على الرغم من إعلان مئات الشركات الغربية وقف أعمالها في روسيا والخروج من البلاد منذ بداية الحرب الروسية على أوكرانيا الشهر الماضي، إلا أن هناك عشرات الشركات الأميركية والغربية ما زالت تعمل في روسيا، بحسب ما نشرت صحيفة "واشنطن بوست" في تقرير لها. وعلى الرغم من حملات الهجوم على الشركات التي لا تعلن مغادرة روسيا، إلا أن كثيراً منها تجد صعوبة في فك ارتباطها تماما بالسوق الروسية، على الرغم من حزم العقوبات التي يتوالى فرضها على موسكو وتجعل من الصعب، إن لم يكن المستحيل، إمكان تحويل تلك الشركات الأموال إلى خارج روسيا بعملات عالمية، إضافة إلى الإجراءات الحمائية المشددة التي تتخذها الحكومة الروسية في شأن التعامل مع الخارج مالياً وتجارياً في مواجهة العقوبات الغربية.
وتبنى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قراراً بمصادرة أصول الشركات الأجنبية التي تلتزم بالمقاطعة وتغادر السوق الروسية كرد على العقوبات المفروضة على بلاده، يضاف ذلك إلى قرار الحكومة في موسكو فرض التعامل بالعملة الروسية (الروبل) في دفع المستحقات للسندات وغيرها التي يملكها الأجانب، كما فرضت على الشركات التي تتعامل في التصدير بتحويل ما لا يقل عن 80 في المئة من عائداتها بالعملات الأجنبية إلى الروبل.
250 شركة غادرت روسيا
وكانت صحيفة "موسكو تايمز" الناطقة بالإنجليزية نشرت تقريراً، الأسبوع الماضي، عن الشركات التي خرجت من السوق الروسية أو قلصت أعمالها فيها بسبب الحرب في أوكرانيا، وقالت الصحيفة إن نحو 250 شركة أجنبية غادرت السوق الروسية أو بدأت في تقليص أعمالها في روسيا بعدما استثمرت عشرات مليارات الدولارات في أعمالها في الاتحاد الروسي على مدى الربع قرن الأخير.
وتشمل قائمة الشركات التي أعلنت مغادرة روسيا شركات تكنولوجيا عملاقة مثل "أبل" و"مايكروسوفت" وشركات طاقة مثل "بي بي" و"شل"، إضافة إلى شركات صناعة السيارات وسلاسل مبيعات التجزئة الكبرى. وغادرت بعض تلك الشركات السوق الروسية تماماً، بينما أعلنت بعضها وقف شحن السلع والبضائع والمبيعات في روسيا.
وذكرت الصحيفة في تقريرها أن خروج تلك الشركات كلياً أو جزئياً سيؤدي إلى جانب زيادة عزلة روسيا وتضرر الاقتصاد الروسي وفقدان عشرات الآلاف من العاملين الروس فيها لوظائفهم، ما يسهم في زيادة معدلات البطالة في ظل الحصار الاقتصادي الذي يفرضه الغرب على روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا.
في المقابل، اتخذت الحكومة الروسية إجراءات عدة في محاولة تخفيف تأثير هذا الخروج الجماعي للشركات الأجنبية من السوق الروسية، إذ طلبت من سماسرة البورصة والأوراق المالية، مع عودة التداول في السوق في موسكو، رفض كل طلبات البيع من عملائهم الأجانب، كما أعلنت الحكومة أنها لن تسمح للمستثمرين من القطاع الخاص بالتخلص من حصصهم السهمية في الشركات الروسية.
الشركات الباقية في روسيا
لكن عشرات الشركات متعددة الجنسية تجد صعوبة بالغة في الخروج من السوق الروسية، كما يقول اقتصاديون ومحللون لصحيفة "واشنطن بوست". ونشر الأستاذ في جامعة "ييل" الأميركية، جيفري سونينفيلد قائمة بالشركات التي ما زالت موجودة في روسيا ولم تخرج منها، وتتضمن 35 شركة كبرى ما زالت تعمل في روسيا "على الرغم من تعرض أعمالها لانكشاف كبير على الأخطار هناك".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فعلى سبيل المثال، تقول ماركات عالمية مثل "بيبسي كولا" و"مونديليز" التي تنتج بسكويت "أوريو" ومقرمشات "ريتز" إنها لا تستطيع حرمان المستهلك الروسي من منتجاتها، أما البنوك والمؤسسات المالية الكبرى مثل "غولدمان ساكس" و"جيه بي مورغان" و"دويتش بنك" فتقول إنها تريد تقليص أعمالها في روسيا، لكنها مجبرة على البقاء بسبب التزاماتها القانونية تجاه عملائها.
أما سلاسل الأطعمة مثل "برغر كينغ" و"ماريوت" فتقول إن عليها التزامات قانونية معقدة تجعل خروجها من السوق الروسية تماماً غاية في الصعوبة.
السوق الروسية
وحتى تلك الشركات التي أعلنت أنها ستوقف أعمالها في روسيا مثل سلسلة الأطعمة السريعة "ماكدونالدز"، فلن تختفي تماماً من السوق الروسية. وبحسب رأي كثير من المحللين فإن إغلاق "ماكدونالدز" أكثر من 850 فرعاً لها في روسيا لن يعني أن هناك روساً سيستخدمون تلك المحال في إنتاج الأطعمة وبيعها، ويرون أن ذلك يمكن أن "يضر بسمعة الشركة ومنتجاتها على المدى الطويل"، كما جاء في تقرير "واشنطن بوست".
وهناك كثير من الشركات العالمية لا تملك أصلاً فروعاً لأعمالها في روسيا، وإنما هي موجودة في السوق الروسية من طريق "تأجير العلامة" من قبل مستثمرين روس، وبالتالي فأعمالها هناك ليست لها سيطرة عليها أو توقف منح اسمها لصاحب العمل المحلي، ولكن حتى في تلك الحال لن تستطيع في ظل العقوبات والعقوبات المضادة حالياً فعل الكثير للخروج من روسيا.