"كل الخيارات مطروحة"، هذا ما أكده الرئيس الأميركي جو بايدن، تعليقاً على إمكانية الاتجاه نحو حظر النفط الروسي من السوق العالمية. وقد ورد هذا التصريح قبل ساعات من وجود زخم في الكونغرس الأميركي حول ضرورة حظر استخدام النفط الروسي في إطار سلسلة من العقوبات التي يفرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية على روسيا بسبب غزوها أوكرانيا.
وفي موازاة إعلان نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الأميركي، تأييدها حظر استخدام النفط الروسي، هناك مشروع قانون من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، كشف النقاب عنه هذا الأسبوع السيناتور الديمقراطي جو مانشين من وست فرجينيا والجمهوري ليزا موركوفسكي من ألاسكا، بشأن حظر النفط الروسي.
وربما تكون هذه الخطوة هي الأكثر شمولاً لفرض عقوبات على النفط الروسي. ومن شأن هذه الخطوة منع جميع الدول تقريباً من استخدام النفط الروسي. ومن المرجح ألا يكون للحظر الصارم لواردات الولايات المتحدة من النفط الروسي تأثير كبير على الأسعار في مضخات الغاز الأميركية، التي قفزت هذا الأسبوع إلى أعلى مستوى منذ نحو عقد من الزمان. علماً أن الولايات المتحدة الأميركية، على عكس أوروبا وآسيا، لا تستخدم كثيراً من النفط الروسي.
وسلمت روسيا 90 ألف برميل فقط من النفط الخام يومياً إلى الولايات المتحدة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وفقاً لأحدث الإحصاءات الحكومية الأميركية. وهذا يتضاءل مقارنة بالنفط الذي تحصل عليه الولايات المتحدة يومياً من العراق (223000)، والسعودية (472000)، والمكسيك (492000)، ناهيك عن 4.1 مليون برميل مستورد من كندا كل يوم.
ليست مهمة حرجة
وفق البيانات المتاحة، شكلت روسيا أقل من 2 في المئة من إجمالي واردات الولايات المتحدة من النفط في ديسمبر الماضي، بحسبما ذكرت إدارة معلومات الطاقة الأميركية.
وقال توم كلوزا، الرئيس العالمي لتحليل الطاقة في خدمة معلومات أسعار النفط، "إنها ليست مهمة حرجة... كندا والمكسيك والسعودية، هذه هي الدول الكبرى... روسيا لاعب ضئيل في سوق الطاقة داخل الولايات المتحدة الأميركية".
في الوقت نفسه، تستخدم بعض المصافي الأميركية النفط الروسي غير المكتمل، وتمزجها مع براميل أخرى لإنتاج البنزين ووقود الطائرات والديزل ومنتجات أخرى. ولكن، حتى بهذا المقياس الأوسع، فإن روسيا بعيدة عن كونها لاعباً ضخماً في الولايات المتحدة. وخلال ديسمبر الماضي، صدرت روسيا نحو 405 آلاف برميل فقط يومياً من النفط الخام والمنتجات البترولية إلى الولايات المتحدة. وهذا يمثل أقل من 5 في المئة من إجمالي واردات الولايات المتحدة من النفط الخام والمنتجات.
وقال ريان فيتزموريس، محلل الطاقة في "رابوبنك"، إن "مصافي التكرير الأميركية يمكنها العيش من دون النفط الروسي، إذا كان عليها ذلك... وقد تضطر إلى ذلك قريباً... هذا الشراء من قبل المصافي هو في الغالب انتهازي بطبيعته، وليس بدافع الضرورة". ولا يعني ذلك أنه لن يكون هناك أي تأثير على الإطلاق. وقد يؤدي حظر النفط الروسي إلى حدوث صداع متواضع لعدد قليل من المصافي، ويجعل نظام الطاقة أقل كفاءة بشكل عام، إذ يُعاد توجيه تدفقات النفط للتعويض.
وأضاف فيتزموريس، "باختصار، سيكون حظر الولايات المتحدة واردات النفط الروسي رمزياً في الغالب".
لا وسيلة لتعويض الصادرات الروسية
ويتجاوز فرض العقوبات على النفط الروسي منع الولايات المتحدة الأميركية من استخدام النفط الروسي، إلى منع الدول الأخرى من استخدامه خوفاً من التعرض للعقوبات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن، قد تكون العواقب المالية وخيمة في حال التوصل إلى هذا القرار. فقد كان العرض العالمي يفشل بالفعل في مواكبة الطلب حتى قبل الغزو الروسي لأوكرانيا. واحتلت روسيا المرتبة الثانية في إنتاج النفط على كوكب الأرض خلال 2021، إذ ضخت النفط أكثر من كندا والعراق مجتمعتين. فيما يعتمد حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا بشكل كبير على النفط الروسي للحفاظ على نمو اقتصاداتهم.
وقال كلوزا، إن "النفط الروسي ليس مهماً للولايات المتحدة... إنه مهم لأوروبا... لا أعرف ما الذي ستفعله أوروبا من دون الخام الروسي".
وعلى الرغم من التوسع الغربي في العقوبات الاقتصادية التي فُرضت على روسيا، فإن قادة أوروبا والولايات المتحدة الأميركية بذلوا قصارى جهدهم لتجنب معاقبة النفط الروسي بشكل مباشر. لكن عدم اليقين بشأن العقوبات تسبب في فرض حظر فعلي على النفط الروسي.
المسرح العالمي
ويقدر "جي بي مورغان" أنه تم تهميش أكثر من 4 ملايين برميل يومياً من النفط الروسي بشكل فعال، ما أدى إلى ارتفاع أسعار النفط والبنزين بشكل كبير. والمشكلة هي أن روسيا لاعب كبير على المسرح العالمي، ويصعب استبدال كل هذا النفط على المدى القصير.
ومن شأن إبرام اتفاق نووي محتمل مع إيران، ما يبدو مرجحاً بشكل متزايد، أن يساعد الدول الغربية على اتخاذ هذا القرار. لكن، حتى هذا الاتفاق سيضيف فقط حوالى مليون برميل يومياً من النفط إلى سوق تحتاج إلى أكثر من ذلك بكثير. وقد لا يتدخل تحالف "أوبك+"، الذي يضم روسيا نفسها، لإنقاذ الموقف، إذ يرفض منذ أشهر فتح الإمدادات.
وتنتج شركات النفط الأميركية مزيداً من النفط، ولكن بوتيرة متواضعة، لكونها تركز على إعادة الأموال إلى المساهمين والتعامل مع الضغوط المالية الخاصة بهم. ويقول جيسون بوردوف، المدير المؤسس لمركز سياسة الطاقة العالمية في جامعة كولومبيا، "لا توجد وسيلة لتعويض خسارة الصادرات الروسية من دون أن نلاحظ ذلك في مضخة الغاز... قد يكون هذا هو الثمن الذي نرغب في دفعه لإبلاغ روسيا بأن أفعالها غير مقبولة".