على الرغم من الاطمئنان الذي أثاره الرئيس الإسرائيلي، اسحق هرتسوغ، لحظة وصوله تل أبيب، بعد إنهاء زيارة قصيرة إلى أنقرة، بعد عداء استمر حوالى 15 عاماً بين البلدين، لا تزال جهات أمنية وعسكرية وحتى سياسية ما متخوفة من كيفية تعامل تركيا مع ملفي القدس و"حماس"، خصوصاً أن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يسعى جاهداً منذ سنوات إلى فرض دور لتركيا في القدس ودعم "حماس"، بل تعزيز علاقة بلاده مع الحركة وقيادتها.
وفيما تشكل زيارة هرتسوغ فترة مفصلية في تاريخ العلاقة بين الدولتين، بدأت مجموعات من الطرفين العمل على إجراء لقاءات بين مسؤولين، ويتوقع عقد لقاءات قريبة بين وزيري خارجية البلدين وإعادة فتح السفارتين وعودة السفيرين.
نظام لمنع الأزمات والمواجهات
تأتي زيارة الرئيس الإسرائيلي، اسحق هرتسوغ إلى تركيا بعد علاقة دبلوماسية مشحونة بين البلدين منذ حوالى 15 عاماً، بلغت أدنى مستوى لها عام 2018، عندما طرد البلدان السفيرين في نزاع بسبب قتل الجيش الإسرائيلي 60 فلسطينياً استشهدوا على حدود قطاع غزة.
وكانت بداية توتر العلاقة في أعقاب الاعتداء الإسرائيلي عام 2010 على سفينة "مافي مرمرة" التي كانت في طريقها لتقديم مساعدات إلى قطاع غزة المحاصر وأسفرت عن مقتل تسعة ناشطين أتراك. وتوفي ناشط عاشر أصيب في الحادث عام 2014 بعد أربع سنوات في الغيبوبة.
وفيما تؤكد جهات أن الرئيس التركي بادر لمثل هذا اللقاء، قال سياسيون إسرائيليون إن التخطيط والتشاور الإسرائيليين حول ضرورة تحسين العلاقة مع تركيا جاء بعد أشهر من اتفاقيات ابراهيم التي اعتبرها هرتسوغ دافعاً مشجعاً لتحسين العلاقة مع تركيا.
ووفق مقربين من هرتسوغ فقد سعى أردوغان خلف هرتسوغ، "تقريباً بصورة هستيرية في الأشهر الأخيرة، منذ تسلم هرتسوغ منصبه. وبادر مرة تلو الأخرى إلى إجراء محادثات هاتفية معه".
ويقول مسؤول إسرائيلي إن "أسباب جهود أردوغان لتعزيز العلاقات متنوعة، بدءاً بقرار أساسي يدفع به قدماً في الفترة الأخيرة وهو تحسين العلاقات الخارجية لتركيا حتى مع دول أخرى مثل مصر ودول الخليج، مروراً بالرغبة في ترميم الاقتصاد المتهاوي في بلاده وزيادة التجارة مع إسرائيل وحتى محاولة التقرب من الإدارة الأميركية الجديدة وترميم مكانة تركيا كلاعبة رئيسية في المنطقة".
في المقابل، توصلت إسرائيل إلى قناعة بضرورة تحسين العلاقة مع تركيا قبل أكثر من ثلاثة أشهر، وتحديداً بعد قضية الزوجين الإسرائيليين أوكنين، الذين اعتقلا في تركيا بعد التقاطهما صوراً لقصر أردوغان واتهما بالتجسس.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكد هرتسوغ، بعد عودته إلى إسرائيل، أن الزيارة وتفاصيل المواضيع التي طُرحت خلال لقائه أردوغان تمت بتنسيق كامل مع الحكومة الإسرائيلية، رئيس الحكومة، وزير الخارجية وجهات أخرى.
وفور وصوله إلى تل أبيب اليوم الخميس، لخّص هرتسوغ زيارته باعتبارها هامة وحققت أهدافها حيث تم "وضع أساس لتطوير علاقات وتقدمها باتجاه إيجابي وتشكيل نظام لمنع الأزمات والمواجهات بين إسرائيل وتركيا للحفاظ على مصالح إقليمية وثنائية"، وفق هرتسوغ.
وأضاف "ينبغي على تركيا وإسرائيل توثيق تعاون في مجالات عدة من شأنه التأثير في المنطقة حيث أن هدف الطرفين هو تثبيت أسس لتنمية العلاقات الودية ومد الجسور بين بلدينا وشعبينا"."
