مع استمرار حال الجمود في الأزمة الحكومية بين الحكومتين الليبيتين، حكومة عبد الحميد الدبيبة في طرابلس، ونظيرتها التي كلفها البرلمان برئاسة فتحي باشاغا، بدأت الأخيرة تحركات لكسب نقاط جديدة وتعزيز موقفها السياسي بتسلم المقرات الحكومية في شرق ليبيا وجنوبها، ومباشرة عملها حتى قبل الدخول رسمياً إلى طرابلس.
ووسعت هذه الخطوة التي اتخذتها حكومة باشاغا المخاوف من العودة إلى مرحلة الانقسام بين حكومتين في طرابلس وبنغازي، واستمرار الأزمة من دون حل حقيقي، على الرغم من الجهود والضغوط الدولية لحل هذه الأزمة، وبدء التجهيز للانتخابات العامة وإنهاء المرحلة الانتقالية المتوترة بأسرع وقت.
وفتحت حال الانقسام الحكومي الحالية النقاش حول كثير من الملفات، خصوصاً المتعلقة بإدارة عائدات النفط الليبي مع الارتفاع غير المسبوق في أسعاره بسبب الأزمة في أوكرانيا، ما دفع السفارة الأميركية إلى طرح مقترح بشأن إدارة أموال النفط في الفترة المقبلة.
البداية من بنغازي
وتسلمت الحكومة الليبية الجديدة برئاسة فتحي باشاغا مقر الحكومة في مدينة بنغازي، وأعلنت مصادر في البرلمان الليبي عن تسلمها مقر رئاسة الوزراء في الجنوب خلال أيام قليلة، مع تعثر جهودها لدخول طرابلس وتسلم المقر الحكومي الرئيس في العاصمة.
ودعا نائب رئيس مجلس الوزراء بالحكومة الليبية، علي القطراني، خلال مراسم تسلم مقر مجلس الوزراء في بنغازي، إلى "نبذ الخلافات والإقصاء والتهميش وتوسيع المشاركة في إدارة شؤون البلاد والتوزيع العادل لثروات البلاد"، وأكد القطراني أن "الحكومة الجديدة ستعمل كل ما يلزم لإنجاز الانتخابات في موعدها المقرر من مجلس النواب بالتعديل الدستوري الـ12".
أما المستشار الإعلامي لرئاسة مجلس النواب فتحي المريمي، فرأى أن "انتهاء حكومة الوحدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة أصبح مسألة وقت، حتى من دون تسليم مهامها إلى حكومة باشاغا، التي حازت ثقة مجلس النواب أخيراً"، وأشار المريمي إلى أن "موقف حكومة الدبيبة بدأ يضعف كل يوم، مع إقدام عدد كبير من وزراء حكومته ووكلاء الوزراء على تقديم استقالاتهم من مناصبهم واعترافهم بحكومة باشاغا، إضافة إلى تسلم مقر حكومته في بنغازي من قبل الحكومة الجديدة، التي ستتسلم أيضاً مقر المنطقة الجنوبية خلال هذا الأسبوع".
العودة إلى مربع العنف
وحذر عضو مجلس النواب سعيد امغيب، من أن "تمسك الدبيبة بعدم التسليم للحكومة الليبية الجديدة لا يدعو إلى الانقسام فقط، بل إلى العودة للمربع الأول ودائرة العنف والصراع المسلح، بحسب ما قام به من خطوات تصعيدية في الآونة الأخيرة". وأضاف، "نحن في مرحلة ووقت حساس لا نريد فيه التدخل الأجنبي، والاتفاق حصل بإرادة ليبية خالصة، ولكن الدبيبة يريد تنفيذ رغبات وطموح وأجندة دول خارجية"، ورأى امغيب أن "عدم انجرار رئيس الحكومة الليبية فتحي باشاغا إلى الحرب، ورغبته في دخول العاصمة بقوة القانون لا بقوة السلاح، هو تصرف حكيم، لذلك تغيرت وجهة نظر المجتمع الدولي والدول المتدخلة في الشأن الليبي، وسنرى الفترة المقبلة المزيد من الاعترافات بالحكومة دولياً".
ولفت إلى أن "رئاسة الوزراء في المنطقة الشرقية شهدت تسليماً وتسلماً سلساً بين رئيس ديوان المنطقة الشرقية بحكومة الوحدة رضا فريطيس، ونائب رئيس الحكومة علي القطراني، ونائب رئيس الحكومة عن الجنوب سالم الزادمة كان ضمن الحضور، وأكد أن التسليم والتسلم في المنطقة الجنوبية سيكون نهاية الأسبوع الحالي، بعد إجراء الترتيبات اللازمة".
