هي سابقة فريدة من نوعها، إذ فاجأ وزير السياحة في الحكومة اللبنانية أواديس كيدانيان، في أول أيام عيد الفطر، الوافدين إلى مطار رفيق الحريري الدولي، وأعلن أنه سيداوم في مكتبه في المطار لاستقبالهم، وللاطمئنان على سير أمورهم بشكل سليم.
ومن خلال هذه المبادرة، أحب كيدانيان أن يفتتح موسم الصيف بحماسة، معلناً أنه سيواكب السياح في ما بعد إلى المطاعم والفنادق، وغيرها من المرافق السياحية العامة للاطمئنان إلى حسن سير العمل وتأمين الخدمات اللازمة. كل ذلك ضمن إطار "حرصنا على إبراز الصورة الحضارية عن بلدنا المضياف"، معوّلاً على "صيف سياحي واعد في لبنان" من خلال التحضيرات التي بدأت منذ مطلع السنة.
التجهيزات في المطار
في العام الماضي، لم يكن المشهد مماثلاً في الهدوء والتنظيم داخل أروقة المطار، فقد اجتاحته موجة من الفوضى العارمة الناتجة من ازدياد غير متوقع لعدد السياح، وضجت مواقع التواصل الاجتماعي بشكاوى الوافدين.
وفي حديث خاص مع "اندبندنت عربية"، أكد كيدانيان أهمية تجربته "خصوصاً أنها أتاحت لي تلمس الأصداء بشكل مباشر والتفاعل مع الناس والاستماع إلى مطالبهم"، مشدداً على حرصه على "تسهيل أمورهم منعاً لتكرار تلك الحادثة التي أدت إلى تأخيرهم ساعات طويلة وأنتجت خلالها فوضى لم تكن تحمد عقباها".
ومنذ ذلك الحين، توجب على رئاسة المطار حينها الإعلان الفوري عن البدء بتنفيذ مشروع أشغال ملحة في مطلع شهر مارس (آذار) 2019.
وفي لقاء مع رئيس مطار رفيق الحريري الدولي فادي الحسن، شرح لنا أن "حركة المسافرين في نهاية 2018، قاربت نحو 8 ملايين و900 ألف راكب، بينما القدرة الاستيعابية للمطار هي 6 ملايين راكب، وقد تخطت هذه الحركة القدرة الاستيعابية إذ كان لا بد من إيجاد حلول سريعة تحضيراً لصيف 2019. وعلى هذا الأساس جاء مشروع الأشغال الملحة والذي كان من المتوقع أن تكون مدته ستة أشهر، ولكن ظهور مشاريع أخرى طارئة أخرته شهرين إضافيين"، موضحاً أن "الهدف من هذا المشروع بشكل أساسي هو رفع القدرة الاستيعابية للمطار إضافة إلى إعادة تموضع النقاط الأمنية وزيادة عدد "الكونتوارات" مما سيسهل الأمر".
موسم سياحي صيفي واعد
اليوم يستعد لبنان لـ"موسم سياحي صيفي واعد" بدأت مؤشراته تظهر في الأشهر الأخيرة، خصوصاً بعدما أعلنت بعض البلدان الخليجية المجاورة رفع حظر سفر رعاياها إلى لبنان الأمر الذي أعطى ارتياحاً للقطاع. في حين بلغ عدد السياح عام 2018 بحسب إحصاءات وزارة السياحة 1.963.917 سائحاً وهو ثاني أفضل رقم بعد عام 2010 إذ وصل حينها إلى مليونين و162 ألف سائح. وقدرت مداخيل العام السياحي بنحو 8 مليارات دولار أميركي، فيما وصلت عام 2018 إلى 7.6 مليار دولار بحسب منظمة السياحة العالمية.
وعن توقعات نسبة السياح الوافدين إلى لبنان هذا العام بحسب وزارة السياحة، أشار كيدانيان إلى أنه "من المتوقع أن نتخطى المليوني سائح، خصوصاً أن مؤشرات النمو في الربع الأول من السنة وصلت إلى 7 و8 في المئة، وذلك خلال الفترات التي تعد غير سياحية. ونتوقع أن ترتفع النسبة لتصل إلى الـ10 في المئة هذا الصيف، بالتالي نكون قد اجتزنا المليونين و500 ألف سائح. هذا إضافة إلى أكثر من 300 ألف سعودي الذين سيأتون إلى لبنان على حد قول السفير السعودي وليد البخاري، وذلك بعد قرار المملكة رفع الحظر عن رعاياها. ومعلوماتنا تشير إلى أننا سنصل إلى هذا العدد، إذ من المتوقع هبوط، خلال نهار واحد، 9 طائرات آتية من السعودية في مطار بيروت".
