حزمة من القرارات اتخذتها الحكومة العراقية لمواجهة ارتفاع أسعار السلع الغذائية نتيجة التداعيات الاقتصادية للأزمة الأوكرانية. القرارات التي أعلن عن البدء بها في 15 مارس (آذار) تضمنت الموافقة على تخصيص منحة حكومية بقيمة 100 ألف دينار عراقي (68 دولاراً) باسم "منحة غلاء المعيشة"، ستُمنح للمتقاعدين ممن يتقاضون أقل من مليون دينار شهرياً، وموظفي القطاع الحكومي الذين يتقاضون راتباً أقل من 500 ألف دينار عراقي، وكذلك المشمولين بشبكة الحماية الاجتماعية.
الإجراءات التي أعلنتها الحكومة ضمن "قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي"، شملت أيضاً تصفير الرسوم الجمركية ولمدة ثلاثة أشهر على البضائع الأساسية من المواد الغذائية ومواد البناء والمواد الاستهلاكية الضرورية، وتهدف سياسة تصفير الرسوم الجمركية إلى المحافظة على استقرار الأسعار، ووصول البضائع الى المستهلك بأسعار ثابتة من دون أن تتعرّض لزيادات متتالية.
كما أعلنت الحكومة العراقية وضمن الإجراءات التي تستهدف حماية الأمن الغذائي، إطلاق حصتين للمواد الغذائية في البطاقة التموينية، والبدء بإجراءات توفير حصة شهر رمضان، وضبط الأسعار في الأسواق واتخاذ الإجراءت القانونية بحق المخالفين.
سوء الإدارة الاقتصادية
وترى الخبيرة الاقتصادية سلام سميسم أن الأمن الغذائي في العراق يتأثر حالياً بعوامل خارجية، وهي تلك التي تتعلق بالأزمة الأوكرانية، إذ تعود أسباب ارتفاع الأسعار إلى قلة العرض وتعثّر عمليات الاستيراد من روسيا وأوكرانيا، وصعوبة إيجاد طرق بديلة للاستيراد، كما يتأثر الأمن الغذائي في العراق بعوامل داخلية تتمحور حول سوء الإدارة الاقتصادية التي ألقت بظلالها على الوضع الاقتصادي بشكل عام، وأدت إلى زيادة الأسعار، "ليست هناك استراتيجية واضحة لتأمين الأمن الغذائي في العراق في ما يخص عملية إدارة تخزين المحاصيل والاستيراد"، هذه العوامل أدت إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية.
وهناك توقعات ومخاوف من زيادة الحاجة إلى المواد الغذائية بسبب زيادة الطلب وقلة العرض، وكذلك وجود قوى احتكارية تتحكم بالاستيراد وتحتكر المخزون، كل هذه العوامل الداخلية أسهمت في ارتفاع أسعار السلع الأساسية.
الأسباب واهية
وتعرّف منظمة الأغذية والزراعة الدولية (فاو) الأمن الغذائي بأنه "توفير الغذاء لجميع أفراد المجتمع بالكمّية والنوعية اللازمتين لتأمين حاجاتهم بصورة مستمرة من أجل حياة صحية ونشيطة"، فأساس تحقيق الأمن الغذائي هو ديمومة وجود المواد الغذائية.
وفي هذا السياق، يرى المستشار الاقتصادي مصطفى البزركان أن العراق لا يملك خطة استراتيجية لضمان الأمن الغذائي، مندداً "بعدم وجود وفرة ومخزون طوارئ لمواجهة أي أزمة أو زيادة غير معتادة في الطلب، على سبيل المثال لا يوجد تخزين استراتيجي من القمح أو الحبوب وكذلك من السلع الغذائية المطلوبة.
ويوضح أن الحرب في أوكرانيا مهّدت الفرص للتجار للمضاربة برفع أسعار السلع الأساسية (الطحين والسكر والزيوت)، معتقداً أن العوامل التي يُروّج لها كأسباب أدت إلى ارتفاع الأسعار في العراق، هي "أسباب واهية" كون البلاد وبحسب تصريح المتحدث باسم وزارة التجارة، لا تستورد القمح من أوكرانيا وروسيا، بل إنها تعتمد على القمح المستورد من أستراليا وكندا والولايات المتحدة الأميركية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الأمن الغذائي في خطر
يرى وزير النقل الأسبق عامر عبد الجبار أن الأمن الغذائي في العراق معرّض للخطر مع استمرار الأزمة الأوكرانية، ويشدد على دور الحكومة في معالجة أزمة ارتفاع الأسعار، لا سيما أسعار المواد الغذائية، شارحاً الحل للخروج من الأزمة عن طريق "تخصيص فارق سعر النفط المخمن ضمن موازنة 2021 وهو 45 دولاراً، والسعر الحالي البالغ أكثر من 100 دولار"، وهو يرى أن فارق السعر لعشرة أيام فقط سيكون كفيلاً بمعالجة أسباب ارتفاع أسعار المواد الغذائية.
