شهد المغرب منذ تسعينيات القرن الماضي طفرة مهمة في مجال ترسيخ حقوق المرأة، انطلقت بإشراك المرأة في حكومة (عرفت بحكومة التناوب التوافقي) الراحل عبدالرحمن اليوسفي 1998-2002، إضافة إلى اعتماد نظام الـ "كوتا" عام 2002، والذي ضمن وجود المرأة في البرلمان بنسبة 10 في المئة، أي بـ 30 مقعداً إلى أن وصلت لـ 60 مقعداً خلال الانتخابات التشريعية عام 2011، وأسهمت الحركة النسائية في اعتماد المملكة عام 2004 مدونة جديدة للأسرة، اعتبرت في حينه إنجازاً تاريخياً.
وضع متقدم
واعتبرت الناشطة السياسية ابتسام عزاوي أن اليوم العالمي للمرأة يبقى مناسبة لتقويم ما تحقق من منجزات، واستشراف الأفق نحو ما يجب تحقيقه من إصلاحات في مجالات متعددة، قائلة في ما يتعلق بوضع المرأة المغربية، "هناك تقدم مهم جداً تم إحرازه في عدد من المجالات سواء السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، وهذا مرتبط أساساً بنضالات المرأة المغربية". مضيفة، "إلا أنه ما زالت هناك مساحات واسعة من الاجتهاد ونواقص كثيرة في مجالات عدة، أعتبر أننا اليوم يجب أن نباشر جيلاً جديداً من الإصلاحات في ما يتعلق مثلاً بمدونة الأسرة بعد عقدين من تنزيلها، وهو القانون الذي اعتبر ثورياً إبان إقراره، وهناك مظاهر عدة تستوجب العمل عليها ووضعها كإصلاحات في صيغة جديدة معينة لمدونة الأسرة وقوانين الانتخابات والأحزاب".
وأشارت الناشطة السياسية إلى أنه على "الرغم من ضمان نسبة الثلث على الأقل لفائدة النساء داخل الهيئات المنتخبة، لكن طموحنا هو تحقيق ذلك المسعى الدستوري الذي نص عليه دستور 2011 وهو الوصول إلى المناصفة الحقيقية، والتي تمر عبر تكافؤ الفرص وضمان مناخ يضمن هذا المسار، وبالتالي يجب مباشرة هذه الإصلاحات"، مضيفة أن الاحصاءات ما زالت تظهر وجود تباين بين وجود المرأة المغربية في مناصب القرار على المستوى الاقتصادي وفي الهيئات التقريرية على مستوى مناصب المسؤولية، معتبرة أن "طريق النضال ما زال طويلاً ويجب أن نستمر في العمل لتحقيق كل هذا، فحينما نتكلم عن المناصفة أو عن المساواة فليس الهدف من ذلك الانتصار للمرأة على أساس أنها امرأة فقط، وإنما الانتصار لها على أساس أن لديها كفاءة وأنها محرك حقيقي ونصف المجتمع وقادرة على الإسهام في التنمية وازدهار البلد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من جانبها، أشارت الناشطة في مجال حقوق المرأة ثوريا التناني إلى أنه لا يمكن إنكار أن المغرب انخرط في مواجهة العنف المسلط على النساء منذ أواخر التسعينيات، وأن الحكومات المتعاقبة وضعت برامجاً وخططاً واستراتيجيات للنهوض بحقوق المرأة، وصادقت المملكة على التزامات دولية، وبالتالي "يمكن القول إن المغرب تعامل إيجاباً مع منظومة حقوق الإنسان، وتأكد الأمر في التعديل الدستوري عام 2011 الذي نص على مبدأ المساواة بين الجنسين على الرغم من كونه قيدها بضرورة احترام ثوابت الشريعة، وبالتالي فإنه على المستوى الدستوري احترم مبدأ المساواة، ولكن في إطار الخصوصية المغربية فهناك مدونة الأسرة وقانون الجنسية وقانون مناهضة العنف ضد النساء".
