إنها "الأراضي الرطبة"Wetlands ، موئل يزخر بمجموعة متنوعة من الحيوانات والحشرات، ويشكل عاملاً بالغ الأهمية في المعركة ضد تغيّر المناخ، بيد أنها للأسف آخذة بالاندثار بوتيرة تنذر بالقلق.
1. ما هي الأراضي الرطبة؟
الأراضي الرطبة، وفق منظمة "ريوايلدينغ بريطانيا" Rewilding Britain (استعادة الحياة البرية في بريطانيا)، مصطلح جامع يُستخدم للإشارة إلى كل مساحة تحتوي على مياه، من بركة صغيرة إلى محيط، ولكنه بيئياً يشير عادة إلى الأراضي الرطبة ذات المياه العذبة.
وتشتمل الأراضي الرطبة ذات المياه العذبة على مجموعة واسعة من الموائل، بدءاً من الأرض الرخاخ إلى المستنقع والمقصبة والبركة والمروج الرطبة والأراضي الحرجية الرطبة أو الأحواض. وتتوزع هذه الأراضي في كل أنحاء العالم.
تُعدّ الأرض الرطبة السليمة أحد الأماكن الأكثر وفرة من الناحية الإيكولوجية في المعمورة. والأراضي الرطبة موطن طبيعي في بريطانيا، ولكن مساحات كثيرة منها تعرّضت لتغيرات كثيرة حتى صار التعرف إليها محالاً تقريباً.
تتباين الأراضي الرطبة بشدة في ما بينها، فنجد أن البعض منها واسع جداً، من قبيل مستنقع شامل، في حين أن البعض الآخر عبارة عن أوساط مائية صغيرة، مثل نبع في المرتفعات وغدير معشوشب.
في حالات أخرى، لا سيما في الأراضي المنخفضة، تبيّن أن تصريف المياه السطحية والتخلص من شكل من الوحل العضوي يُسمّى علمياً بـ"الخث" peat على نطاق صناعي، قد تسببا بخفض أعداد مساحات من الأراضي الرطبة أو تدمير كثير منها. في النتيجة، أصبحت مناطق الرخاخ المرتفعة والبرك ومنابت القصب الآن جزءاً ضئيلاً مما كانت عليه في ما مضى.
حاضراً، حصلت بعض أنواع الأراضي الرطبة على حماية مفروضة بالقانون، ولكن كثيراً منها ما زال في حال سيئة.
2. لماذا تعتبر الأراضي الرطبة مهمة جداً بالنسبة إلى كوكب الأرض؟
يتوقف بقاء أكثر من 140 ألف نوع حيّ موصوف، من بينها 55 في المئة من مجموع الأسماك كلها، على موائل متوافرة في مناطق المياه العذبة. وتكتسي أنواع المياه العذبة أهمية كبيرة بالنسبة إلى النظم الإيكولوجية المحلية، إذ تقدم للناس مصادر الغذاء والدخل، فضلاً عن أنها مفتاح السيطرة على الفيضانات وعمليات التعرية الطبيعية. ولكن مع ذلك، يبدو أن الأنواع الحية التي تعيش في الأراضي الرطبة ستتعرّض للانقراض بسرعة أكبر، مقارنة بنظيرتها التي تتخذ من اليابسة أو البحار والمحيطات مواطن لها، إذ يواجه نحو ثلث التنوع البيولوجي الذي تضمه المياه العذبة خطر الزوال بسبب الأنواع الحية الغازية من النباتات أو الحيوانات التي تلحق الأضرار بالموائل والمناطق البيئية التي تغزوها، علاوة على التلوث وفقدان الموائل والإفراط في الحصاد.
كذلك، تتحلل المادة النباتية بصورة مطّردة، وتتراكم في ظروف الأراضي الرطبة المشبعة بالمياه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في ما يتصل بغازات الدفيئة، تختزن الأراضي الرطبة كمية من الكربون أكثر من أي نظام إيكولوجي آخر، إذ تمتص أراضي "الخث" وحدها ضعف ما تمتصه غابات العالم كافة، وفق "برنامج الأمم المتحدة للبيئة". كذلك تمتص النظم الإيكولوجية للأراضي الرطبة الداخلية الكمية الفائضة من المياه، وتساعد في الحؤول دون حدوث فيضانات وموجات جفاف، لذا يرى كثيرون أنها ضرورية لمساعدة المجتمعات في التكيف مع مناخ لا ينفك يتغير.
