مع انتشار أنباء غزو روسيا لأوكرانيا، تابع الناس على بعد آلاف الأميال في تايوان تلك التطورات بقلق متزايد، إذ وصف بعضهم الغزو بأنه "أسوأ سيناريو" قد تواجهه الجزيرة المتمتعة بحكم ذاتي وتعتبرها الصين جزءاً من أراضيها.
وباعتبار أنهما بلدان ديمقراطيان صغيران يقعان إلى جانب جارٍ مستبد مهيب، جرى رسم خطوط في التشابه بين تايوان وأوكرانيا. وينتاب القلق المواطنين التايوانيين والمسؤولين وزعماء العالم على حدّ سواء، من أن بكين قد تنتهز الأزمة لتكثيف الضغط على الجزيرة أو حتى مهاجمتها.
وفي ذلك الصدد، ذكرت كاثي تشينغ، وهي رائدة أعمال تدير موقعاً إلكترونياً يخبر العرسان معارفهم من خلاله عن هدايا الزواج المفضلة لديهم، إن "طريقة تفاعل العالم مع أوكرانيا قد تكون هي بالضبط طريقة تفاعله تجاه تايوان (في حالة الغزو الصيني). فهل سيهتم العالم؟".
تشن الصين حملة ترهيب ضد الجزيرة في الأعوام الأخيرة، إذ تتصيّد حلفاءها الدبلوماسيين وتنشر طائرات مقاتلة في منطقة تحديد الدفاع الجوي الخاصة بتايوان.
بعد ساعات من بدء الغزو الروسي لأوكرانيا يوم الخميس الماضي، سارع سلاح الجو التايواني إلى التحذير من دخول تسع طائرات عسكرية صينية منطقة تحديد الدفاع الجوي فيها.
والشهر الماضي، شكّلت تايبيه مجموعة عمل حول أوكرانيا تابعة لمجلس الأمن القومي. ولفتت الرئيسة تساي إنغ ون يوم الأربعاء الفائت إلى إنه يتوجب على تايوان زيادة مراقبة الأنشطة العسكرية في المنطقة والتنبه لها، من دون أن تشير مباشرة إلى الصين.
وبينما ذكرت تايوان أن الوضع في المنطقة "يختلف اختلافاً جوهرياً" عن نظيره في أوكرانيا، أعربت تساي عن "تعاطفها" مع كييف بسبب التهديد العسكري الذي يمكن أن تشكله بكين لتايبيه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وخلال الأسبوع الحالي، نقل مسؤول تايواني إلى وكالة "رويترز" اعتقاده بوجود بعض أوجه للتشابه بين التحركات العسكرية لفلاديمير بوتين وشي جينبينغ في الأعوام الأخيرة، مشيراً إلى تكتيكات "المنطقة الرمادية" التي اتبعتها روسيا مع شبه جزيرة القرم قبل ضمها في 2014.
ووصفت تايبيه الطلعات الجوية الصينية المتكررة بالقرب من الجزيرة بأنها تكتيكات "المنطقة الرمادية".
في المقابل، رفضت الصين أي مقارنة بين أزمة أوكرانيا ومطالبة بكين بـتايوان، معتبرة أن هذه المقارنة أظهرت "افتقاراً إلى أبسط درجات الفهم لتاريخ قضية تايوان".
وفي ذلك السياق، ذكرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا تشون ينغ هذا الأسبوع أن "تايوان ليست أوكرانيا، بالطبع. لطالما شكّلت تايوان جزءاً لا يتجزأ من أراضي الصين. هذه حقيقة تاريخية وقانونية لا يمكن دحضها"، واتهمت تايبيه والغرب باستخدام أوكرانيا "للتضليل بشأن" التهديدات العسكرية بشكل خبيث، وتحريض المشاعر المعادية للصين.
وفي سياق متصل، تمثّل العقوبات إحدى نقاط الحوار الرئيسة في تايوان، وحقيقة فشل الإجراءات العقابية التي فرضتها الدول الغربية على روسيا، بعد قرار فلاديمير بوتين الاعتراف بمنطقتين انفصاليتين في شرق أوكرانيا، في ردع غزو شامل.
وأشار أنتوني يانغ وهو طيار يتابع القضية عن كثب، "إذا أدركت دول أخرى حدود العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الدول الغربية، فقد تسعى روسيا والصين وغيرهما إلى استغلال هذا الحد في المستقبل. ستحاول الاستمرار في اختبار حدود الردود الغربية".
والشهر الماضي، أثار السفير الصيني لدى الولايات المتحدة تشين جانغ، الدهشة حينما ذكر أن البلدين قد يواجهان صراعاً عسكرياً بشأن مستقبل تايوان.
