قبل ربع قرن فتح متحف التراث اليهودي المغربي أبوابه في حي الوازيس في مدينة الدار البيضاء للراغبين في اكتشاف أحد أطياف الثقافة المغربية، والتعرف على تاريخ اليهود المغاربة وعاداتهم وتراثهم وأساليب عيشهم، وما يرتبط لديهم بالفن والموسيقى والأزياء والطبخ والطقوس الدينية.
كانت بناية المتحف في الأصل داراً للأيتام اليهود تأسست نهاية الأربعينيات على يد السيدة سيليا بن جيو، وحملت اسم زوجها الراحل "دار الأطفال مردوخ بن جيو"، ومع تعاقب هجرات اليهود خارج المغرب ظلت البناية شاغرة إلى أن تم ترميمها أواسط التسعينيات على يد المهندس إيمي كاكون، ليعمل مجلس الطائفة اليهودية في المغرب بعد ذلك على تحويلها إلى متحف لحفظ تراثها والتعريف به، ليس عبر زيارة المتحف وحسب، بل أيضاً من طريق الزيارات التي يقوم بها طاقمه إلى المدارس والمؤسسات التربوية، في أنشطة تروم إلى تسليط الضوء على جزء من الذاكرة الشعبية في المغرب.
أساليب عيش اليهود المغاربة
تبلغ مساحة المتحف 700 متر مربع، وهو ينقسم إلى ثلاثة أقسام، ثقافي واجتماعي وديني، فالقسم الأول يضم القاعة المركزية الكبرى المخصصة لمعارض التشكيل والفوتوغرافيا، أما القسم الثاني فيشمل ثلاث غرف تم تخصيصها لمعروضات الحياة الاجتماعية والاقتصادية للطائفة اليهودية المغربية، بينما خصص القسم الثالث لأماكن الشعائر الدينية.
يعرض متحف التراث اليهودي في الدار البيضاء العديد من الملابس التقليدية، أبرزها قفاطين النساء اليهوديات وفساتين الزفاف، فضلاً عن الحلي والمجوهرات القديمة وأدوات الزينة والقلائد والمباخر والمشاعل، إضافة إلى بعض أثاث المضافات من الكراسي والزرابي والطنافس والتكايا.
ويعرض المتحف أيضاً عدداً من الحقائب الجلدية وكؤوس النحاس الأصفر والأحمر والشمعدانات وساعات الدواليب الخشبية وبعض القطع النقدية القديمة، ويتعرف زائر المتحف اليهودي على نماذج من السماور النحاسي، وهو عبارة عن مغلاة كانت تستعمل لإعداد الشاي، ويوجد من ضمن معروضات المتحف نماذج لعلب السعوط الذي كانت تستعمله بعض النساء اليهوديات كبديل للتبغ.
وفي سياق التعريف بالفوارق في طقوس الحياة اليهودية بحسب جهات البلاد، يعرض المتحف مجسمات لنساء يهوديات بفساتين الزفاف التقليدية يظهر فيها الاختلاف بين منطقة الشمال (طنجة) والوسط (الرباط) والجنوب (تزنيت)، ويلاحظ الزائر أبهة ملابس النساء في مدينتي الرباط (العاصمة الإدارية) وفاس (العاصمة العلمية) قياساً مع بساطة ملابس نساء ينتمين إلى مدن هامشية.
وفي ما يخص التراث السمعي يجد زائر المتحف العديد من التسجيلات الغنائية لمطربين يهود مغاربة، واللافت أن الموسيقى المغربية استفادت كثيراً من التراث الفني اليهودي، ففضلاً عن تلاقح الإيقاعات والتوليفات الموسيقية تردد الأجواق المغربية المعاصرة كثيراً من أغاني اليهود التي كانت تؤدى باللهجة المغربية.
ذكريات التعايش قبل زمن الهجرة
واللافت أن محافظة المتحف اليهودي المغربي لا تنتمي إلى الطائفة اليهودية، بل هي امرأة مسلمة، وهذا يشكل استثناء في العالم العربي، وقد خول لها هذا المنصب الذي تشغله منذ سنة 2002 اهتمامها المبكر بالثقافة اليهودية، فالسيدة زهور رحيحل باحثة متخصصة بالتراث اليهودي المغربي، وعكفت منذ شبابها على التنقيب في التاريخ المحلي لليهود، وزاوجت في دراستها بين الإعلام والأنثربولوجيا والتراث وعلم الآثار، وهي فضلاً عن أبحاثها في تاريخ اليهود المغاربة وثقافتهم تقدم برنامجاً إذاعياً ضمن المجال نفسه، عنوانه "ناس الملاح"، ويطلق الملاح على أحياء اليهود في المدن المغربية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويشار إلى أن متحف التراث اليهودي المغربي أسسه الأمين العام لمجلس الطوائف اليهودية المغربية سيرج بيرديغو رفقة نشطاء في الثقافة اليهودية في المغرب، وهم شيمون ليفي وبوريس طوليدانو وجاك طوليدانو، أما الجهة المشرفة على هذا المتحف فهي مؤسسة التراث الثقافي اليهودي المغربي.
ولا تراهن هذه المؤسسة على الحفاظ على التراث اليهودي في الذاكرة الجمعية للمغاربة وحسب، بل تعمل أيضاً على فتح نقاشات مستمرة حول مكونات الثقافة المغربية على اختلاف ألوانها وعلاقتها بالمكون اليهودي، واللافت أن مؤسسة التراث الثقافي اليهودي المغربي تحرص باستمرار على تنظيم إفطار جماعي خلال شهر رمضان، للتذكير بذلك الزمن الذي كان يعيش فيه اليهود المغاربة وسط المسلمين المغاربة في حال من التجاور والتعايش والاندماج الاجتماعي، قبل أن تتغير الأوضاع السياسية في العالم العربي.
فإلى حدود سنة 1948 كان يعيش في المغرب حوالى 265 ألف مواطن يهودي، وبعد حرب 67 لم يتبق في المغرب سوى 35 ألفاً، واليوم انخفض العدد إلى حد كبير، فلن تعثر في البلاد سوى على 2500 مواطن يهودي يستقر معظمهم في العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء، ويشتغلون بالأساس في التجارة.