تترقب الأنظار تعامل الجزائر مع باريس بعد الإعلان عن زيارة رئيس الحكومة الفرنسية جان كاستاكس، التي تمت برمجتها مبدئياً يومي 23 و24 مارس (آذار) الحالي. والترقب ليس بسبب البرودة التي تطبع العلاقات بين البلدين، إنما هو انعكاس لتسارع الأحداث في غرب البحر المتوسط، خصوصاً ما تعلق بالتزود بالغاز وملف الصحراء الغربية.
وسبق أن ألغيت هذه الزيارة في أبريل (نيسان) 2021، جراء سوء تفاهم بين البلدين. وبادر إلى ذلك الجانب الجزائري بعد اختزال الوفد الفرنسي الذي كان مقرراً أن يرافق كاستاكس، إذ اعتبرت الجزائر أن المسؤولين المرافقين "دون مستوى الحدث". فيما أرجع الطرف الفرنسي الإلغاء أو التأجيل إلى الظروف الصحية المرتبطة بجائحة كورونا.
وقالت الناطقة باسم الخارجية الفرنسية إن موقف بلادها من قضية الصحراء الغربية يتمثل في "إيجاد حل سياسي عادل، دائم ومقبول لدى الأطراف، وفقاً لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة"، مضيفة أنه من هذا المنظور، فإن مخطط الحكم الذاتي المغربي يشكل أساساً للنقاش الجاد وذا صدقية. وأكدت أن "فرنسا ملتزمة بإقامة علاقات جيدة بين شركائها الأوروبيين وجيرانها على الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط، وأنه من خلال الحوار يمكن التغلب على التحديات المشتركة".
جس نبض
في السياق ذاته، تعتقد المتخصصة في العلاقات الدولية شروق مستور أن الأخبار المتداولة عن زيارة رئيس الوزراء الفرنسي للجزائر "ليست مؤكدة، ولم يصدر من الطرف الجزائري أي إعلان عنها". وتقول إنه "يمكننا اعتبارها محاولة جس نبض من الطرف الفرنسي لمعرفة الرد الجزائري، لهذا سيكون التصريح الرسمي الجزائري هو الأساس الذي تبنى عليه أي تفسيرات"، مضيفة "بما أن العلاقات بين الجزائر وفرنسا كغيرها من التفاعلات الدولية مرهونة بشرط أساسي وهو الاحترام المتبادل في إطار علاقة متكافئة، وبعد التصريحات الفرنسية المستفزة في محطات عدة، فإن احترام الطرف الفرنسي دور الجزائر يعتبر أساس عودة العلاقات إلى مسارها".
وتتابع مستور أنه "في ظل حالة الاستقرار التي تشهدها العلاقات الثنائية بعد المكالمة الهاتفية التي بادر لها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مع نظيره الجزائري عبد المجيد تبون، بالإضافة إلى زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان-إيف لودريان، فإنه لا توجد مؤشرات تمنع هذه الزيارة التي تدخل في إطار النشاط الدبلوماسي العادي".
مصالح استراتيجية
من جانبه، يرجح أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، عثمان منادي، حصول الزيارة، "لأن الطرفين يريدان استئناف العلاقات، على الرغم من بطء الجانب الجزائري الذي يسعى لخدمة أهداف استراتيجية تتعلق بتوجيه رسالة إلى فرنسا محتواها عدم تكرار الأخطاء السابقة"، مشدداً على أن "ظروف البلدين تدفع نحو التهدئة وإعادة الدفء إلى العلاقات الدبلوماسية، إذ إن هناك مصالح استراتيجية للبلدين لا ينبغي أن تحطم بردة فعل غير مدروسة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف منادي أن "سمعة فرنسا تراجعت في محاور كثيرة وأحداث متتالية، من مالي إلى بريطانيا إلى روسيا إلى أستراليا إلى الولايات المتحدة الأميركية".
ويختتم كلامه بالقول إن "فرنسا لا تريد أن تخسر علاقاتها مع الجزائر، وهي تعلم أن الجزائر لا تريد أن تعاديها أيضاً".
الانتخابات الرئاسية الفرنسية
إلى ذلك، يعتبر المتخصص في القانون محمد خذير أن "العلاقات الجزائرية - الفرنسية لا يمكن وصفها بالجيدة، لكن يمكن اعتبارها عقلانية من دون حساسيات".
ويقول إنه "قبل الانتخابات الرئاسية الفرنسية، كان الجميع ينتظر أن يزور الرئيس ماكرون الجزائر، لكنه أرسل رئيس حكومته، وهو أمر عادي بالنسبة إلى العلاقات الجزائرية - الفرنسية"، لافتاً إلى "وجود ملفات وأمور عالقة بين البلدين سيتم التطرق إليها، لكن لا يمكن أن تمر الزيارة من دون الحديث عن الانتخابات الرئاسية الفرنسية ومجالات الدعم الجزائري للمرشحين، إذ يأخذ الموضوع مساحة واسعة خلال المباحثات، وهي من التقاليد بين الجانبين".
وأشار وزير خارجية فرنسا جان-إيف لودريان، خلال زيارته الجزائر في نهاية السنة الماضية، في إطار حل الأزمة التي تسببت بها تصريحات الرئيس ماكرون بين البلدين، إلى أن زيارته تهدف إلى تحقيق هدفين، هما إرساء علاقة ثقة بين بلدينا يطبعها احترام سيادة كل طرف، والنظر إلى المستقبل من أجل العمل على بعث شراكتنا الضرورية وتعميقها، مضيفاً أن الجزائر وفرنسا تجمعهما روابط عميقة تميزها كثافة العلاقات الإنسانية بين الجزائريين والفرنسيين. وأعرب عن أمله في العمل على رفع العوائق وحالات سوء الفهم التي قد تطرأ بين البلدين.