في لقاء أجراه أواخر يناير (كانون الثاني) 2022، قال إن "قضية تايوان أكبر قنبلة خامدة بين الصين والولايات المتحدة. وإذا استمرت السلطات التايوانية، بتشجيع من الولايات المتحدة، في السير على طريق الاستقلال، فمن المرجح أن تنخرط الصين والولايات المتحدة، وهما دولتان كبيرتان، في صراع عسكري".
في سياق متصل، ذكر عدد من الخبراء أن لدى الولايات المتحدة التزاماً أمنياً تجاه تايوان أقوى من ذلك الذي تمتلكه تجاه أوكرانيا في حال وقوع هجوم، وأهمية الجزيرة من الناحية الاستراتيجية أكبر [من أوكرانيا] بالنسبة إلى واشنطن.
في ملمح متصل، أشار المحاضر في برنامج دراسات تايوان التابع لـ"الجامعة الوطنية الأسترالية" وين تي سونغ، إلى أن "إمكانية دفاع الولايات المتحدة عن تايوان أكبر [بالمقارنة مع الحال بالنسبة إلى أوكرانيا]".
وفي حديث إلى "اندبندنت"، أضاف "في ما يتعلق بمخاوف القوة العظمى، هي ثاني أقوى دولة في العالم الآن، ومن الطبيعي أن تعتبر الولايات المتحدة منطقة المحيطين الهندي والهادي أكثر أهمية من أوروبا الشرقية".
في سياق مغاير، اعتبر دا جونغ لي، أستاذ العلاقات الدولية والدراسات الاستراتيجية في "جامعة تامكانغ" في تايوان، أنه في حين أن الولايات المتحدة استبعدت إرسال قوات إلى أوكرانيا، إلا أن لديها التزاماً أمنياً استراتيجياً مبهماً تجاه تايوان، بناءً على قانون العلاقات معها.
وأضاف، "خلال الأعوام القليلة الماضية، ذكرت الولايات المتحدة مراراً أنها تقدّر السلام والاستقرار في مضيق تايوان، وأن التزامها بتايوان قوي للغاية. وفي حين أن التزام واشنطن لا يتمثل في إرسال قوات لحماية تايوان، لكنه لا يزال يحافظ على درجة من المرونة".
ومع أن قلق تايوان يتزايد من العدوان الصيني في ضوء الأزمة الأوكرانية، وبعض المحللين يعتقدون أن هجمة بكين قد تكون وشيكة، إلا أن بعضهم الآخر يعتقد أن مثل هذا الحديث سابق لأوانه في أحسن الأحوال ومضلّل في أسوئها.
في تلك الوجهة، أعرب ليف ناشمان، زميل في دراسات ما بعد درجة الدكتوراه في "مركز هارفارد فيربانك لدراسات الصين"، عن اعتقاده بأن "الصين لن تحاول النهوض بعمل عسكري بشكل غير عقلاني ضد تايوان هذا الأسبوع لمجرّد أن بوتين اختار غزو أوكرانيا".
وغرّد ناشمان عبر "تويتر" في وقت سابق من هذا الأسبوع، "إذا اختارت (الصين) العمل لعسكري ضد تايوان، فلن تفعل ذلك الآن، ولن تكون تصرفات روسيا هي المبرر".
وتذكيراً، تعيش تايوان تحت تهديد الغزو الصيني منذ أن هربت حكومة جمهورية الصين المهزومة إلى الجزيرة في 1949 بعدما خسرت الحرب الأهلية أمام الشيوعيين. ولم تستبعد بكين احتمال شن توغل عسكري ضد تايبيه.
بالنسبة إلى الموقف البريطاني، ذكر رئيس الوزراء بوريس جونسون، حينما تحدث في "مؤتمر ميونيخ للأمن" السبت الفائت، أنه في حال فشلت الدول الغربية في الوفاء بوعودها لدعم استقلال أوكرانيا، فستكون لذلك عواقب وخيمة في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك تايوان.
ويوم الخميس الماضي في واشنطن، قال رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأميركي آدم شيف إن الصين تراقب الإجراءات الغربية عن كثب، وتركز على مدى إمكانية أن تغزو تايوان بنجاح.
وعلّق على ذلك المحاضر سونغ، معتبراً أنه "إذا مرت المحاولة الروسية لفعل ذلك [غزو أوكرانيا] من دون عقاب أو بعقوبة أخف من اللازم، فقد يؤدي ذلك تدريجاً إلى إضعاف تماسك الكتلة الغربية. نحن نعلم أن ’الغرب المتحد‘ سيكون على المدى الطويل محورياً في ما يتعلق بمحاولة الولايات المتحدة ردع الصين (عن غزو تايوان)".
© The Independent