في خضم المعاناة الإنسانية الرهيبة على أرض الواقع في أوكرانيا، يُطرح سؤال مرعب حول ما إذا كان من الممكن تصعيد الحرب إلى مواجهة نووية بين "الناتو" وروسيا.
في 27 فبراير (شباط)، أشار الرئيس فلاديمير بوتين إلى استعداده لرفع مخاطر الصراع إلى المستوى النووي. وفي ظهور متلفز يهدف إلى ترهيب الغرب، أمر "وزير الدفاع ورئيس الأركان العامة بتوكيل قوات الردع بمهمة قتالية خاصة". وبشكل مخيف، قبل ثلاثة أيام، عندما أعلن بوتين "العملية الخاصة" الروسية، حذر أولئك الذين قد يفكرون في التدخل في أوكرانيا من "عواقب غير مسبوقة في التاريخ".
وبالاسترجاع، كانت آخر مرة وضعت فيها القوات النووية الروسية في حالة تأهب نووي في نوفمبر (تشرين الثاني) 1983، عندما أساء أصحاب القرار السوفيات تفسير مناورة "الناتو" لإطلاق أسلحة نووية على أنها عد تنازلي محتمل لحرب نووية. ولم يكتشف صناع القرار في الولايات المتحدة وحلف "الناتو" مدى خوف القادة السوفيات إلا بعد عدة أشهر. وكان لتلك المعرفة تأثير عميق على تصميم الرئيس رونالد ريغان على لقاء ميخائيل غورباتشوف وجهاً لوجه في جنيف عام 1985، حيث قطعا عهدهما الشهير بأنه "لا يمكن كسب حرب نووية وينبغي عدم خوضها على الإطلاق".
وفي سياق متصل، ما الذي يمكن استنتاجه عن نوايا بوتين وحالته الذهنية بعد قرار وضع القوات النووية الروسية في حالة تأهب، وهل سيضغط حقاً على الزر النووي؟ في المقابل، من المطمئن أن زيادة حالة التأهب الروسية لم تكن مصحوبة باستعدادات علنية لشن هجوم نووي، وقد أعاد بوتين تأكيد بيان ريغان وغورباتشوف، بشكل ثنائي مع الرئيس بايدن في يونيو (حزيران) الماضي في قمة أخرى في جنيف، ثم كجزء من بيان الدول الخمس المنشور في 3 يناير (كانون الثاني)، والذي يعيد تأكيد الالتزام ذاته.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
والجدير بالذكر أن أقرب تشابه تاريخي للوضع الحالي هو أزمة الصواريخ الكوبية التي حدثت قبل 60 عاماً في أكتوبر (تشرين الأول). في تلك السابقة، كانت الولايات المتحدة، في صورة طبق الأصل عن عام 1983، أي القوة العظمى التي كانت في حالة تأهب قصوى (ديفكون 2، وهو أعلى مستوى من الجاهزية من دون الانزلاق إلى الحرب النووية نفسها)، ولكن على خلاف ذلك، لم يضع الزعيم السوفياتي نيكيتا خروتشوف أي صاروخ أو قاذفة نووية في حالة استنفار.
واستطراداً، تم نزع فتيل الأزمة وأزيلت الصواريخ السوفياتية عندما ألزم الرئيس جون إف كينيدي الولايات المتحدة بتعهد كوبا بعدم الغزو وعقدت صفقة سرية لإزالة صواريخ جوبيتر الأميركية من تركيا، إذ إنها أثارت قلق خروتشوف. إذاً، ضمنت تلك الصيغة التي تحفظ ماء الوجه عدم قيام أي من الزعيمين بتراجع مهين.
في الواقع، ما ميز نهج كينيدي وخروتشوف خلال أزمة الصواريخ كان الرأي القائل إن الأسلحة النووية لا تعكس أي أفضلية سياسية أو عسكرية واضحة على خصم يملك قوة نووية منيعة تخوله تنفيذ ضربة نووية ثانية [ضربة نووية انتقامية]. ولا يوجد دليل على أن تفوق الولايات المتحدة نووياً على الاتحاد السوفياتي بنسبة سبع مرات قد شجع كينيدي على التلاعب بالمخاطر المشتركة المترتبة على الصراع النووي من أجل أغراض سياسية وعسكرية.
وفي ذلك الإطار، فالسؤال الأهم الذي أثاره رفع بوتين حالة التأهب النووي الروسي هو إلى أي مدى ينظر إلى الأسلحة النووية بالطريقة نفسها التي نظر بها كينيدي وخروتشوف في عام 1962. أو عوضاً عن ذلك، إذا كان يعتبرها أدوات [تلاعب] نفسية تستخدم للإكراه يمكن التلاعب بها لأغراض التخويف والابتزاز.