تراجع عدد السياح العرب
من جهة ثانية، وفي حين ارتفعت السياحة الأجنبية في لبنان خلال الأعوام الماضية، إلا أن الحركة السياحية تدهورت نسبياً مع إعلان بعض الدول العربية حظر سفر رعاياها إلى لبنان، الأمر الذي أثر سلباً في كل القطاعات السياحية والتجارية والخدماتية على السواء.
"ففي عام 2018، تراوح عدد السياح العرب نحو 550 ألفاً مقابل نحو 700 ألف أوروبي. أما وبالمقارنة مع عام 2010، ارتفع عدد السياح العرب ليصل إلى 800 ألف سائح أما السياح الأوروبيون تراجع عددهم إلى زهاء 550 ألفاً، بحسب ما أشار كيدانيان.
كما توقع كيدانيان أن "يزداد عدد الوافدين من أوروبا وخصوصا فرنسا وألمانيا وإنجلترا والسويد وتركيا. أما الدول العربية، "فبصورة عامة من السعودية والأردن والكويت ومصر والعراق، إضافة إلى لبنانيين مغتربين من الأميركيتين وكندا"، مشدداً على "أهمية استقطاب السياح من البلدان الخليجية الذين كانوا يأتون إلى لبنان ولديهم فترات إقامة طويلة وقدرة شرائية كبيرة تستطيع أن تجلب معها مبالغ سياحية كبيرة".
من جانب آخر، يبشر وزير السياحة بأن لبنان يسعى إلى تعويض الخسارة الناجمة عن تراجع عدد السياح العرب جراء الاضطرابات التي تعاني منها دول الجوار، إذ أوضح أن "عدد السياح العرب عام 2010 بلغ أوجه، إلا أنه مع رفع حظر المملكة العربية السعودية هذا العام عن رعاياها انعكس بصورة إيجابية على القطاع السياحي، إذ ازداد عدد السياح 100 في المئة مقارنة مع الأشهر الخمسة الأولى من عام 2018. فقد بلغ عددهم في الربع الأول من العام الماضي، 14 ألف سائح بينما ارتفع هذا العام ليصل إلى 28 ألف سعودي. وقد أثر قرار رفع الحظر بشكل إيجابي، إذ ارتفع عدد السياح من مصر بالمقارنة مع العام الماضي بنسبة 18 في المئة والأردن 6 في المئة والعراق 5 في المئة. وينتظر أن يصل عدد الوافدين السعوديين إلى لبنان خلال الصيف إلى حدود 300 ألف سعودي وهو أمر جيد جداً. إضافة إلى أنه كان لتشكيل الحكومة الأثر الإيجابي على موضوع السياحة إذ وصل عدد الوافدين بحدود 16 في المئة عام 2019. كذلك ارتفع عدد السياح الأوروبيين (فرنسا 4 في المئة، ألمانيا 3 في المئة، إنجلترا 7 في المئة وتركيا 20 في المئة)".
وأكد كيدانيان أن "وزارة السياحة تسعى من خلال مؤتمراتها السنوية إلى دعوة أكثر من 150 شركة من 40 دولة بالعالم بهدف تحفيز الشراكة مع القطاع الخاص اللبناني، وقد لاقت استحساناً لدى الأوروبيين خصوصاً. كما أن هناك توجهاً لفتح أسواق جديدة، سواء في أوروبا أو الأميركيتين، إضافة إلى روسيا والهند والصين".
إنشاء Tourism Board
أما في المدى البعيد، أشار كيدانيان إلى أنه "يتم العمل على إنشاء مجلس أو هيئة للسياحة يعرف بالـ Tourism Board في لبنان لوضع استراتيجية للتسويق السياحي بين القطاعين العام الخاص"، متمنياً أن "أحقق نجاحاً في ولايتي هذه، وأن نقر قانوناً ونظاماً داخلياً لتنشيط هذه الهيئة، لجلب تمويل خاص يستطيع أن يؤمن استمرارية واستدامة الرؤية السياحية التي وضعتها لنهضة الوزارة. فنجاح هذا المشروع سيعمل على خلق نمط جديد بالتعاطي وإحداث نقلة نوعية في القطاع، وهو بانتظار إقراره في القريب العاجل في مجلس النواب".
تحسن في أداء الفنادق
يشير تقرير مؤسسة "إرنست آند يونغ" حول أداء الفنادق خلال الفئات الأربعة والخمسة، أنها تحسنت في بيروت بنسبة 15 في المئة على صعيد سنوي إذ ارتفعت من 15.5 في المئة لتصل إلى 79 في المئة خلال شهر آذار عام 2019. وهو معدل مرتفع جداً عما كان عليه مقارنة بيناير (كانون الثاني) عام 2014، وذلك في ظل رفع السعودية الحظر، إضافة إلى عوامل أخرى تزامناً مع إعادة تشكيل الحكومة.