وبخلاف ذلك، يذهب الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني، إلى الاعتقاد بأن الأمن الغذائي في العراق غير مهدد بشكل كبير، كونه يمتلك الحد الأدنى من الإنتاج. ويعتبر أن بغداد تحتاج إلى التخطيط البعيد المدى، وتأمين المفردات الغذائية لأكثر من سنة من خلال بناء السايلوات والمخازن، والتعاقد مع الدول الموردة للمواد، فالعراق يملك المال لكن برأيه أن المشكلة الأساسية تتعلق بسوء الإدارة.
دعم البطاقة التموينية
أما الخبيرة الاقتصادية سلام سميسم، فترى أن الحل الوحيد للخروج من الأزمة الحالية يتمثل في زيادة المعروض من المواد الغذائية. فلا بد للدولة من أن تتدخل كمجهز رئيس للمواد الغذائية ضمن نظام البطاقة التموينية، وليس كمنافس للقطاع الخاص. وشددت على ضرورة أن تكون الحصة التموينية منتظمة ومستمرة بالوصول إلى المواطن كل شهر، على العكس من الوضع الحالي، إذ يشهد مشروع البطاقة التموينية خروقات كثيرة، ويتم إيصالها للمواطن كل ثلاثة أشهر، يحصل المواطن من خلالها على مادة واحدة أو اثنتين. "تجهيز البطاقة التموينية بكامل مفرداتها ستسهم في رفع الغبن عن الطبقات المهمشة. ومن خلال توفير هذا العرض للسلع الغذائية المجهزة عن طريق البطاقة التموينية، ستحافظ السوق على الاستقرار في أسعار السلع".
وفي السياق ذاته، يؤكد الباحث في الدراسات المالية والتنموية عقيل جبر علي أنه في حال كانت الحصة التموينية على مستوى من التخطيط والتنظيم الحكومي ومشاركة القطاع الخاص، فإن ذلك سيسهم في تأمين حاجات الطبقات الفقيرة، مشيراً إلى ضرورة خلق فريق عمل يضم وزارات التجارة والزراعة والمالية والتخطيط والبنك المركزي ولجنة فريق الغذاء الدولي، والخروج بمبادرة حكومية لرعاية الدولة للمؤسسات التجارية والاقتصادية والأفراد، وضرورة اللجوء إلى الدول المستقلة المنتجة للقمح، وهي أوزبكستان وتركمانستان وأذربيجان لكي تكون مورداً للعراق.
للأزمة جوانب أخرى
وقد تسهم الأزمة الاقتصادية في لفت الأنظار إلى ضرورة دعم الصناعات المحلية والاهتمام بالإنتاج الزراعي، فالاقتصادي حسين جابر الخاقاني يرى أن الدولة تستطيع أن تخطط وتوجه الاقتصاد وتتدخل بشكل كامل مثلما كانت الأنظمة الاشتراكية مساهمة في النشاط الاقتصادي، وأن توفر بيئة ناجحة للقطاع الخاص.
الخاقاني يعتبر أن دعم الإنتاج المحلي سيؤدي إلى خلق فرص عمل لأبناء البلد، ويسهم في بناء بنية أساسية للمستقبل. ومن الضروري اللجوء إلى الزراعة "وعدم وضع شماعة المياه كأساس لتدهور القطاع. فهناك أسباب قوية تُهدر من خلالها الموارد المائية، كما أن الفلاح العراقي لا يملك الخبرة لاستخدام وسائل الري الحديثة". وفي حال دعم الدولة للقطاع الزراعي، سيتمكّن الفلاح من تحويل الأراضي اليباس إلى مناطق زراعية منتجة، يوفر من خلالها السلع الغذائية، ويسهم في الحفاظ على العملة الصعبة لشراء هذه السلع.