يوظف الأوليغارشيون ذكوريتهم المفرطة من أجل تبرير قوتهم الشخصية وعدوانيتهم. ينطبق هذا على الزعيم الروسي فلاديمير بوتين. لكنه ينطبق أيضاً على إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركة "تيسلا" وملياردير التكنولوجيا، بطريقة فيها موهبة زائدة وتنطوي على سخرية ذاتية، لكنها تبقى متوقعة على نحو متعب.
غرّد ماسك اليوم بشكل اعتباطي، بكلمات جاء فيها "أنا هنا أتحدى [فلاديمير بوتين] إلى قتال فردي". وأضاف، "الرهان هو [أوكرانيا]. فهل توافق على هذا القتال؟".
وسرعان ما جاء الرد من دميتري روغوزين، المدير العام لـ"وكالة الفضاء الروسية"، "أيها الشيطان الصغير، أنت لا تزال يافعاً"، وأضاف، "تنافس معي أيها الضعيف، وسيكون الأمر مضيعة للوقت".
إن مشهد ماسك منخرطاً مع موظفين روس في التباهي والاعتداد المغرور بالنفس على طريقة قناة التلفزة الشهيرة "المصارعة العالمية للترفيه"، بهدف زيادة شعبيتهم، أمر غير لائق وكريه، في أقل تقدير. لقد أسفر غزو روسيا العنيف لأوكرانيا فعلياً عن سقوط آلاف القتلى وإجبار الملايين على النزوح عن ديارهم. إنه مأساة إنسانية هائلة، وليس فرصة لماسك كي يسوّق نفسه.
مع ذلك، تسلّط تعليقات ماسك الضوء أيضاً على الطريقة التي غالباً ما يتداخل فيها بشكل شنيع، الترويج للذات مع الذكورية المفرطة والعنف. وهناك مثل واضح على ذلك يتجلى في رعاية بوتين لبدعة الهوس بالقوة والعزيمة في روسيا. وغالباً ما يتصوّر عاري الصدر، فيما يقوم بأمور تنمّ عن الرجولة في الهواء الطلق، وكثيراً ما تكون مع الخيول.
وحاول بوتين أيضاً أن يعرّف الشخصية القومية الروسية على أساس الكراهية للانحلال الغربي المخنث الذي غالباً ما يعتبره متصلاً بمثليّي ومزدوجي ومتحوّلي الجنس. وقد هبط رهاب المثلية المسعور إلى درك أسفل آخر، حينما صرّح زعيم الكنيسة الأرثوذكسية الروسية أن للغزو الروسي لأوكرانيا ما يبرره على نحو جزئي، يتمثّل في أنه يأتي ضمن الجهود الرامية إلى القضاء على "مواكب المثليين". هكذا، صار التعصب الذكوري المفرط المسموم يبرر التجاوزات العسكرية المرعبة.
لم يغزُ إيلون ماسك أي دولة. ويمكن أن يبدو استغلاله ذكوريته الذكية الغرائبية، حميداً بشكل أكبر [بالمقارنة مع بوتين]. ولم يعرض قوته في الماضي من خلال حمل السلاح، بل بالعمل 120 ساعة في الأسبوع. وتتركز شخصيته العامة على قوة العقل [ملكاته الذهنية]، وليس القوة الجسدية. وتكرّس شركته "تيسلا" نفسها لتطوير سيارات كهربائية تعتمد التكنولوجيا الخضراء، في الوقت الذي تتعهد [شركته الأخرى] "سبيس إكس" وضع البشر على المريخ في غضون خمسة أعوام. إنها ذكورية مفرطة، نعم، لكن مع تبجّح موهوب من المفترض أنه يتمتع بوعي اجتماعي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل، لا تبدو طاقة الملياردير ماسك الذكورية الغريبة الأطوار عند معاينتها عن كثب، مختلفة عن مظهرية ذَكر- الألفا [بمعنى الذكر المسيطر]، إذ تستخدم أخلاقيات العمل المكثف لديه كسلاح ضد موظفيه بالذات، وقد أُدين بعرقلة العمل النقابي على نحو مخالف للقانون، وانتهاك قوانين العمل. واتُّهم أيضاً بإساءة معاملة العمال، لا سيما أصحاب البشرة السوداء منهم.
