مع بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، فر آير، 18 عاماً، برفقة زملائه طلاب الطب المتحدرين من نيجيريا واستقلوا القطارات والحافلات قبل أن يواجهوا كثيراً من العوائق من تأخر في المواصلات وعلى نقاط التفتيش المكتظة مما دفعهم في بعض الأحيان إلى الهرب سيراً على الأقدام.
وعندما وجدوا في نهاية المطاف ملجأ عبر الحدود، قدمت لهم المشروبات الدافئة والأطباق الساخنة وحصلوا على وعد بتأمين مكان للمكوث فيه في مسكن للطلاب في جامعة مجاورة فضلاً عن إرشادات حول كيفية الحصول على إقامة لمدة شهر.
كل ذلك جرى في مكان لا يخطر في البال: المجر التي شيدت منذ سبع سنوات أسواراً من الأسلاك الشائكة واستخدمت خراطيم المياه ونشرت كلاباً مسعورة في مسعى منها لإبعاد اللاجئين الفارين من الحروب في الشرق الأوسط عن حدودها مما أكسبها لقب "الحصن المجري".
"كان كل شيء في غاية السهولة [على قدر كبير من اليسر] هنا"، يخبرنا آير فيما يجلس برفقة أصدقائه خارج المحطة الواقعة في بلدة زاهوني الحدودية حيث وصلت قطارات مقبلة من أوكرانيا وجرى نقل الركاب إلى قطارات وحافلات صغيرة للدخول إلى العمق المجري. وأضاف قائلاً: "كان الجميع مرحباً ومساعداً للغاية".
استقبلت أوروبا الشرقية حتى اليوم أكثر من مليون لاجئ فروا من براثن الحرب الروسية ضد أوكرانيا. وتقوم المجر وغيرها من الدول على غرار بولندا باستقبال هؤلاء بأذرع مفتوحة.
وهرعت تلك الدول إلى مد القادمين الجدد بالطعام والبطانيات والألعاب للأطفال، كما فتح السكان منازلهم لاستقبالهم. وأطلقت حملات تبرعات ضخمة لجمع الأموال والحاجات الأساسية.
أما في بروكسل، فيبحث القادة الأوروبيون منح الأوكرانيين تأشيرات إقامة لمدة ثلاث سنوات فضلاً عن تقديم أشكال أخرى من المساعدة. ويعبر اللاجئون الحدود في غضون ساعات أو أيام عوضاً عن البقاء عالقين في المخيمات لأشهر أو حتى لسنوات.
وعزا بعض المراقبين هذا التغير في المواقف إلى العنصرية بيد أن المجريين والرومانيين والسلوفاكيين وسواهم يستقبلون آلاف العرب والأفارقة والقادمين من جنوب آسيا وكذلك الأوكرانيون الهاربون من الحرب. فيما أعاد بعض المراقبين والمحللين السبب في هذه الليونة المستجدة في المواقف إلى رياح التغيير الاجتماعية والسياسية.
وتصر كاتالين، وهي متطوعة مجرية شابة تساعد اللاجئين الوافدين في مركز استقبال قرب زاهوني على أن "وصفنا بالعنصريين هو مجرد انطباع خطأ. فالشعب مختلف عن الحكومة."
ويقول إيمرا سابجان، رئيس إدارة الطوارئ في الخدمات الخيرية المجرية التابعة لمنظمة فرسان مالطا للمتطوعين: "لم يتغير شيء. الشعب المجري هو شعب مضياف، ويذكرنا هذا بالتعبئة التي حصلت في عام 2015". ولدى سؤاله عن أسوار الأسلاك الشائكة التي بنيت لإبعاد اللاجئين في عام 2015، استهجن سابجان قائلاً: "أنا لم أبن أياً منها".
وفي المجر التي تتشارك مع أوكرانيا بحدود تجتاز بكثافة وتشهد حركة ناشطة ويبلغ طولها 85 ميلاً، خفف رئيس الوزراء فيكتور أوربان المعروف بسياسته المناهضة للهجرة من القواعد الصارمة للجوء في البلاد قبيل الانتخابات المقرر إجراؤها في 3 أبريل (نيسان). وخلافاً لما كان يحصل في السابق، غابت الإعلانات الانتخابية السياسية التي تحذر من اللاجئين الذين يشكلون تهديداً للمجريين كما اختفت أي اتهامات علنية عن أن خصومه يسعون إلى استبدال السكان المحليين باللاجئين الأجانب.
