"لون بشرتك قد يحدد إن كنت ستعيش أو ستموت"، شهادة إحدى الطالبات التونسيات في أوكرانيا لخصت المعاناة التي يعيشها الطلبة التونسيون والأجانب من جنسيات أفريقية وآسيوية، العالقون عند الحدود البولندية والهاربون من أتون الحرب.
تقول الطالبة التونسية في أوكرانيا مريم العمدوني، التي وصلت إلى بلدها في رحلة الإجلاء الأولى التي نفّذتها طائرة عسكرية تونسية، إنهم عاشوا أوقاتاً عصيبة وتعرضوا لشتى أنواع العنصرية من طرف شرطة الحدود بين أوكرانيا وبولندا، وتصف مريم الظروف التي عاشوها خلال رحلة العبور بين المدينة التي تعيش فيها في أوكرانيا والحدود البولندية بالمرعبة، قائلة، "شعرنا بالخوف الشديد، لقد تركونا في العراء والبرد القارس لمدة أربع ساعات في انتظار العبور إلى الأراضي البولندية"، وتضيف أن "شرطة الحدود هناك تعطي أولوية العبور للأوكرانيين على حساب الجنسيات الأخرى، ومنها العرب والأفارقة".
لا خيار لدينا
وتروي مريم أن البعض منهم "أشعل النار في ملابسه التي يحملها معه في الحقيبة، من أجل التدفئة".
من جانبها، تؤكد الطالبة التونسية لينا زموري الممارسات العنصرية التي وصلت إلى حدّ العنف والضرب المبرح، قائلة إن "شرطة الحدود تسببت في كسر ساق أحد الطلبة التونسيين على أثر تعنيفه". وتضيف لينا، التي خرجت من أوكرانيا عن طريق الحدود الرومانية، أنه تمت معاملتهم معاملة حسنة من طرف الرومانيين وأنهم كانوا محظوظين مقارنة بزملائها الذين هربوا عن طريق بولندا، وتدعو لينا السلطات التونسية إلى التحرك بسرعة لإنقاذ العالقين عند الحدود.
وسط هذه الأجواء، أكد مدير الدبلوماسية والمكلف بالإعلام بوزارة الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج محمد الطرابلسي أنهم تلقوا شكاوى من الجالية التونسية حول سوء المعاملة، وقال الطرابلسي، "لكن لا خيار لدينا الآن في هذه الظروف الاستثنائية فالأولوية حالياً إجلاء التونسيين من أوكرانيا"، موضحاً في الوقت عينه أن الاتحاد الأفريقي أصدر بياناً دان فيه التصرفات العنصرية ضد الأفارقة في أوكرانيا، وتعتبر تونس عضواً في الاتحاد الأفريقي.
"المعاملة العنصرية"
ودان الاتحاد الأفريقي ما وصفها بـ"المعاملة العنصرية" للدول الأوروبية لمواطني بلدانه المقيمين في أوكرانيا، الراغبين في الفرار منها على خلفية التدخل العسكري الروسي، ورفض الاتحاد، في بيان، تلك الممارسات التي يواجهها الأفارقة لدى محاولتهم الفرار من أوكرانيا عبر المنافذ الحدودية البرية، ووصفها بأنها "غير مقبولة وتنتهك القانون الدولي"، وشدد على أن القانون يمنح جميع الأشخاص على اختلاف جنسياتهم وأعراقهم "حق الفرار" من أي دولة في حالة حرب.
لكن، من جانب آخر، قال رئيس جمعية "دار تونس في أوكرانيا"، سفيان مطوسي، إن "السلطات الأوكرانية على الحدود البولندية، في معبر ميديكا، تمارس العنف على الأجانب وخصوصاً العرب والأفارقة"، مرجحاً أن "يكون ضغط الحرب وراء تصرفات شرطة الحدود".
كما ندد رئيس جمعية الجالية التونسية في أوكرانيا طارق العلوي بالتصرفات العنصرية التي واجهت التونسيين على الحدود الأوكرانية - البولندية، وعاب على غياب المنظمات الإنسانية في هذه الحدود وتأمين المعابر الآمنة للهاربين من الحرب.
التفوق العرقي؟
وأثارت شكاوى الجالية التونسية حول المعاملة السيئة التي وجدوها في أوكرانيا غضباً وسط رواد مواقع التواصل ووسط النخب التي رأت أن الحرب عرّت حقيقة "الغرب العنصري" حسب توصيف البعض، وقال الكاتب الصحافي صغير الحيدري، "ثمة وهم اسمه التفوق العرقي للغرب"، مضيفاً أنهم "يحاولون الزج بالعرب والأفارقة وغيرهم ليقاتلوا عوضاً عنهم وهنا يتبيّن لنا النفاق الغربي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
دولياً، دعت نيجيريا المسؤولين عن الحدود في أوكرانيا والدول المجاورة إلى التعامل مع مواطنيها بلا تمييز، وفي تسجيل فيديو انتشر بشكل واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، ظهرت أم نيجيرية برفقة طفلها الرضيع أثناء إجبارها على إخلاء مقعدها لصالح شخص آخر، وقال مستشار الرئاسة النيجيرية غاربا شيهو، "وردت تقارير مؤسفة عن رفض الشرطة وعناصر الأمن الأوكرانيين السماح لنيجيريين بالصعود إلى الحافلات والقطارات المتوجهة إلى الحدود بين أوكرانيا وبولندا".
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية نفي سفيرة بولندا لدى نيجيريا يوانا تارناوسكا الاتهامات بالتعامل مع الأفارقة بشكل غير منصف، وقالت، "يحصل الجميع على معاملة متساوية".
"إهانة لشعب بولندا"
وعلى أثر صدور بعض التقارير عن أن معاملة الأوكرانيين خلال عبورهم الحدود إلى مراكز الإيواء، تختلف عن معاملة الأجانب، لا سيما الأفارقة والآسيويين، رد سفير بولندا لدى الأمم المتحدة كشيشتوف شتيرسكي على هذه الاتهامات بأن "الأقاويل إن هناك تمييزاً على أساس العرق والدين كذب وإهانة لشعب بولندا"، مضيفاً أنه "يمكن لكل من هرب من الحرب في أوكرانيا البحث عن ملاذ في بولندا".
وفي سياق متصل، تعتبر تونس أول دولة عربية نجحت في إجلاء العشرات من جاليتها في أوكرانيا، حيث تم تأمين وصولهم عبر المعابر الحدودية الرومانية من مطار بوخارست إلى مطار تونس الدولي، وخصص رئيس الجمهورية قيس سعيد جسراً جوياً مفتوحاً من أجل إجلاء بقية التونسيين.