يبدو أنه بات من شبه المؤكد انعقاد الجلسة البرلمانية التي حددها رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي، لانتخاب رئيس جديد للجمهورية في 26 مارس (آذار) الحالي.
وتنعقد هذه الجلسة من دون شرط التوصل إلى تفاهم يؤدي إلى انتخاب رئيس الجمهورية، إذ باتت ضرورةً لدى الأطراف المنقسمة داخل المكونَين الكردي والشيعي، أي بين الحزبَين الكرديَين، "الديمقراطي" بقيادة مسعود بارزاني و"الاتحاد الوطني" بقيادة بافل طالباني، وبين "التيار الصدري" بقيادة مقتدى الصدر و"الإطار التنسيقي" الذي يضم قيادات الأحزاب الشيعية وجماعات الإسلام السياسي المقربة من إيران. مع تنويع من المكوّن السني الذي يضم الشخصيات التي رفضت الانضمام إلى "تحالف السيادة" الذي تشكل من الائتلاف بين جماعة "عزم" بقيادة خميس الخنجر وجماعة "تقدم" بقيادة الحلبوسي.
إن انقسام القوى السياسية العراقية الفائزة في الانتخابات البرلمانية التي جرت في 10 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، وعدم توصلها إلى تفاهمات داخلية بينها، وتحديداً داخل المكون الكردي حول رئاسة الجمهورية، وضمن المكون الشيعي حول طبيعة الحكومة الجديدة والشخصية التي ستتولى رئاسة الوزراء، يعني أن كل الجهود التي بُذلت في الأسابيع الأخيرة، بخاصة بعد قرار المحكمة الاتحادية بإعادة فتح باب الترشح لرئاسة الجمهورية، قد اصطدمت بجدار المواقف المتصلبة لكل طرف وتمسكه بالشروط التي وضعها على طاولة المفاوضات.
الجلسة المقررة في 26 مارس الحالي، وبحسب التقديرات وما يتسرب من داخل أروقة القوى السياسية والكتل البرلمانية، لن تكون مخصصة لخوض معركة حاسمة على رئاسة الجمهورية، على الرغم من وجود نحو 40 مرشحاً لهذا المنصب، أبرزهم، محل الاختلاف، الرئيس الحالي برهم صالح المدعوم من الاتحاد الوطني، طالباني وقوى الإطار التنسيقي (تحالف الثبات الوطني) من جهة، وريبر أحمد بارزاني، وزير داخلية إقليم كردستان ممثِلاً الحزب الديمقراطي ومدعوماً من التحالف الثلاثي، "إنقاذ وطن"، الذي يضم أيضاً التيار الصدري وتحالف السيادة من جهة أخرى، وبينهما المرشح المستقل عبداللطيف رشيد، الآتي من المكتب السياسي لحزب الاتحاد الوطني.
التوافق الضمني بين جميع القوى على عدم مقاطعة الجلسة البرلمانية، يجعل المهمة غير المعلَنة والأساسية للمشاركة في هذه الجلسة، محاولة كل من الطرفين، التحالف الثلاثي "إنقاذ وطن" والإطار التنسيقي واتحاد "الثبات الوطني"، استعراض قدراته على حشد الأصوات وتوسيع قاعدته البرلمانية من خلال استقطاب أكبر عدد من النواب إلى رؤيته ومشروعه ومواقفه.
فمن جهة، تحاول قوى "الإطار التنسيقي" إيصال رسالة واضحة للأطراف في المعسكر المقابل، مفادها بأنها لا تريد، بما تمتلك من حجم أصوات وعدد نواب يصل إلى حدود 133 مقعداً، السعي إلى تعطيل عمل البرلمان وجلسات انتخاب رئيس الجمهورية من خلال امتلاكها للثلث المعطل، بل تسعى من خلال هذه المشاركة إلى تكريس مفهوم دور "الثلث الضامن" لتوزان العملية السياسية سواء داخل المكون الشيعي في ما يتعلق بالسلطة التنفيذية ورئاسة الحكومة، أو على المستوى الوطني الأوسع في العلاقة بين المكونات العراقية المتنوعة، ومنع تهميش أي طرف لحساب هيمنة طرف آخر داخل هذه المكونات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل، فإن قوى التحالف الثلاثي "إنقاذ وطن"، وتحديداً الجانب الشيعي ممثَلاً بالصدر والجانب الكردي ممثلاً بالديمقراطي، يراهنان على إحداث خرق في جدار الثلث، المعطل الضامن، الذي يمتلكه تحالف الإطار التنسيقي "الثبات الوطني"، من خلال العمل على استقطاب الأصوات المتفرقة والموزّعة بين المقاعد الممثلة لـ"حراك تشرين" والمستقلين، بهدف رفع حاصل الأصوات التي يمتلكها من 175 صوتاً إلى 220 صوتاً، التي تسمح له بتمرير انتخاب رئيس الجمهورية الذي بدوره يفتح الطريق أمام اختيار وتكليف شخصية سيقدمها التيار الصدري من دون التفاهم مع الإطار التنسيقي لتشكيل الحكومة الجديدة.
