قد تفشل روسيا في دفع المال إلى بعض مقرضيها في وقت مبكر، إذ تزيد العقوبات الغربية من احتمالات تخلف موسكو عن تسديد ديونها للمرة الأولى في أكثر من عقدين.
وسيشكل التخلف عن تسديد الديون أحدث مؤشر إلى التحديات التي تواجهها روسيا بسبب الإجراءات الاقتصادية التي فرضها الزعماء الغربيون رداً على حرب فلاديمير بوتين في أوكرانيا.
غير أنه سيترك أيضاً مستثمرين في الغرب، بما في ذلك بعض صناديق المعاشات التقاعدية، أمام خسائر وقد يكون مؤشراً ينذر بأشياء مقبلة [بما ينتظرنا].
ماذا على المحك؟
من المقرر أن تسدد روسيا 117 مليون دولار أميركي من أقساط الفائدة على سندين حكوميين (هما في الأساس دينان صادران لصالح مستثمرين) الأربعاء في 16 مارس (آذار) 2022، وتتمتع بفترة سماح مدتها شهر واحد لتسوية الأمر مع مالكي هذين السندين.
وهذا المبلغ يجب أن يُدفَع بالدولار، إلا أن روسيا مُنِعت من الوصول إلى أجزاء كبيرة من احتياطياتها من العملات الأجنبية التي تبلغ قيمتها 630 مليار دولار.
ويجادل الكرملين بأن هذا يعني ألا بد من السماح له بتسديد المبلغ بالروبلات بسعر صرف تقرره الحكومة الروسية.
وبما أن قيمة الروبل هبطت منذ أمر فلاديمير بوتين بإرسال قوات روسية إلى أوكرانيا، من غير المرجح أن تُعتبَر خطوة كهذه مرضية [مقبولة].
وتعني العقوبات أيضاً أن مالكي السندات -بما في ذلك صناديق استثمار غربية- سيُمنَعون من إنشاء حساب مصرفي روسي يتلقون فيه الروبلات الروسية.
ما مدى احتمال التخلف عن تسديد الديون؟
الأسبوع الماضي، خفضت "فيتش" تصنيف الديون السيادية الروسية إلى ثاني أدنى مستوى لدى وكالة التصنيف وحذرت من أن التخلف عن التسديد "وشيك".
وقالت كريستالينا جورجييفا، رئيسة صندوق النقد الدولي، الأحد إن التخلف عن التسديد لم يعد "غير محتمل".
ماذا سيترتب على توقف روسيا عن الدفع؟
أصدرت روسيا 38.5 مليار دولار من السندات بالعملات الأجنبية، يملك مستثمرون أجانب ما يقرب من 20 مليار دولار منها، وفق بيانات جمعتها "الفايننشال تايمز". وتستحق على الشركات الروسية أيضاً 100 مليار دولار أخرى.
وفي الماضي كانت حالات التخلف عن تسديد الديون من جانب الحكومة الروسية سبباً في إحداث مشاكل كبرى على المستوى الدولي. وعندما فشلت موسكو في تسديد فوائد ديونها الصادرة بالعملة المحلية (لكن ليس ديونها المقومة بالدولار) عام 1998، تفشت العدوى إلى مختلف أنحاء العالم، الأمر الذي أدى إلى انهيار واحد من أكبر صناديق التحوط في العالم.
فقد راهن الصندوق، المسمى "إدارة رأس المال البعيدة الأجل"، على ديون محفوفة بالمخاطر، وبات من الواجب إنقاذه، في تطور رأى كثر فيه مقدمة للأزمة المالية عام 2008.
وليس المحللون قلقين بالقدر نفسه هذه المرة، علماً بأن من الجدير بالملاحظة أن كثراً لم يحذروا من أحداث 1998 قبل أن تقع.
هناك من الأسباب ما يجعلنا أكثر تفاؤلاً اليوم. لقد بدأ المستثمرون في الحد من تكونهم عرضة لمخاطر ناجمة عن علاقات مالية بروسيا بعد ضم بوتين شبه جزيرة القرم عام 2014، وليست الحيازات الأجنبية الحالية من الديون الروسية بالقدر نفسه من الأهمية التي كانت عليها عام 1998.
والواقع أن العديد من كبار مديري الصناديق في المملكة المتحدة باعوا بالفعل أكبر قدر ممكن من الأصول الروسية.
كذلك تحد التنظيمات الأكثر صرامة المطبقة منذ انهيار عام 2008 [الأزمة المالية] من حجم المخاطر التي قد تأخذها المؤسسات المالية، وهي -كما نأمل- تحد من خطر انتقال العدوى عبر النظام الأوسع نطاقاً.
ماذا بعد؟
في حالة التخلف عن التسديد، يتفاوض حاملو السندات (الدائنون) ومصدرو السندات (المدينون) عادة على "إعادة الهيكلة". وكثيراً ما يؤدي هذا إلى قبول الدائنين لأقساط فائدة أقل، ومهل تسديد أطول، واسترجاع أموال أقل من تلك التي استثمروها.
ومن المرجح أن تتعقد هذه العملية بسبب العقوبات القاسية المفروضة على روسيا، فضلاً عن التقييد الشديد لتفاعلات المستثمرين الغربيين المحتملة مع موسكو.
© The Independent