساسية مثل ضمان وجود وقود كاف لمركباتهم العسكرية.

مقدمات معيبة

وبعد نحو أسبوع على بدء الغزو، لا يزال من السابق لأوانه معرفة كيفية انتهاء الحملة الروسية، لكن الإجماع بين الخبراء العسكريين الغربيين، هو أن الغزو الأولي، استند إلى مقدمات استراتيجية معيبة للغاية، حيث يرى البعض مثل مدير الدراسات الروسية في مركز أبحاث "سي أن أي"، مايكل كوفمان، أن "التقدم الروسي استغرق مزيداً من الوقت؛ نظراً لأن خططهم استندت على افتراضات سياسية غير واقعية"، فيما يشير آخرون إلى أن استراتيجية روسيا خلال الأيام الأولى من الصراع كانت تستهدف الاستيلاء على كييف بأسرع ما يمكن والإطاحة بحكومة الرئيس زيلينسكي، وإنهاء الصراع قبل أن يبدأ بالفعل.
وأشارت أبحاث ما قبل الحرب التي أجرتها وكالة الاستخبارات الروسية "أف أس بي"، وسربت، أخيراً، إلى خبراء بريطانيين، إلى أن الأوكرانيين بشكل عام غير راضين عن قيادتهم ومتشائمون بشأن وجهة بلادهم، ولهذا اعتمدت خطة الغزو الروسي على هذا التقييم، بافتراض أن المقاومة الأوكرانية ستكون خفيفة وأن مسيرة سريعة نحو العاصمة ستكون ممكنة. ولهذا يقول الأستاذ في قسم دراسات الحرب في جامعة الدفاع السويدية هنريك بولسون، إن "موسكو وضعت افتراضات كبيرة حول قدرتها على الوصول إلى كييف في غضون 48 ساعة، وتم تشكيل معظم قراراتها على هذا الأساس كخيار استراتيجي، لكنه كان قراراً متحيزاً وافتراضياً أدى إلى اندفاع جنوني فشل في تحقيق مهمته".

الافتقار إلى الأسلحة المشتركة

وفي نزاع كهذا، تدعو العقيدة العسكرية التقليدية إلى الاستخدام المكثف لما يسمى "الأسلحة المشتركة" وهي عناصر مختلفة من القوة العسكرية، مثل الدبابات والمشاة والطائرات، والتي يتم نشرها بشكل متزامن وبطريقة تكاملية، لكن وفقاً لبولسون، "لم يستخدم الروس أسلحة مشتركة بأي طريقة منهجية، بل اختاروا على ما يبدو إرسال قوات معزولة، مثل الاستطلاع والمظليين، إلى الأمام من دون دعم كاف أو تخطيط لوجيستي، وهو خيار تكتيكي منطقي إذا كنت تعتقد أنك ستواجه مقاومة رمزية فقط، لكن هذا لم يحدث حتى الآن".

ويوافق المحلل الرئيس في شؤون روسيا بمعهد دراسة الحرب، ماسون كلارك في أن "الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أخطأ الحسابات بشكل كبير، وكان لديه خطة سيئة تتعلق بمدى سرعة انهيار الجيش الأوكراني، ولهذا قرر الجيش الروسي عدم نشر بعض أسلحته وتكتيكاته الأكثر تدميراً، بما في ذلك القصف الجماعي للمناطق المأهولة بالسكان التي شوهدت في أماكن مثل سوريا خلال الأيام الأولى للصراع، ولهذا تجنب بوتين في بداية الحرب استخدام هذه الأسلحة المدمرة للغاية من الصواريخ المركزة والضربات الجوية لتدمير المواقع الدفاعية الأوكرانية للحفاظ على فكرة أن هذه ليست حرباً حقيقية، ولا تتطلب هذا النوع من استخدام القوة النارية".

نمر من ورق
لكن بعض المحللين يجادلون بأن "الجيش الروسي لم يكن فقط مكلفاً بتنفيذ استراتيجية سيئة أو أن مخططي الحرب أساءوا التقدير، ولكنه في حد ذاته يعد منظمة غير كفوءة وغير قادرة على أداء الوظائف الأساسية في ساحة المعركة بشكل مناسب، وأنه لو كانت لديهم خطة أفضل، لكانت ستؤدي إلى نتائج دون المستوى في ميدان المعركة لأن الجيش الروسي بدا كنمر من ورق، والآن الورقة تحترق"، بحسبما يقول بريت فريدمان، الضابط السابق في مشاة البحرية الأميركية ومؤلف كتاب "التكتيكات على المدى الطويل".
وكتب كبير الباحثين في معهد أبحاث السياسة الخارجية "روب لي" على "تويتر"، أن "الجيش الروسي يرتكب بعض الأخطاء الأساسية جداً، بدءاً من المستويات الاستراتيجية وصولاً إلى المستويات التكتيكية، وعلى الرغم من أن الجيش الروسي يمتلك بعض المعدات القادرة للغاية، ولديه بعض الخبرة الحديثة في استخدامها بفعالية، فإن الروس يفشلون في استخدام تلك الأسلحة والقدرات بشكل صحيح، وهو أمر يتعلق بالتنسيق والإعداد والقيادة".