وأشار هرتسوغ إلى أنه اتفق وأردوغان على "فحص وتقييم العلاقات من جديد عبر إجراءات تعكس روح الاحترام بما يتيح التعامل بشكل أفضل مع التحديات الإقليمية والعالمية".
حلف طبيعي
تشكل العلاقة بين تركيا وإسرائيل أهمية استراتيجية وعسكرية واقتصادية للطرفين، وعلى الرغم من أن الدبلوماسية والسياسة كانت شبه معدومة خلال 15 سنة، إلا أن العلاقات الاقتصادية استمرت كالمعتاد، ليس فقط في مجال السياحة بين الطرفين أو التجارة التي شهدت ارتفاعاً ملحوظاً على مدار خمس سنوات قبل وباء الكورونا، بل في المجال العسكري، بحسب جهات إسرائيلية أكدت وجود هذه العلاقة من خلال شراء وبيع آليات ومعدات عسكرية.
استمرار العلاقات غير المعلنة بين البلدين، شكل حلفاً هاماً من النواحي المدنية، العسكرية والاقتصادية، خدم الدولتين على مدار عشرات السنين ما استدعى جهات أمنية إلى دعوة متخذي القرار في إسرائيل، بعد زيارة هرتسوغ للعمل والحفاظ على هذه العلاقة وتوثيقها، في ظل الوضع السياسي الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط.
القدس و"حماس"
تشكل القدس و"حماس" بالنسبة إلى إسرائيل، عقبة أمام الحفاظ على العلاقة وتوثيقها في ظل موقف تركيا من الملفين إلى جانب المستوطنات والمشاريع الاستيطانية التي تنفذها إسرائيل في القدس والضفة. ويرى مسؤولون سياسيون وأمنيون أن الخلافات في هذه القضايا لن تجد طريقها للحل خلال فترة قصيرة أو دفعة واحدة.
وتأتي هذه التوقعات الإسرائيلية في ظل مواقف تركيا الواضحة في هذه القضايا، فهي ما زالت تؤيد "حماس" وتفتح أبوابها لقيادتها والمسؤولين فيها كما تعزز علاقاتها مع جهات فلسطينية في القدس للحفاظ على دور فعّال في الأقصى وترفض بشكل قاطع أي مشروع استيطاني.
وبحسب مرافقين لهرتسوغ فقد ظهر أردوغان آخر أمام الإسرائيليين مختلف عن تصريحاته السابقة حول القدس والأقصى. وقد أكد ذلك لدى قوله "لقد أكدت على حساسيتنا في الشأن الأمني. وعبّرت عن أهمية خفض التوتر في المنطقة وفي الحفاظ على حلم حل الدولتين".
تصريحات أردوغان خلال لقائه هرتسوغ جاءت مغايرة تماماً لتصريحاته السابقة، خصوصاً حول الأقصى والقدس. فمنذ سنوات تعمل تركيا على تعميق دورها ونفوذها في الأقصى، في البلدة القديمة وفي أحياء القدس الشرقية. وقد شجع أردوغان أعمال "الدعوة" لمساندة فلسطينيي القدس وتقديم مساعدات اقتصادية، مجتمعية، دينية واجتماعية.
الإسرائيليون من جهتهم، وجدوا بهذه الدعوة "هدفاً من أردوغان لتقريب الفلسطينيين من التراث التركي – الإسلامي وإضعاف قبضة إسرائيل في القدس".
لقد انعكس هذا الموقف خلال معركة "الشيخ جراح" حيث سلمت تركيا سكان الحي وثائق ملكية من العهد العثماني على الأراضي في الحي كي تساعدهم في معركتهم للحفاظ على وجودهم وبيوتهم. كما قرر الأتراك قبل أسابيع عدة استئناف الرحلات الدينية إلى القدس والأقصى (بعد توقف سنتين بسبب كورونا).
وبحسب التقرير الإسرائيلي تواصل جمعيات تركية ضخ الأموال إلى القدس، سواء من خلال منظمة المساعدات التركية الحكومية "تيكا" أو من خلال جمعيات أخرى مثل "تراثنا".
وفي محاولة لتنفيذ أهداف أردوغان في القدس، أقام رجاله علاقات وثيقة مع مؤسسة الأوقاف الإسلامية في القدس الشرقية، مع رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، الشيخ عكرمة صبري ورائد صلاح، رئيس الجناح الشمالي غير القانوني من الحركة الإسلامية في إسرائيل.