نساء مهمشات
يضم المغرب فئة كبيرة من النساء الفقيرات اللواتي يكافحن من أجل لقمة العيش، أرغمتهن الظروف على العمل في مجالات عدة، وبالتالي يعانين من عنف مزدوج، اجتماعي واقتصادي، وقالت ثوريا التناني، "أنا كمناضلة نسائية أتحدث عن وضع المرأة انطلاقاً من التواصل مع النساء اللواتي نسميهن الناجيات من العنف، بمعنى تلك الموجودات في وضعية هشاشة، وهن العاملات في المعامل والمصانع والمجال الفلاحي وخادمات البيوت والبائعات المتجولات"، مشيرة إلى أن هؤلاء النسوة يعشن وضعاً صعباً ويعانين عدم اهتمام الدولة بهن، وزادت تداعيات وباء كورونا من تأزيم وضعهنّ، وبالتالي فإن حقوقهن الاقتصادية مغيبة ضمن السياسات العامة للدولة، موضحة أن "الوباء أعاد خطر العنف القائم على النوع الاجتماعي (ضد المرأة)، وبالتالي على المنظومة السياسية العمل على تحسين وضع النساء باعتبارهن مواطنات مغربيات، إضافة إلى وجود ما يسمى أزمة "الجنس مقابل النقط" التي تضج بها جامعات المغرب، إضافة إلى التحرش الجنسي التي تعانيه الطالبات والموظفات والنساء بالشارع، ناهيك عن ظاهرة الاغتصاب المتفشية في المجتمع".
العنصر الأكثر ضرراً
من جانبه، أشار الأمين العام للمنظمة الديمقراطية للشغل علي لطفي إلى أن النساء يعتبرن أكثر عرضة لتأثيرات تغير المناخ وللجوائح، مضيفاً أنه بحسب آخر تقرير لمنظمة العمل الدولية الذي حمل عنوان "كوفيد-19 وعالم العمل"، فإن العاملات تضررن من الوباء أكثر من غيرهن، مما انعكس سلباً على" التقدم المتواضع الذي تحقق في المساواة بين الجنسين خلال العقود الأخيرة، وتفاقم اللامساواة بين الجنسين في العمل"، موضحاً أن النساء العاملات في المغرب يشكلن ثلثي القوى العاملة التي تشتغل في الاقتصاد غير المهيكل وفي وظائف ذات أجور زهيدة أو غير مستقرة أو غير رسمية، فضلاً عن الهشاشة واتساع فجوة التفاوت بين الجنسين في الوسط المهني، وتفاقم اللامساواة بين الجنسين في العمل تصل إلى 40 في المئة، مضيفاً أن المرأة كانت الأكثر تضرراً من الأزمة في فقدان مناصب الشغل جراء تأثير الجائحة، وما تبعها في فترات الجفاف من فقدان مناصب الشغل للعاملات الزراعيات ونساء البوادي .
وأضاف لطفي أن منظمته النقابية تدعو الحكومة إلى" تنفيذ السياسات العمومية والتدابير التي تراعي البعد النوعي وخلق مناصب الشغل للنساء وبوظائف لائقة وفي ظروف عمل آمنة وبأجور مناسبة، وحماية بيئة العمل وتشجيع المقاولات على الانخراط في محاربة العنف ضد النساء، وتسهيل عملية التوفيق بين الحياة الأسرية والحياة المهنية التي ما زالت تشكل في بلدنا صعوبة كبرى بالنسبة إلى المرأة العاملة"، إضافة إلى ضرورة الحفاظ على مناصب شغل النساء في المجال الزراعي والفلاحي، واتخاذ تدابير للحد من الهشاشة والأمية لدى العاملات الموسميات وغير المصرح بهن في القطاع غير المهيكل، من أجل ضمان حقهن في الحماية الاجتماعية والتعويضات العائلية، وكذلك دعم النساء المطلقات وضمان التعويض عن فقدان الشغل بخاصة في فترات الجفاف، مع اتخاذ تدابير لحماية تشغيل النساء المغربيات والمهاجرات، وضرورة وضع مخطط لإنعاش تشغيل النساء وإدماجهن في القطاع المهيكل، وتشجيع المقاولات على الانخراط في محاربة العنف ضد النساء وضمان استدامة التدابير الرامية إلى النهوض بالمساواة بين الجنسين في الوسط المهني، ومشاركة أقوى للنساء في سوق العمل وإنشاء مرصد لتشغيل النساء في المغرب.