ومع ذلك، يحذر فريدمان وخبراء آخرون من أن "الجيش الروسي لا يزال أقرب لكسب الحرب؛ لأنه ببساطة يتمتع بقوات ضخمة جداً ومجهزة جيداً"، وعادة ما تتكيف الجيوش أثناء الصراع، حيث يمكن لروسيا تغيير التروس وتبني استراتيجية أكثر ملاءمة أمام المقاومة الأوكرانية الشرسة، وهناك بالفعل دلائل على أن روسيا تتحرك لاستخدام أكثر التكتيكات شراسة تحت تصرفها، بما في ذلك القصف على نطاق واسع وبالقنابل الحرارية (الفراغية) وحصار كييف والمدن الأوكرانية الكبرى أو اقتحامها تحت وابل عنيف من النيران.

حصار كييف

حتى الآن، تقول السلطات الأوكرانية، إن كييف ليست في خطر تطويقها، لأن الطرق المؤدية إلى الجنوب الغربي لا تزال مفتوحة، ويبذل منتجو الأغذية والسائقون والخدمات الأساسية الأخرى قصارى جهدهم للحفاظ على استمرارية الحياة في العاصمة، لكنهم يعترفون في الوقت نفسه أن القوات الروسية على الأبواب، وصور الأقمار الاصطناعية تؤكد اقتراب قافلة طويلة تمتد على مسافة 40 ميلاً منها، كما تحذر وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) من أن الأمور ستزداد سوءاً في وقت قريب، لأن روسيا قد تفرض حصاراً على كييف ومدن أوكرانية أخرى، ضمن تكتيك وحشي يقطع عمداً عن المدنيين الضروريات الأساسية للحياة، مثل الطعام.
وفي حال قرر الروس تطويق المدينة بالكامل من كل الجهات والانتظار حتى يتم استسلام الرئيس الأوكراني، فقد يستغرق ذلك أسابيع عدة خصوصاً، وأن حصار ألمانيا النازية للمدينة ضمن عملية بربروسا في أغسطس (آب) 1941، استغرق 7 أسابيع تحت قصف وحشي عنيف أدى إلى مصرع مئات الآلاف من المدنيين والجيش الأحمر السوفياتي على حد سواء. وإذا فرض الحصار من دون قصف مكثف، فقد يستمر سنوات عدة، بينما تستنزف قدرات وإمكانات الجيش الروسي من خلال المقاومة الأوكرانية التي ستحاول فتح ثغرات للمدينة من مختلف جبهات القتال، وهو ما سيطيل أمد الحرب، ويضر بسمعة الجيش الروسي والرئيس بوتين الذي يستعجل تحقيق نصر سريع والسيطرة على كييف لتنصيب حكومة موالية وإعلان النصر لإضعاف الروح المعنوية لدى القوات الأوكرانية الأخرى التي تقاتل في سائر أنحاء البلاد. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


اقتحام العاصمة

أما الخيار الثاني أمام القوات الروسية، فهو اقتحام كييف وإلحاق الهزيمة بالجيش الأوكراني بأي ثمن، غير أن مارك بينيتس، المحلل في صحيفة "نيويورك تايمز"، يقول، إن "الغزو الشامل لكييف والمدن الكبرى الأخرى باستخدام الجيش النظامي قد يؤدي إلى سقوط أعداد كبيرة من القتلى الروس، ما سيثير احتجاجات أكبر في موسكو وتراجع شعبية بوتين".

وعلاوة على ذلك، فإن اقتحام العاصمة ستكون كلفته مرتفعة على المدنيين ما سيفجر غضباً حول العالم ويزيد من الضغوط العالمية والمحلية لوقف الحرب، خصوصاً، وأن مسؤولين أميركيين يؤكدون أن روسيا نشرت أنظمة إطلاق قادرة على إرسال صواريخ حرارية قاتلة إلى أهداف أوكرانية، في إشارة محتملة إلى أن الكرملين يجهز المزيد من الأسلحة المرعبة من أجل بث الخوف في نفوس السكان بعد أن أعاقت العقبات اللوجيستية المراحل الأولى من الحملة العسكرية.