الحقيقة التي تشكلها النوايا الأولية للقوى العراقية بمشاركتها في الجلسة البرلمانية، هي أن النصاب الدستوري المطلوب لها سيكون متوفراً، كون أن التحالف الثلاثي سيدفع لإقناع المترددين بالمشاركة، إضافة إلى أن كتلاً أخرى غير منضوية في أي من المعسكرين، كـ"حركة الجيل الجديد" الكردية بقيادة ساشوار عبدالواحد أعلنت مشاركتها في الجلسة ترشيحاً (تقدم مرشح منها لمصب رئيس الجمهورية) وانتخاباً. في حين أن الدافع الذي يحرك قوى الإطار، هو عدم تثبيت تهمة التعطيل عليها. وفي حين يراهن التحالف الثلاثي على إحداث مفاجأة تسقط بيد الإطار، فالأخير يراهن على عدم قدرة الخصم على تحقيق ثلثَي الأصوات، بالتالي فإنه لن يكون قادراً على تمرير الجلسة الثانية بالأغلبية المطلقة كون المحكمة الاتحادية اشترطت نصاب الثلثين في جلسة الانتخاب.
معركة تثبيت المواقع التي تخوضها القوى السياسية والكتل النيابية الممثلة لها، بخاصة كتلة الديمقراطي الكردستاني، لتغيير المعادلة الكردية في الحكومة الاتحادية وموقع رئاسة الجمهورية لصالحها، والكتلة الصدرية التي تسعى لتكريس معادلة جديدة داخل المكون الشيعي يكرسها الفاعل الوحيد والأول في تحديد طبيعة الحكومة الجديدة من توافقية إلى أغلبية "وطنية"، هذه المعركة لن تكون سهلة أو سلسة، فانشغال الديمقراطي بالصراع مع الاتحاد الوطني على تقاسم النفوذ داخل إقليم كردستان العراق والمناصب الاتحادية، قد يخرجه من دوره كـ"بيضة قبان" المعادلة في الأشهر الأخيرة، الأمر الذي دفع الصدر إلى البحث عن "بيضة قبان" جديدة من داخل المكون الشيعي، فبدأ بمغازلة نواب كتلة "تشرين" "امتداد" في محاولة لرفع عدد كتلته البالغة 73 مقعداً، إلى عدد يفوق كتلة "الإطار التنسيقي"، الذي يؤكد امتلاكه 83 مقعداً من المكوّن الشيعي، بالتالي تسمح له برفع ورقة الكتلة الأكبر بوجه الإطار بما يضمن له التفرد بتسمية رئيس الحكومة المقبل.
التغريدة الأخيرة التي أطلقها زعيم "التيار الصدري" وغازل فيها كتلة "امتداد التشرينية"، وما أعلنه المتحدث باسم الكتلة عن نية الائتلاف مع "التيار الصدري" و"التحالف الثلاثي"، وانتخاب مرشحه لرئاسة الجمهورية، كلها تطورات جاءت ملتبسة بالمغريات التي قدمها الصدر لقوى الكتلة "التشرينية" ومنحهم مناصب وزارية وإدارية، ما يجعلهم أمام تحدي الانسياق في التحاصص مع قوى السلطة، التي شكل رفضها العامل الأساس في وصولهم إلى البرلمان على أساس ما يمثلونه من قوى تغيير ورفض للمحاصصة والتقاسم والفساد المالي والسياسي. فهل يستطيع الصدر توسيع كتلته على حساب كتلة الإطار، وهل يستسلم ممثلو قوى تشرين أمام مغريات السلطة؟ بانتظار موعد السادس والعشرين من مارس وما ستفرزه الجلسة البرلمانية من وقائع وحقائق.