وفي هذا الإطار، أعرب رئيس نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري طوني الرامي، عن تفاؤله بـ"موسم واعد"، مشيراً إلى أنه "بناء على إحصاءات وزارة السياحة، فإن مؤشرات الصيف إيجابية بدليل ارتفاع حركة إيجار السيارات وحجوزات الفنادق، إذ إن النسبة تجاوزت 87 في المئة خلال الثلاثة أيام. أما حركة الشقق المفروشة وحركة المطاعم بمناسبة عيد الفطر جيدة بانتظار إقبال خليجي إيجابي سيبدأ خلال الثلاثة أيام ليتصاعد عند الدخول إلى الموسم"، معولاً على "جاهزية وزارة السياحة والوزير في المطار الذي يتابع كل التجهيزات".
بيروت الأغلى من حيث التعرفة
في السياق عينه، أشار تقرير "إرنست آند يونغ" إلى أن "متوسط تعرفة الغرفة زادت بنسبة 7.1 في المئة سنوياً إلى 185 دولاراً أميركياً تزامناً مع ارتفاع مستوى الإيرادات المحققة عن كل غرفة متوافرة بنسبة 33 في المئة. أما ارتفاع أسعار غرف الفئات الأولى والرابعة، فقد حققت بيروت أعلى متوسط تعرفة للغرفة بين الدول العربية (والذي بلغ 189 دولاراً) تلتها الكويت (186 دولاراً) ومن ثم الرياض (164 دولاراً)".
بناء عليه، فقد أكد كل من كيدانيان والرامي أنها "ليست قاعدة ثابتة، لأن هناك مروحة شاملة ومنوعة من الأسعار التي تناسب جميع الميزانيات، واللوائح موجودة إن كان على أبواب المطاعم أو على مواقع التواصل الاجتماعي، بحيث أضحت الأسعار بمتناول الجميع وعلى نطاق أوسع للاختيار بحرية، لذا لا يوجد أي مفاجآت أو تخوف من هذه الناحية".
رسوم جديدة على السائح
وعن اتجاه الحكومة نحو إقرار الرسوم على الفنادق، أوضح كيدانيان أن فكرة "سيتي تاكس" أو دفع رسوم أشغال على الفنادق، جاءت من منطلق التخفيف من أعباء خزينة السياحة، خصوصاً أن مداخيلها متدنية مقارنة بالسنوات الماضية بحيث خفضت من 18 إلى 11.5 مليون دولار أميركي، والذي سيتوزع على الرواتب وعلى نسبة بسيطة مخصصة للترويج السياحي".
وأردف كيدانيان أنه "يترتب دفع مبلغ زهيد قيمته نحو 5 دولارات على الفندق، بالتالي سنحصل بموجبه على مجموع يكون ما بين 10 إلى 12 مليون دولار أميركي سنوياً بهدف تمويل صندوق الوزارة للتسويق السياحي. نحن قادرون على أن نكون في المقدمة مع العمل على خلق إطار للتمويل من دون المس بجيوب اللبنانيين. لذا نحاول جاهدين الاستفادة من السائح في عملية تطوير الترويج والتسويق، بالمقابل إدخال الأموال إلى البلد وتحريك عجلة الدورة الاقتصادية".
من جهة ثانية، تساهم السياحة البيئية بنسبة كبيرة في الدخل القومي لكثيرٍ من الدول وتزيد من فرص العمل. وعما إذا أصبحت منسية في لبنان، أكد الوزير كيدانيان "سيتم التعاون مع البلديات واتحاد البلديات ولجان الجمعيات الموزعة في المناطق اللبنانية خارج العاصمة لضمهم إلى موقعنا الخاص ومواقع التواصل الاجتماعي عند انتهاء فصل الصيف، من أجل تعريف المرشدين السياحيين على كافة أنواع السياحة الدينية والبيئية والثقافية وغيرها... ولتسهيل بحثهم عن الأسعار الزهيدة. إضافة إلى تعاوننا مع شركة سياحية خارجية لديها أكثر من 50 ألف مرشد سياحي تعمل على إرسال نشرات إخبارية شهرية عبر البريد الإلكتروني للسياح لتعريفهم على أنواع السياحة كافة التي لا تقتصر فقط على النشاطات الترفيهية، وذلك بما يصب لصالح خطة التسويق والترويج التي بدأناها".
توقعات الموسم السياحي جيدة ككل، خصوصاً بعد قرار رفع حظر سفر رعايا بعض الدول العربية بانتظار أن تتخذ بقية البلدان هذه الخطوة. فرض الرسوم على الفنادق وعلى النرجيلة وعلى مغادرة المسافرين يؤدي بحسب رأي بعض المعنيين بالقطاع السياحي إلى رفع التكلفة مما يؤثر بشكل أو بآخر على أسعار الفنادق والمقاهي والملاهي والمطاعم بشكل عام. والكل في القطاع السياحي يجمع على أن يذهب جزء من الأموال المحصلة لدعم الترويج السياحي للبنان.