أسلحة مرعبة

وإذا كانت الرواية الأميركية التي لم تعترف بها موسكو حتى الآن، صحيحة فإنها ستسبب مزيداً من الضحايا، حيث تعرف الذخائر الحرارية، المعروفة أيضاً باسم "القنابل الفراغية"، بتفاعل عالي الحرارة عن طريق امتصاص الأوكسجين من المنطقة المحيطة، ما ينتج عنه موجة انفجار أطول من القنابل التقليدية. ونقلت مجلة "فورين بوليسي" عن خبراء عسكريين قولهم، إنه "من المرجح أن تستخدم روسيا هذه الأسلحة (الذخائر الحرارية) لإرهاب الجيش الأوكراني والمقاومة المدنية، في محاولة للتغلب على العقبات اللوجيستية التي أعاقت التقدم العسكري نحو المدن الكبرى مثل خاركيف وكييف".

وحذر ميك مولروي، النائب السابق لمساعد وزير الدفاع الأميركي وضابط وكالة الاستخبارات المركزية، من عواقب استخدام هذه الأسلحة "لأن الروس لن يقتلوا فقط الأوكرانيين في المنطقة المجاورة المباشرة للتأثير، وإنما ستمتص هذه القنابل الأوكسجين من الهواء وتخرجه من رئتي الأشخاص القريبين بطريقة مروعة، ما قد يزيد من الغضب العالمي ويدفع باتجاه اتهام روسيا بارتكاب جرائم حرب، خصوصاً وأن روسيا استخدمت هذه الأسلحة خلال حروب الشيشان في تسعينيات القرن الماضي وأوائل القرن الحادي والعشرين، ما أثار إدانة من جماعات حقوق الإنسان، وكذلك خلال حملة استعادة مدينة الغوطة السورية في عام 2018".

غطاء النيران

من جهة أخرى، يشير الباحث المتخصص في القدرات العسكرية الروسية بمؤسسة راند، دارا ماسيكوت، إلى أن "العقيدة العسكرية الروسية تعتمد بشكل كبير على المدفعية والنيران بعيدة المدى لتوفير غطاء للقوات البرية وتقويض معنويات العدو، وأن وجود قاذفات صواريخ على مشارف المدن الكبرى هو نذير سوء للأوكرانيين في العاصمة الذين قد يعانون بشدة خلال الأيام المقبلة".

"لكن إدارة بايدن ما زالت تتوقع أن تتعلم روسيا من أخطائها السابقة، ففي التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، شنت روسيا هجومين على غروزني، عاصمة الشيشان، وتم صدها في الهجوم الأول، إذ تمكنت القوات المحلية من رد جيش روسي تألف معظمه من المجندين آنذاك، بسبب عدم توقع وجود مقاومة، ولكن في الهجوم الثاني تمكن الجيش الروسي من دخول المدينة بعقيدة جديدة وقوات مدربة بشكل أفضل"، بحسبما يقول جون سبنسر، رئيس دراسات حرب المدن في معهد الحرب الحديثة التابع للأكاديمية العسكرية الأميركية.

حرب طويلة

وتتوقع إميلي هاردينغ، نائبة مدير برنامج الأمن الدولي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، استمرار الحرب سنوات عدة، باعتبارها "الطريقة الأكثر احتمالية لكسب أوكرانيا في معركة طويلة الأمد مع روسيا، ولن يكون هذا النصر ممكناً إلا بدعم أعضاء الناتو المستمر للمقاومة".
ويرى باحثون أنه "بفضل شجاعة المقاتلين الأوكرانيين واستراتيجية الهجوم الروسية المحفوفة بالمخاطر، فإن موسكو بعيدة كل البعد عن ضمان تحقيق نصر سريع، لكن إذا تمكنت من الفوز في معركة تقليدية والاستيلاء على كييف في الأيام المقبلة، فليس هناك شك في أن موسكو ستسعى على الفور إلى تنصيب قيادة موالية لها والمطالبة بأن النظام الجديد مسؤول عن كل عناصر سلطة الدولة. وستواجه الوحدات العسكرية الأوكرانية بعد ذلك خياراً صعباً، إذا يمكنهم إما الاستسلام للحكومة التابعة لموسكو، من دون معرفة ما إذا كانوا مدرجين على القائمة المزعومة للأوكرانيين الذين سيتم قتلهم أو أسرهم، أو يمكنهم الفرار مع آلاف اللاجئين الآخرين، أو مواصلة القتال كمتمردين. وسيكون الهدف من مثل هذا التمرد هو رفع التكاليف التي تتحملها موسكو للحفاظ على سيطرتها على أوكرانيا وزيادة الضغط على الكرملين، حيث بدأت المعارضة المحلية في روسيا تتأجج بالفعل، مع تنظيم احتجاجات في جميع أنحاء البلاد. ولكن إذا حققت روسيا النصر، فستفعل ذلك بتكلفة أعلى بكثير مما توقعه الرئيس بوتين، لأن الأوكرانيين لم يكتسبوا في المرحلة الأولية للحرب انتصاراً معنوياً فحسب، بل كسبوا أيضاً الوقت الكافي للحصول على الدعم اللازم من أوروبا والولايات المتحدة، وفرض عقوبات على الاقتصاد الروسي".

المزيد من تقارير