ولكن مع ذلك، فإن قدرة موائل الأراضي الرطبة ذات المياه العذبة على امتصاص الكربون تختلف باختلاف حالة الأرض الرطبة نفسها.
لذا، تُعتبر الإدارة الجيدة خطوة بالغة الأهمية لضمان أن تتمكن الموائل من امتصاص كميات إضافية من الكربون لأعوام مقبلة. كذلك من الضروري توفير الحماية لما تبقّى من أرض رطبة عالية الجودة، ذلك أنه ربما تمر عقود قبل أن تتمكن الأراضي الرطبة المستعادة من خفض مستوى الكربون بنفس معدل الأراضي الرطبة الطبيعية.
ليتيسيا كارفالو، المنسقة الرئيسة لقسم "مياه البحار والمياه العذبة" في "برنامج الأمم المتحدة للبيئة" (اختصاراً UNEP) تقول إن "الأراضي الرطبة ذات الحال الجيدة، الضرورية في جهود التخفيف من آثار تغيّر المناخ والتكيف معها والتي تعود بالخير على التنوع البيولوجي وصحة الإنسان وازدهاره، تقدم فوائد تفوق حجمها".
بناء عليه، توضح كارفالو أن "الحرص على ألا تتوقف الأراضي الرطبة عن منح عطاءاتها للنظم الإيكولوجية البالغة الأهمية بالنسبة إلى البشرية يتطلب... إيلاءها الأولوية وحمايتها وإصلاحها وإدارتها ومراقبتها على نحو أفضل."
3. ما الأسباب التي تجعل الأراضي الرطبة في خطر؟
تُعتبر الأراضي الرطبة أحد أكثر الموائل المعرضة للخطر على كوكبنا. مثلاً، بحلول عام 2000، خسرت الأرض حوالى 85 في المئة من الأراضي الرطبة التي كانت موجودة عام 1700، واستُنزف الكثير منها إفساحاً في المجال أمام العمران أو الزراعة أو غيرها من الاستخدامات "الإنتاجية". ونظراً إلى أنها تختفي بوتيرة أسرع بثلاثة أضعاف مقارنة بالغابات، يشكل فقدانها تهديداً وجودياً بالنسبة إلى مئات الآلاف من أنواع الحيوانات والنباتات.
وفق تقديرات العلماء، 64 في المئة من الأراضي الرطبة في العالم اختفت منذ عام 1900. في أحدث ورقة بحثية تتناول التوقعات بشأن الأراضي الرطبة على النطاق العالمي، أفاد باحثون بأن 35 في المئة من الخسائر التي قاستها موائل الأراضي الرطبة حدثت منذ عام 1970.
من شأن ذلك أن يترك عواقب كارثية. مثلاً، وجدت إحدى مجموعات الحفاظ على الطبيعة أن نحو خُمس حشرات اليعسوب (ذباب التنين) وذباب "ديمسل" في العالم يتهددها خطر الانقراض.
والتراجع الذي تقاسيه أعداد هذه الكائنات الحية مردّه إلى تدمير الأراضي الرطبة التي تشكل موائل لها، مثلاً في جنوب شرقي آسيا، أُزيلت مناطق الغابات المطيرة والأراضي الرطبة إفساحاً في المجال أمام زراعة محاصيل غذائية، من بينها زيت النخيل.
حوالى 16 في المئة من أصل ستة آلاف و16 نوعاً من ذباب "التنين" و"ديمسل" تواجه خطر الانقراض، وفق تصنيف "القائمة الحمراء للأنواع المهددة بالانقراض" الصادرة عن "الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة" (اختصاراً IUCN).
يبقى النبأ السار، ومفاده بأن الحماية والإدارة المستدامة وإصلاح الأراضي الرطبة وترميمها خطوات تجدي نفعاً. وفق توقعات "غلوبال ويتلاند أوتلوك"Global Wetland Outlook، يجلب تحسين إدارة الأراضي الرطبة فوائد متصلة بالأمن الصحي والغذائي والمائي، علماً أن هذه المنافع بالغة الأهمية لصحة وسبل عيش أربعة مليارات شخص يعتمدون على عطاءات الأراضي الرطبة.
© The Independent