أثارت العملية العسكرية التي تشنها روسيا ضد أوكرانيا تساؤلات فلسطينية حول ازدواجية موقف المجتمع الدولي وهيئات الأمم المتحدة في التفريق بين الموقف المتخذ حول الأزمة في كييف، وممارسات إسرائيل ضد الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية.
وفجّر تساؤلات الفلسطينيين وغضبهم، مقطع فيديو مصوَّر انتشر للنائب الإيرلندي ريتشارد بويد، انتقد فيه ازدواجية المعايير التي يتعامل بها المجتمع الدولي وهيئات الأمم المتحدة، في فرض العقوبات على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في غضون خمسة أيام، فيما لم يتم فرض أي عقوبات على إسرائيل التي تمارس انتهاكات جسيمة ضد الفلسطينيين.
انتقادات دولية
وقال بويد إن "المجتمع الدولي يتعامل مع الفلسطينيين كعرق أدنى شأناً، ولاحظت أن قادة العالم استخدموا لغة قوية وصحيحة عندما وصفوا أفعال فلاديمير بوتين، ولكن هؤلاء القادة لم يستخدموا اللغة ذاتها وكانوا حذرين في وصف الجرائم بحق الإنسانية التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين وتم توثيقها من مجلس حقوق الإنسان". وأضاف، "إسرائيل مارست الاضطهاد الوحشي واللاإنساني ضد سكان غزة أثناء قتالها العسكري الأخير، وخلال التطبيق المنهجي لقواعد الفصل العنصري في الضفة الغربية، وحينها لم يتجرأ قائد على وصف ذلك بالإرهاب، ولم تفرض هيئات الأمم المتحدة ولا زعماء العالم أي عقوبات على إسرائيل".
وتابع، "خلال خمسة أيام، فرض العالم عقوبات كثيرة على الرئيس الروسي، لكن بعد 70 عاماً من قمع الفلسطينيين، لم يقُم القادة بالإجراءات ذاتها ضد إسرائيل، بحجة أنه من غير المفيد فرض عقوبات على تل أبيب".
ولم يكُن بويد وحده الذي انتقد ازدواجية المعايير الدولية في التعامل مع القضية الفلسطينية، إذ نددت النائبة في برلمان المملكة المتحدة جولي إليوت بالازدواجية في تعامل الغرب مع فلسطين وأوكرانيا، وقالت، "إن العالم يعاقب روسيا لاحتلال أوكرانيا، لكن الفلسطينيين يسألون لماذا لا نفعل شيئاً لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لهم، ومن الضروري الاعتراف بهم كدولة وهو الحد الأدنى لحقوقهم".
المفارقة التي أجراها النائب الإيرلندي ريتشارد بويد، إضافة إلى عقد جلسات متتالية لمجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان، وإعلان المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فتح تحقيق بشأن الوضع في أوكرانيا، كشف عن حجم ازدواجية المعايير لدى المجتمع الدولي، في التعامل مع معاناة الفلسطينيين في ظل استمرار ارتكاب إسرائيل ممارسات خارج القانون الدولي.
العدالة غائبة
وقال الناطق باسم حركة "فتح" حسين حمايل إنه "خلال العملية العسكرية الإسرائيلية ضد قطاع غزة، لم ينجح مجلس الأمن بعد ثلاثة اجتماعات من إصدار قرار يطالب تل أبيب بوقف العدوان. وخلال الاجتماع الوحيد للجمعية العامة للأمم المتحدة، لم يصف أي متحدث قتل الجيش لأطفال غزة بالإرهاب أو أي كلمة إدانة أخرى، بينما استغرق فتح تحقيق في المحكمة الجنائية الدولية في انتهاكات تل أبيب بحق المشاركين في مسيرة العودة على حدود غزة نحو عامين، لكن خلال أيام قررت المدعية العامة التحقيق في جرائم روسيا ضد أوكرانيا".
وتساءل، "هل الدم الفلسطيني بالنسبة إلى المجتمع الدولي وهيئات الأمم المتحدة من الدرجة الثانية، وهل الإنسانية تُصنّف وفقاً للعرق واللون؟"، مشيراً إلى أن "من الضروري أن يتعامل قادة العالم بحيادية، بخاصة في حق تقرير مصير الفلسطينيين، ويتخذوا قراراً بحتمية إنهاء احتلال الأراضي الفلسطينية وإقامة دولة لهم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف، "أن تتخذ المنظمات الدولية والأممية مواقف فاعلة وسريعة تجاه أزمة أوكرانيا، بينما تمتنع عن اتخاذ موقف حازم تجاه جرائم إسرائيل التي امتدت لأكثر من سبعة عقود ضد السكان في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية على حد سواء، يعكس ازدواجية في المعاملة وغياباً للعدالة".
وبحسب حمايل، "المجتمع الدولي لا يرغب بأن يتعامل مع القضية الفلسطينية بإنسانية ولا حتى وفق قواعد القانون الدولي، لذلك من لا يطبّق القانون الدولي في فلسطين لا يحق له أن يتحدث عنه في مكان آخر بالعالم"، مشيراً إلى أن "الكيل بمكيالين بالموضوع الفلسطيني يؤثر في مصداقية النظام الدولي عموماً".
العالم منحاز لإسرائيل
أما حركة "حماس"، فاعتبرت أن "المجتمع الدولي منحاز لصالح إسرائيل دائماً ويتجاهل المعايير الإنسانية". يقول عضو المكتب السياسي سهيل الهندي إن "الأمر لا يقتصر على ازدواجية المعايير، إذ يصل إلى حد تواطؤ المنظومة العالمية مع إسرائيل نظراً إلى علاقات المصالح التي تربطهما". يضيف "على الرغم من توثيق مؤسسات حقوقية وازنة، مثل منظمتي العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة، فإن العالم يرفض فرض عقوبات على إسرائيل، وهناك رفض للتحقيق من قبل الأمم المتحدة في تلك الجرائم على الرغم من الإنجازات التي يحققها الفلسطينيون في هذا الملف".
وأكد الهندي أن "الحماية التي تتمتع بها إسرائيل، إضافة إلى الإفلات من العقاب بسبب التواطؤ الدولي مع نظامها، ومجرد التحقيق في جرائمها لم يحدث، وهناك رفض واسع من قبل الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي لأي إدانة لها".
وأوضح الهندي "كل يوم تنتهك إسرائيل القانون الدولي، وترتكب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، ومنها الحصار الذي تفرضه على غزة والعمليات العسكرية ضد القطاع، والاستيطان في الضفة الغربية ونظام التمييز العنصري في القدس، ولم يتحرك العالم، وهذا على أقل تقدير يوصف تواطؤ مع إسرائيل في ارتكابها جرائم ضد الإنسانية".
ومنذ بدء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة نحو 310 قرارات تعالج الخلاف بين الطرفين وبعضها يدين إسرائيل ويطالبها بضرورة الانسحاب من الأراضي الفلسطينية، كما اتخذ مجلس الأمن 131 قراراً تعالج بشكل مباشر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لكن لم يطبّق على الأرض أي منها.