يؤدي العنف المنزلي دوراً كبيراً في أزمة الصحة العقليّة بالمملكة المتحدة متخطياً الأفكار السابقة عنه. وقد وجدت دراسة أن النساء اللواتي عانين عنفاً منزليّاً كنَّ أكثر عرضة بثلاثة أضعاف للإصابة باضطراب نفسي شديد.
الدراسة البارزة، التي قادها باحثون من "جامعة برمنغهام" البريطانية، هي الأولى التي تُظهر أن ضحايا العنف المنزلي أكثر عرضة للإصابة بانفصام الشخصية ("شيزوفرينيا") والاضطراب الثنائي القطب، إضافة إلى أشكال أكثر شيوعاً من الأمراض العقليّة- النفسية مثل الاكتئاب والقل.
وفي المقابل، تُبيِّن النتائج أيضاً وجود نقص كبير في التبليغ عن سوء المعاملة المنزلية، وفق ما تُظهره سجلات "الخدمات الصحية الوطنيّة"، ما قد يؤدي إلى تقويض الجهود المبذولة لتلبية احتياجات مرضى الصحة العقلية أو الحصول على دعم مباشر.
مثلاً، تشير التقديرات المستندة إلى بيانات "المسح الوطني للجريمة" إلى أن واحدة من كل أربع نساء تعرّضت لأحد أشكال العنف المنزلي في حياتها، ولكن نجد في سجلات خدمات الرعاية الصحية الأولية أن نسبة النساء اللواتي ذكرن أنهن تعرّضن لاعتداء تبقى حوالى 0.5%.
خلال مؤتمر صحافي في لندن عُقد بشأن تلك الأزمة، أوضح الدكتور يوهت سينغ شاندان، أحد الباحثين المشاركين في الدراسة، أنّ "النتائج تظهر عبء الأمراض العقلية الكبير على الصحة العامة في المملكة المتحدة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووفق كلماته، "ثمة خطر متزايد يأتي من ارتفاع خطر الإصابة بأمراض نفسية- عقلية لدى النساء اللواتي اختبرن عنفاً منزلياً، بمقدار ثلاث أضعاف بالمقارنة مع سواهن من النساء، وإذا افترضنا أن حوالى ربع النساء في هذا البلد تعرّضن لذلك العنف، فنحن نتحدث عن أعداد كبيرة تحتاج إلى رعاية لصحتها النفسيّة في هذا البلد".
بالنسبة إلى الدراسة التي نشرت في "المجلة البريطانية للطب النفسي"، استعان الفريق بسجلات طبية خاصة بـ18547 امرأة في المملكة المتحدة أبلغن فيها عن تعرّضهن لسوء المعاملة بين عامي 1995 و2017.
وقارن الباحثون تلك السجلات بملفات طبية تعود إلى 74188 امرأة من الفئة العمرية نفسها لم يرد فيها أنهن تعرّضن لأي شكل من العنف المنزلي.
وجدت الدراسة أن نصف النساء في المجموعة المُعتَدى عليها، شُخص لديهن اضطراب يتعلّق بالصحة النفسيّة- العقلية (49.5%) بالمقارنة مع 24.6% لدى اللواتي لم يبلغن عن معاناتهن عنفاً منزليّاً عند بداية الدراسة.
عندما نحّى الباحثون الأرقام المتّصلة مع تلك الحالات، ونظروا إلى ما استجّد من تشخيصات في الأمراض النفسيّة- العقلية خلال فترة الدراسة التي استمرت 22 عاماً، وجدوا أن اضطرابات القلق شُخّصَتْ بمعدل الضعفين ضمن المجموعة التي واجهت عنفاً منزلياً.
وظهر تشخيص الاكتئاب المرضي، أو "المرض نفسي شديد" مثل انفصام الشخصية أو الاضطراب الثنائي القطب، بمعدل ثلاثة أضعاف.
وأوضح الباحثون أن العلاقة بين معاناة العنف المنزلي وبين الإصابة باضطراب نفسي "لم تكن بسيطة أو مباشرة تماماً"، بل إن الاضطراب النفسي- العقلي نفسه قد يجعل الشخص أكثر عرضة ليكون ضحية للأذى، تماماً مثلما يتسبب العنف بحد ذاته في اضطرابات نفسية.
من جهة اخرى، أخفق الباحثون في تكوين أجوبة عن أسئلة متعلقة بآثار العنف المنزلي على الرجال، لأن هذه الحالات تُسجَّل بشكل أكثر سوءاً مما يحصل لدى الإناث. ولكن، لا بد من اتخاذ خطوات بارزة لتحديد ودعم الذين عانوا من ذلك النوع من الإساءة.
ووفق كلمات الدكتور شاندان، "نعلم أننا نستطيع بواسطة الرعاية الأولية وفرق طبيّة مساعِدَة، مدّ يد العون للأشخاص الذين تعرّضوا للعنف المنزلي، ولكن للأسف لم يُسلّط الضوء على تلك الشريحة".
لذا، يشكّل تشجيع الشرطة على مشاركة تقارير إساءة المعاملة المنزلية مع هيئة "الخدمات الصحية الوطنيّة"، أحد السبل التي تفيد في تحسين نسب الإبلاغ، إضافة إلى سياسات مكافحة العنف المنزلي، والتدخّل المبكّر لمصلحة ضحاياه.
تطرح الدراسة أيضاً سؤالاً عن ضرورة إخضاع الشابات اللواتي يُعالجن من اضطرابات الصحة النفسيّة، إلى فحوص طبية مكثفة. وسأل الدكتور شاندان، "هل نحن بحاجة إلى التفكير في طرح الأسئلة عليهن فيما يتعلق بإساءة معاملتهن؟".
وأشارت فيكي ناش من "المؤسسة الخيرية البريطانية للصحة النفسية" ("مايند" Mind) إلى أن مؤسستها "تسمع يوميّاً من نساء لديهن اضطرابات في الصحة النفسيّة أنهن عانين للحصول على الدعم الذي يحتجنه". ودعت ناش الحكومة إلى اتخاذ إجراءات بشأن الصحة النفسيّة للمرأة، والعنف المنزلي.
وخلصت ناش إلى أنّ "نساء كثيرات لا يلبين احتياجاتهن عن طريق خدمات الصحة العقلية، التي لا تستعمل أيضاً مقاربة الحصول على معلومات عن الحالات التي تعاني صدمة جسدية أو نفسية".
© The Independent