تسعى الحكومة البريطانية إلى تمرير قانون جديد في البرلمان بشكل عاجل الأسبوع المقبل، يمنحها السلطة لمصادرة بيوت يملكها الأجانب حين ترى ذلك ضرورياً. ويستهدف إجراء قانون الجريمة الاقتصادية الأثرياء الروس الذين يملكون عقارات في لندن وتريد الحكومة مصادرتها، لكن المسألة معقدة قانونياً.
وكانت الحكومة البريطانية فرضت عقوبات جديدة على الأثرياء الروس في إطار الحملة الغربية لمحاصرة روسيا اقتصادياً باستهداف رجال أعمال تعتبرهم مقربين من القيادة الروسية، وبلغ عدد الأثرياء الروس الذين فرضت بريطانيا عقوبات عليهم 18 شخصاً حتى الآن.
وفي أحدث تطور، فرضت الحكومة البريطانية عقوبات مشددة على الملياردير الروسي روما أبراموفيتش مالك نادي تشيلسي الإنجليزي، تضمنت مصادرة أصوله ومنعه من دخول بريطانيا، وهكذا أوقفت الحكومة صفقة بيع أبراموفيتش لنادي تشيلسي بعدما تخلى عن النادي وسلم قيادته إلى مجلس أمناء.
صفقات مليارية
وبدأت محاولات بيع النادي بصفقة تصل إلى نحو أربعة مليارات دولار (ثلاثة مليارات جنيه استرليني)، إلا أن حملة إعلامية مكثفة على حكومة حزب المحافظين برئاسة بوريس جونسون ومن قبل المعارضة السياسية، بخاصة من حزب العمال، اضطرت الحكومة إلى قرار مصادرة أصول أبراموفيتش لوقف صفقة بيع نادي تشيلسي الذي أخذت قيمته السوقية في التدهور بشدة.
وفي مواجهة تلك الحملة الإعلامية المطالبة بمصادرة أصول الروس في بريطانيا، أعلن وزير الإسكان في الحكومة مايكل غوف أن حكومته تعمل على التكييف القانوني لمصادرة ما يملكه الأثرياء الروس من عقارات في بريطانيا، لذا عجلت الحكومة بطرح قانون جديد في البرلمان ترغب في تمريره الأسبوع المقبل، وفي الأغلب ستحصل على تأييد المعارضة كذلك.
وحذر خبراء في سوق العقار البريطانية من أن التوسع في مصادرة الممتلكات على الرغم من المشاعر الغاضبة ضد روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا، يمكن أن يضر بشدة بالقطاع العقاري البريطاني، بينما حذر آخرون من أن "استسهال" مصادرة أصول المستثمرين في بريطانيا لأسباب سياسية يمكن أن يفقد بريطانيا ميزة تجذب إليها أصحاب الأموال والثروات.
وفي تلك الحال ستتضاعف خسائر بريطانيا جراء العقوبات على روسيا، فعلى سبيل المثال خسرت شركة "بريتش بتروليم" (بي بي) نحو 25 مليار دولار في عملية التخلص من أصول لها في روسيا واستثمارات مشتركة مع شركات طاقة روسية. ويمكن أن يكون الأمر أكثر حدة في قطاع العقار، إذ ضخ الأثرياء الروس وغيرهم من الأثرياء حول العالم مليارات في القطاع العقاري البريطاني خلال العقود الماضية.
لذا تجد بعض الأصوات الخافتة في بريطانيا، والتي لا تستطيع الظهور وسط موجة الصخب والتهويل الإعلامي ضد روسيا، أنه على المدى البعيد قد تفقد بريطانيا ثقة أصحاب الأموال حول العالم مما يجعلهم يترددون في وضع أموالهم في بريطانيا، سواء بشراء العقارات أو بالاستثمارات الأخرى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويجد بعضهم تناقضاً صارخاً في ما يتعلق بمصادرة أصول الأفراد في بريطانيا، والحملة التي شنتها وسائل الإعلام البريطانية وبعض تصريحات السياسيين ضد السعودية مثلاً عام 2017 حين صادرت السلطات بعض أموال رجال أعمال اتهمتهم بالفساد. وعلى الرغم من أن تلك المصادرة كانت في إطار "استعادة المال العام" من هؤلاء الذين ربما تربحوا بشكل غير قانوني، إلا أن وسائل الإعلام البريطانية كثفت حملتها وقتها متهمة السلطات السعودية باتخاذ اجراءات تعسفية يمكن أن "تطفش" رأس المال والاستثمار الأجنبي.
سابقة قد تطاول البريطانيين
روس كلارك أحد الكتاب المقربين من حزب المحافظين، ويكتب باستمرار في المنافذ الإعلامية اليمينية المحافظة مثل الـ "ديلي تلغراف" ومجلة "سبيكتيتور" القريبة بشدة من الحزب الحاكم، والتي يترأس تحريرها بوريس جونسون من قبل. ولطالما كتب في تلك المنافذ عبر سنوات مقالات حول "الأموال القذرة" التي تغزو سوق العقار البريطانية وترفع الأسعار، مما يجعل البريطانيين العاديين من متوسطي الدخل غير قادرين على شراء بيوت لسكناهم.
وقبل أسبوع انتقد كلارك اقتراح مايكل غوف الذي كان مقدماً للقانون الذي يتوقع تمريره في البرلمان الأسبوع المقبل، محذراً من أن مثل هذا التشريع يمكن أن يصبح سيفاً مسلطاً على رقاب البريطانيين أيضاً، ويمكّن الحكومة من مصادرة بيوتهم لأي سبب.
وكتب روس كلارك في مجلة "سبيكتيتور" يقول، "لا أشعر بالارتياح للسرعة التي تسير بها الأمور، حتى إن وزراء الحكومة يبدون وكأنهم يرون من حقهم مصادرة العقارات وغيرها من الأصول من دون الحاجة إلى وجود أدلة دامغة على أن الأموال التي وراءها جاءت بشكل غير مشروع، لكن ذلك يتعارض مع مبدأ أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته. هل يمكنني أنا شخصياً إثبات أن كل قرش في حسابي المصرفي وكل جنيه اشتريت به بيتي قبل 20 عاماً كسبته من عرق جبيني؟ لا أتصور أن الوثائق المطلوبة لإثبات ذلك متوافرة، ومن السهل جداً أن نرى القانون الذي يتم التسريع به لمعاقبة أنصار بوتين وقد أصبح يستخدم بحق دافعي الضرائب العاديين".
لكن مثل تلك الأصوات تضيع وسط الحملة الإعلامية والسياسية التي تطالب بتعسف أشد مما كانت بريطانيا تعظ الدول الأخرى بعكسه.