أعلن المركز الروسي لاستقبال وتوزيع وإيواء اللاجئين السوريين، عن عودة 1794 شخصاً من الأردن عبر معبر جابر نصيب الحدودي خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، ما فتح الحديث مجدداً عن عودة اللاجئين السوريين في الأردن إلى بلادهم، وهو ملف تتعامل معه عمّان بمرونة وإنسانية عالية، وتتيح لهم العودة طوعاً من دون إجبارهم على ذلك، في وقت لا تتخذ السلطات السورية إجراءات من شأنها تشجيعهم على العودة.
وتشير الأرقام التي ترصد عودة اللاجئين السوريين من الأردن إلى تخوف الكثيرين من العودة إلى بلادهم لأسباب عدة، منها الخوف من الاعتقال والتجنيد الإجباري في الجيش، ويقتصر الأمر في كثير من الأحيان على عودة كبار السن والأطفال والنساء فقط.
اللجوء السوري بالأرقام
يبلغ إجمالي عدد اللاجئين السوريين المسجلين في الأردن 666596 لاجئاً، حوالى نصفهم من الأطفال وفق المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التي تقول أيضاً إن 86 في المئة منهم يعيشون تحت خط الفقر. لكن عّمان تقول إنها تستضيف قرابة 1.3 مليون سوري، وهو العدد الإجمالي لمن يحملون صفة "لاجئ"، إضافة إلى من دخلوا الأردن قبل بدء الثورة.
ويقيم 83.2 في المئة من اللاجئين السوريين في الأردن داخل المدن، بينما يعيش في المخيمات حوالى 16.8 في المئة منهم، ويتوزعون على مخيمات البلاد على النحو التالي: 78.5 آلاف في مخيم الزعتري، وحوالى 41 ألفاً في مخيم الأزرق وسبعة آلاف في المخيم الإماراتي، ويبلغ عدد من تتراوح أعمارهم بين 18 و59 عاماً حوالى 307 آلاف لاجئ، بنسبة تصل إلى 45.8 في المئة.
نسبة العائدين ضئيلة
ووفق المفوضية أيضاً، فإن 11 ألفاً و198 لاجئاً هو عدد السوريين العائدين إلى بلادهم منذ إعادة فتح المعبر في 15 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وحتى 10 فبراير (شباط)، ما يعني أن نسبة العائدين هي 0.068 في المئة وهي نسبة ضئيلة قياساً إلى العدد الإجمالي. وتتوقع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أن يعود قرابة 250 ألف لاجئ سوري من مختلف البلدان إلى وطنهم خلال العام الجاري.
خوف وقلق من العودة
وشجع فتح معبر جابر نصيب الحدودي منتصف أكتوبر الماضي عدداً من اللاجئين السوريين على العودة إلى أماكن سكنهم وبلداتهم، كما أنعش حركة التبادل التجاري بين عمّان ودمشق، لكن اعتقال السلطات السورية مئات اللاجئين السوريين بعد عودتهم إلى ديارهم يفسر عزوف غالبيتهم عن العودة. كذلك، فإن حوادث الاعتقال والاختطاف التي تعرض لها العشرات من الأردنيين بعيد ساعات من فتح المعبر، فضلاً عن تسريب قائمة بأسماء الآلاف من الأردنيين المطلوبين للاستخبارات السورية خلق حالة من الرعب لدى معظم اللاجئين السوريين المقيمين في الأردن.
ويخشى سوريون مقيمون في الأردن التقتهم "اندبندنت عربية" من العودة مجدداً بسبب الظروف المعيشية المتردية في أماكن سكنهم داخل سوريا، حيث لا كهرباء ولا مشتقات نفطية، إضافة إلى الدمار الكبير في الأبنية وانعدام فرص العمل. ويقول آخرون إن كل الذين عادوا ندموا على قرارهم وحاولوا اللجوء مجدداً إلى دول أوروبية، مطالبين النظام السوري بتوفير أسباب تشجعهم على العودة مثل إصدار عفو عام وإعادة إعمار المدن والبلدات المدمرة، وتوزيع مساعدات عينية ونقدية لتأمين متطلبات الحياة.
كلفة مادية وأمنية وديموغرافية
وتحدث النائب الأردني نبيل الغيشان بقلق عن نتائج استطلاع لمركز نماء للاستشارات الاستراتيجية حول نوايا اللاجئين في العودة إلى ديارهم، قائلاً إن 15 في المئة منهم فقط مصرون على العودة، بينما أكد 34 في المئة من المستطلعة آراؤهم أنهم لن يعودوا.
ووصف الغيشان عودة اللاجئين إلى ديارهم بأنها "تجري بطريقة بطيئة وفردية، وأن دمشق لا تستعجل عودتهم لأسباب داخلية وخارجية منها الاقتصادي والأمني"، محذّراً مما سماه الكلفة المادية والأمنية والديموغرافية لاستمرار وجود اللاجئين السوريين على أراضي الأردن، خصوصاً وأن عمان، ومنذ نشأتها عام 1921، وهي تتعامل مع موجات اللاجئين من دون توقف.
العودة متاحة
أيمن علوش، القائم بأعمال السفارة السورية في العاصمة عمان رأى من جهته أن السماح للاجئين السوريين في الأردن بالحصول على تراخيص عمل هو أحد الأسباب التي تعطّل عودتهم إلى سوريا. وأصدرت الحكومة الأردنية ما يزيد على 125 ألف رخصة عمل للاجئين السوريين منذ عام 2016 حتى الآن.
وأشار علوش في تصريحات صحافية إلى أن العودة متاحة لكل من يحمل جواز سفر سورياً ساري المفعول عبر المعابر الحدودية، مضيفاً "نواجه بعض الإشكاليات كزواج السوريات من غير جنسيتهن، فلا يجري تسجيل الأطفال بسبب جنسية الأب".
وخلافاً لذلك، يعتقد الكاتب ماهر أبو طير أن الأردن قد هيأ نفسه لحقيقة مفادها بأن غالبية اللاجئين السوريين لن يعودوا إلى بلدهم، وأن الأردن تحول إلى حاضنة للسوريين السنة، وتحديداً من مناطق جنوب سوريا ودمشق وحمص. ورأى أبو طير أن دمشق هي المستفيد الأول والأخير من بقاء ملايين السوريين خارج سوريا لصالح خريطة مذهبية اجتماعية جديدة.
ضغط على البنى التحتية الأردنية
ويشكل بقاء اللاجئين السوريين في الأردن ضغطاً كبيراً على البنى التحتية، فضلاً عن مفاقمة الأوضاع الاقتصادية في البلاد. وبلغ حجم تمويل خطة الاستجابة الأردنية للأزمة السورية لعام 2019 حوالى 18 مليون دولار، من أصل 2.4 مليار دولار تحتاجها الأردن للإنفاق على اللاجئين السوريين المقيمين على أراضيها.