ورحب أوربان بنفسه باللاجئين فاتحاً ذراعيه لهم وشرح لمؤيديه أن الأشخاص القادمين من أوكرانيا يواجهون خطراً محدقاً وهم يفرون من حرب مجاورة خلافاً للسوريين الذين اجتازوا عدداً من الدول والبحار لبلوغ المجر في عام 2015.
وفي هذا السياق، صرح أوربان للمراسلين الصحافيين، الخميس، أثناء زيارة قام بها لمركز مساعدة في بلدة بيريغسوراني الحدودية التي تبعد حوالى 40 ميلاً جنوب زاهوني قائلاً: "بوسعنا التمييز بين المهاجر واللاجئ. يتم توقيف المهاجرين، فيما بوسع اللاجئين الحصول على كل المساعدة المطلوبة".
بالعودة إلى عام 2015، كانت غالبية القادمين إلى المجر من الشبان الذكور العازبين مما عزز المخاوف التي سلط الضوء عليها اليمين المتطرف زاعماً أن هؤلاء يأتون لأخذ الوظائف من السكان المحليين أو ليشكلوا تهديداً للنساء. ومنعت أوكرانيا الرجال في سن ملائمة للقتال من مغادرة البلاد وأصرت على بقائهم لمواجهة الغزو الروسي. وبالتالي، تتكون غالبية الأشخاص الذين وصلوا إلى المجر التي شهدت اجتياز ما يزيد على 133 ألف لاجئ الحدود، خلال الأسبوع الماضي، من نساء وأطفال فضلاً عن طلاب جامعيين أجانب.
ويوم الأربعاء، وصل إلى زاهوني قطار يحمل على متنه عشرات الشبان الأوكرانيين الذين يعانون من إعاقات عقلية وجسدية وقام المتطوعون المجريون بمرافقة كل منهم بلطف وعناية إلى ملجأ مناسب. وفي غضون ذلك، تم تحويل محطة قطارات نيوغاتي في بودابست إلى مركز مؤقت للإغاثة الإنسانية لمساعدة الأشخاص الوافدين من أوكرانيا.
وأشار قادة المعارضة الذين يخوضون الانتخابات ضد أوربان إلى أن رئيس الوزراء توصل إلى خلاصة مفادها بأن "شيطنة" اللاجئين هي موقف خاسر سياسياً هذا العام [لا تلقى شعبية].
ويدعم كارهو الأجانب حزبه فيدس Fidesz (الاتحاد المدني المجري) الذي تحول إلى حزب يميني متطرف تعرض لضغوط لمغادرة الائتلاف الأوروبي لأحزاب اليمين فيما يعبر الناخبون المتأرجحون والمترددون عن قلقهم بشأن كلفة المعيشة أكثر من أزمة اللجوء.
وتلاشت المخاوف الأمنية المرتبطة بـ"داعش" والإرهاب "الجهادي". ففي عام 2015، هدد مقاتلو "داعش" الغرب ولكن في عام 2022، يشعر سكان أوروبا الشرقية في المجر ورومانيا وبولندا بقلق أكثر حيال التهديد الذي تطرحه روسيا. ويسارع أوربان والقادة الأوروبيون الآخرون إلى قطع العلاقات معها.
ويقول تاماس ريفيس، 23 عاماً، وهو طالب يدرس للحصول على إجازة في التعليم من جامعة ديبريسين والذي تطوع لمساعدة اللاجئين في محطة القطارات في زاهوني: "خلال الأزمة السابقة، اعتقد العديد من المجريين أن الأشخاص يأتون إلى هنا لأسباب اقتصادية. أما اليوم فهم يرون فعلاً حرباً قائمة."
وفي سياق متصل، حذر المراقبون من أن يكون الترحيب باللاجئين حالة قصيرة الأمد.
وحتى الساعة، عدد كبير من الأوكرانيين الذين وصلوا إلى المجر هم من أصل مجري يتحدثون اللغة الأم حتى أن من بينهم من يحمل جوازات سفر أو هم مخولون الحصول على الجنسية. أما القسم الآخر، فهم من المقتدرين مادياً ويمكن رؤية ذلك بوضوح على طول الطريق السريع بين الحدود الأوكرانية وبودابست، حيث يتم رصد سيارات فارهة من طراز "رانج روفر" و"مرسيدس" تحمل لوحات أوكرانية.