وفي سياق متصل، تحكي مطلقة ماسك عن أنه تعامل معها بطرق عدة كموظفة عنده، وأن طريقته في التحايل عبر اتخاذ مظهر "الرجل الكبير في المكتب"، تتلاءم بدقة مع ديناميكياته الذكورية جنسياً في البيت. وتورّط في رهاب المتحولين جنسياً، فضلاً عن أنه غرّد معتبراً أن "استخدام الضمائر [في التخاطب بدلاً من الأسماء]، أمر لا معنى له". وفسر معظم الناس تلك الكلمات على أنها استهزاء مبطن باختيارات الأشخاص من غير ثنائيّي الجنس للضمائر [بمعنى أن أصحاب الهويات الجنسية غير التقليدية ينفرون من استعمال الصيغة التقليدية في اللغة للضمائر لأنها تسير وفق ثنائية ذكر وأنثى]. وذكرت شريكة ماسك غير الدائمة، غرايمس، التي تعرّف نفسها بأنها لا ثنائية الجنس [بمعنى أن ثنائية ذكر وأنثى لا تنطبق عليها]، أنها "محايدة" بالنسبة إلى الضمائر. وأفادت غرايمس بأنها طلبت من ماسك علناً ألّا يستهدف المتحولين جنسياً، بالتالي، فقد حذف ماسك التغريدة. لكن، أن تتهجم على مجتمع هامشي [إشارة إلى أصحاب الهويات الجنسية غير التقليدية] كي تبدو جريئاً يبقى أمراً كريهاً، في الأقل حين تعرف أنه مجتمع هامشي تتماهى معه شريكتك الأساسية.
واستطراداً، إن عرض ماسك المضحك لقتال بوتين ليس غريباً على شخصيته حقاً، بل إنه [تصرف] يوضح مرة أخرى كيف يمكن لذكورية الرجل الذكي التي يتمتع بها أن تتحوّل بسهولة إلى ذكورية متطرفة عداونية تقليدية.
ويعتبر ذلك الأمر ذاته أيضاً مثلاً على كيف تنبني القوة المالية والاجتماعية للأوليغارشيين، على أوهام الذكورية المفرطة في الهيمنة والسيطرة الجسديتين، إضافة إلى تغذيتها تلك الأوهام. إن ماسك يمزح على مستوى معين، لكن من الواضح أنه يستمتع بصورته وهو يقاتل بوتين. (بقبضات الأيدي؟ بالسيوف؟ بالمسدسات من مسافة عشرين خطوة؟) وهو يستمتع بوضع نفسه في موقع المخلّص البطل الشهم الذي يهبّ لنجدة أوكرانيا منهكة، بالتالي فإنه يستطيع أيضاً، ماذا؟ أن يعلن نفسه ملكاً؟ أو يتزوج من ابنة أوكرانيا [غرايمس] ويبدأ حياة جديدة ملؤها السعادة في نهاية الحكاية؟ أو يقبل التصفيق الشامل من جانب الأوكرانيين الممتنين لأن هذا الملياردير التكنولوجي مستعد للمصارعة من أجل حريتهم في الوقت الذي يتعرّضون للقصف؟
لا تزال التفاصيل الدقيقة للحكاية البطولية غير واضحة. لكن من الواضح أن دميتري روغوزين رحّب بفرصة للمشاركة. وكذلك يكون بوتين سعيداً بتصوير الحرب في أوكرانيا كأنها اختبار عن قوة الشخصية والعزيمة الذكورية، بدلاً من تعريفها كاستيلاء وحشي لا يرحم من قبل قوة طاغية، يشمل قصف مستشفيات توليد وإرسال المراهقين المجندين إلى ساحات الموت.
مجدداً، إن ماسك ليس بوتين. في المقابل، إن أفكاره الغبية بشأن القتال الجسدي من أجل أوكرانيا توحي بأنه ربما يودّ لو يكونه [بوتين]. غالباً ما يتحدث المليارديرات الأقوياء ويتصرفون كأنهم وذكوريتهم، يشكّلون الأشخاص الوحيدين في العالم. يبدو أنهم قساة ومنفصلون عن الواقع، في أحسن الأحوال. وفي أسوأ الأحوال، إنهم يفعلون ما يفعله بوتين حالياً.
نشر في "اندبندنت" بتاريخ 14 مارس (آذار) 2022
© The Independent