وساطة ومقترحات أميركية
ومع استمرار التعقيد والتصعيد بين الحكومتين المتنافستين على السلطة في ليبيا عززت الولايات المتحدة بشكل ملحوظ تحركاتها لحل الأزمة بالطرق السلمية، وتجنب الانجرار إلى صدامات مسلحة جديدة، خصوصاً في هذه المرحلة الحرجة التي يعاني فيها العالم تداعيات الحرب الأوكرانية.
في السياق، قالت مصادر مقربة من رئيس الحكومة الليبية باشاغا، في تصريحات صحافية، إن "هناك وساطة أميركية للضغط على رئيس حكومة الوحدة الوطنية الدبيبة لتسليم السلطة، وإن السفير الأميركي عرض على الدبيبة الحصول على بعض الضمانات مقابل تسليم مهماته لفتحي باشاغا"، وأكدت المصادر أن "رئيس حكومة الوحدة الوطنية يرفض حتى الآن هذه الوساطة، وتمسك بعدم تسليم المقرات الحكومية إلا لسلطة منتخبة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكانت مصادر ليبية متطابقة أكدت أيضاً أن السفير الأميركي ريتشارد نورلاند، استدعى الدبيبة، في طرابلس، وطلب منه تسليم السلطة لفتحي باشاغا المكلف من البرلمان، وقال مستشار لجنة الحوار السابق بمجلس الدولة صلاح البكوش إن "نورلاند يتعامل مع الليبيين بطريقة بول بريمر في العراق، ويعتبر نفسه الحاكم المدني في ليبيا، وأكبر دليل استدعاؤه رئيس الحكومة الدبيبة، وتوجيه أوامر بالدخول في حوار تسليم السلطة لباشاغا". وأضاف البكوش، المعارض لتكليف باشاغا رئيساً للوزراء، "كل هذا جاء بعد زيارة المبعوث الأميركي إلى القاهرة، ما يعني أن التنسيق الأميركي لدعم تحالف باشاغا سيكون الضربة القاضية لحكومة الدبيبة".
من جانبه، اعتبر عز الدين عقيل السياسي الليبي، أن "الولايات المتحدة لم تعد ترى في الدبيبة رئيس حكومة الوحدة الوطنية رئيساً شرعياً للوزراء، بدليل استقبال السفير الأميركي في ليبيا الدبيبة في مكتبه وليس في مقر رئاسة الوزراء، وهي رسالة واضحة ولم تأت عبثاً، مفادها بأن الدبيبة لم يعد رئيساً للحكومة في أعيننا".
إدارة عوائد النفط
ولم تقتصر الوساطة والمقترحات الأميركية على الشق السياسي فقط، بل قدمت سفارة واشنطن في ليبيا مقترحاً آخر لإدارة عوائد النفط، التي تضخمت بعد ارتفاع أسعار الخام في السوق الدولية. وقال نورلاند إن "واشنطن تقترح آلية لإدارة إيرادات النفط لمساعدة ليبيا خلال الأزمة السياسية التي تمر بها مع تنافس رئيسي وزراء على السلطة"، وشدد على أن "المقترحات الأميركية تهدف إلى منع اتساع نطاق الأزمة لتشمل حرباً اقتصادية من شأنها أن تحرم الليبيين من الرواتب والسلع المدعومة والاستثمارات الحكومية وتؤثر في أسواق الطاقة العالمية". وتابع، "القضية هي توصل الحكومة إلى الطريقة المثلى لضمان استخدام ثروة ليبيا النفطية التي يحتاجها الشعب، وعدم تحويلها لأغراض سياسية أو غير مناسبة وفق آلية قصيرة الأمد بطريقة أكثر تنظيماً وبإشراف مالي أكثر شفافية".
ودعمت بعثة الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا المقترح الأميركي داعية إلى "استقلالية المؤسسة الوطنية للنفط وضمان الاستفادة من عائدات النفط"، وقالت البعثة في بيان إنه "في الظروف الاستثنائية الحالية في ليبيا وعلى الصعيد العالمي، على الليبيين ضمان استمرار عائدات النفط واستفادة الجميع منها، وهناك حاجة إلى استقلالية وحيادية المؤسسات مثل المؤسسة الوطنية للنفط ومصرف ليبيا المركزي، وحوار مفتوح لتحديد النفقات الحرجة"، وأشارت إلى "ضرورة الحفاظ على الدخل الإضافي من ارتفاع أسعار النفط لصالح الاستثمارات المستقبلية والمساهمة في الاستقرار والازدهار، ولا غنى عن وجود استقلالية المؤسسة الوطنية للنفط والمزودة بموارد جيدة ومصرف ليبيا المركزي الموحد".