على مدى عقود سلط بعض الاستراتيجيين النوويين الأميركيين الضوء على مثل تلك النظرة، لكنها لم تسهم قط في توجيه السلوك الأميركي - الروسي في أوقات الأزمات. هل هذا النمط من السلوك الروسي يتغير على يد بوتين؟ إذا كان الأمر كذلك، فما هي الاحتمالات المتاحة أمام الزعيم الروسي للتلاعب بالمخاطر المشتركة المترتبة على الصراع النووي، وما هي الغاية؟
في الحقيقة، كانت إحدى النوايا الواضحة وراء حالة التأهب النووية الروسية هي ردع "الناتو" عن تقديم دعم عسكري أكبر للقوات الأوكرانية، ولكن إذا كان واقع النوايا على هذه الحال، لم تقدم موسكو على ما يحول دون نقل حكومات "الناتو" الأسلحة إلى أوكرانيا. وعلى الرغم من ذلك، استبعدت حكومات "الناتو"، في الوقت الحالي، إقامة منطقة حظر جوي، معترفة بمخاطر التصعيد إذا أسقطت طائرات "الناتو" الطائرات الروسية التي تدخل المنطقة وقمعت أنظمة الدفاع الجوي الروسية.
واستكمالاً، يعتبر سيناريو الكابوس هو السيناريو الذي يصبح فيه "الناتو" أكثر انخراطاً عسكرياً في دعم القوات الأوكرانية، ما يجعل روسيا مستميتة أكثر للنجاح في ساحة المعركة. في سياق من ذلك النوع، يشكل فيه "الناتو" طرفاً نشطاً في الصراع، وعلى خلفية العقوبات الأكثر تعقيداً التي فرضها المجتمع الدولي على روسيا، وبالنظر إلى عقلية بوتين النووية، هناك خطر من أن يأمر باستخدام ما يسمى الأسلحة النووية "التكتيكية" الأصغر. سيكون الهدف هنا هو عكس مسار الوضع العسكري في أوكرانيا وخلق صدمة كبيرة تضع دول الغرب في حالة من الهمود [الشلل والجمود]، خائفةً من أن يؤدي أي رد إلى مزيد من الاستخدام النووي.
إذاً، فحكومات "الناتو" موضوعة بين المطرقة والسندان. من ناحية، إذا تم ردعها عن دعم الأوكرانيين عسكرياً، ستتهم بالخضوع للابتزاز النووي الروسي، ويمكن لمثل تلك النتيجة أن تشجع بوتين على مزيد من المغامرات العسكرية. ويعد القرار بشأن نقل الطائرات المقاتلة البولندية من طراز "ميغ 29" MiG-29 في مثابة اختبار رئيس [للنوايا] في هذا السياق.
من ناحية أخرى، إذا صعد "الناتو" مشاركته العسكرية، ودفعت القوات الأوكرانية الروسية إلى التراجع عسكرياً، فقد يصبح بوتين يائساً على نحو متعاظم. والجدير بالذكر أن القادة اليائسين الذين يعتقدون أن الخناق يضيق عليهم، هم أكثر من يصعب ردعهم وطمأنتهم، كما أن هذا المزيج الخطير من الخوف وانعدام الأمن، إذا اقترن بالأسلحة النووية، ستصبح كل المقومات متوافرة لتصعيد خطير للأزمة.
قد يكون الاستنتاج القسري [لا مناص منه] هو أن الحد من مخاطر الاستخدام النووي يعتمد على إيجاد "مخرج" لا يكافئ بوتين وفي الوقت نفسه لا يتركه مذلولاً أو يائساً. في هذه الأزمة، لدى بوتين مصالح أمنية أساسية على المحك ويجب الإقرار بها في أي تسوية. وفي الواقع، هذا هو الدرس المستفاد من الطي السلمي لأزمة الصواريخ الكوبية.
على الرغم من ذلك، في مواجهة عمل عدواني روسي واضح كل الوضوح والمعاناة المروعة للمدنيين التي نتجت من كل ذلك، قد يكون "الجسر الذهبي" - وهو المصطلح الشهير الذي استخدمه سون تزو للتعبير عن صيغة حفظ ماء الوجه التي تحافظ على كرامة الخصم واحترامه - بمثابة جسر بعيد جداً [أثر بعد عين].
*الدكتور ريشي بول زميل مسؤول عن تحليل السياسات ومدير برنامج في مجلس معلومات الأمن البريطاني الأميركي (Basic)
**نيكولاس ج. ويلر أستاذ العلاقات الدولية بجامعة برمنغهام وزميل رفيع الشأن غير مقيم في مجلس معلومات الأمن البريطاني الأميركي (Basic)
© The Independent