وفي إحدى استراحات محطات الوقود، المكتظة بالأوكرانيين الذين يبتاعون الوجبات الخفيفة والسندويشات، تحمل امرأة حقيبة فخمة وتستعرض كلبها من نوع بيشون أصلي. فيما سأل رجل أين بوسعه شحن سيارته الكهربائية.
وامتلأت فنادق العاصمة المجرية بودابست بالنزلاء الأوكرانيين فيما تم حجز كافة الرحلات المتجهة من مدن أوروبا الشرقية قرب الحدود الأوكرانية وعلى متنها نسبة كبيرة من الأثرياء والطلاب الدوليين وحتى بعض الرياضيين المحترفين الذين لا حاجة لهم بالتفتيش عن ملجأ في المخيمات أو المدارس.
تمثل التحدي الأبرز الذي واجهه آير ورفاقه في إيجاد صراف عملات لتبديل دولاراتهم فيما يستعدون إلى العثور على سبيل للعودة إلى الديار أو لملاقاة أنسباء لهم في أجزاء أخرى من أوروبا.
وعندما قيل لهم، إنهم قد يضطرون لانتظار القطار التالي بضع ساعات، ويفترض أن يوصلهم إلى المأوى الذي أعد لهم في مسكن للطلبة في جامعة مجاورة، أصر أحدهم على أنه مستعد لإنفاق مبلغ من المال مقابل رحلة لمدة ساعتين في سيارة أجرة لتوصيله إلى هناك بشكل أسرع.
ويبدي بعض المراقبين والصحافيين في أوروبا الشرقية قلقهم بشأن ما قد يحدث عندما تبدأ أول موجة من اللاجئين المقتدرين الذين يملكون بطاقات ائتمانية وبوسعهم تحمل كلفة تجاوز الطوابير وبلوغ بر الأمان مع عائلاتهم بالانحسار. فعندها ستبدأ موجة جديدة من اللاجئين الأكثر فقراً وعوزاً بالظهور بما في ذلك أقلية غجر الروما من أوروبا الشرقية إضافة إلى عمال من الشرق الأوسط وجنوب آسيا ممن علقوا في أوكرانيا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبدأت العدائية تتكشف في بعض المناطق. ففي منشور على "فيسبوك"، اشتكى رجل مجري من "وصول قطار يحمل أكثر من 100 لاجئ من أصول أفريقية وعربية" و"بضعة" أوكرانيين وحسب، واصفاً موجة الوافدين بالمخطط لإدخال الأجانب إلى البلاد.
وكتب قائلاً: "أتوا مستعدين للرحلة الكبيرة. وهم ليسوا جائعين أو متعبين. إنه أحدث مسار قانوني لوكالة سفر اللاجئين".
وأشار الطالب الجامعي ريفيس إلى أنه ليس قلقاً اليوم من تكرار ما حصل في عام 2015 ببساطة لأن الذين يصلون إلى المجر لا ينوون الاستقرار فيها واتخاذها موطناً لهم. وأضاف قائلاً: "ساعدتهم طوال اليوم، وقالوا لي إنهم سيغادرون، ولن يبقوا في المجر. أخبرني العديد منهم بأنهم سيعودون إلى الديار. سيجد الطلاب أماكن أخرى في أوروبا. ليست المجر بلداً متطوراً للغاية، ولهذا فهم لن يمكثوا طويلاً هنا، كما أن الأشخاص ليسوا مضيافين إلى هذه الدرجة".
*أسهم أورس لاني في إعداد هذا التقرير
تتميز صحيفة "اندبندنت" بتاريخها العريق في تنظيم الحملات لمساعدة الأشخاص الاكثر حاجة. وقد أطلقنا حملتنا الأولى بعنوان "Refugees Welcome" (مرحباً باللاجئين) أثناء الحرب في سوريا في عام 2015. واليوم، إذ نجدد حملتنا ونطلق هذه العريضة في أعقاب الأزمة الأوكرانية التي تتكشف، فإننا ندعو الحكومة إلى المضي قدماً بشكل أسرع لضمان وصول المساعدة. لمعرفة المزيد عن حملة Refugees Welcome، الرجاء النقر على الرابط التالي.
© The Independent