الواقع أم الدراما؟ ربما ستكون إجابة هذا السؤال رهن الأيام المقبلة، بخاصة مع حلول شهر رمضان بسباقه الدرامي المعتاد، في حين تتصاعد تداعيات وأحداث الحرب بين روسيا وأوكرانيا. وفي ظل هذا الصراع بين دراما الواقع وسخونتها ودمويتها، وبين دراما رمضان والفن والنجوم، إلى أيهما سينحاز المشاهد؟ وأيهما الذي سينتصر في رمضان، ويحظى بمتابعة أكبر من الجمهور؟
متنفس الدراما
الفنانة يسرا قالت لـ"اندبندنت عربية" إن "الواقع دائماً ما يشهد أحداثاً قاسية وقوية في كثير من الأحيان، وكلنا نتلهف لمعرفة الأخبار السياسية، ما دامت مرتبطة بأرواح وحياة آخرين، والحرب الأوكرانية تجري متابعتها من جانب الجميع منذ نشوبها، لكن الفن له وضع مختلف، فالمشاهد ربما تعود أن يتابع الأخبار السياسية والأحداث الساخنة ويتأثر بها عاطفياً، لكن في رمضان، هناك طقوس كثيرة يحرص عليها المشاهد العربي، ولا تعارض بين أن يتابع الحرب وتداعياتها، وأن يتابع الفن وما يقدمه، وربما يجد في الدراما متنفساً من مرارة الواقع. لذلك فلا منافسة بين الحرب ودراما رمضان".
أما الناقد طارق الشناوي فيقول، "لا شك أن الصراع بين الحرب الأوكرانية والدراما الرمضانية ربما يكون الأكثر سخونة منذ سنوات، حيث لم تحدث حرب بهذه القوة بالتزامن مع موسم فني مثل الموسم الرمضاني، وربما حدثت أحداث سياسية مهمة في أوقات حرجة، لكنها ليست بمثل قوة الحرب الأوكرانية، ولأن الصراع بين دراما الواقع ودراما الشاشة قوي، فسينتصر المشاهد للصراع الأكثر سخونة".
وأوضح الشناوي أنه "إذا جري خلال الحرب حدث جاذب جداً غير مسألة تبادل إطلاق النار وما إلى ذلك، مثل اغتيال الرئيس الروسي بوتين، على سبيل المثال، أو اغتيال رئيس أوكرانيا، أو قرار بوتين الانسحاب من أوكرانيا، أو حدوث شيء ليس في الحسبان قد يقلب الموازين، وقتها ستنقلب الأمور ويجد المشاهد نفسه أسيراً للأحداث الواقعية الساخنة، وربما تستطيع الدراما أن تكون جاذبة بشكل كبير حسب موضوعاتها وسخونة أحداثها فيقع المشاهد في غرام متابعتها فقط على حساب الواقع وما يحدث فيه، لهذا فإن الدراما الأكثر تأثيراً وإثارة وتشويقاً هي التي ستنتصر، سواء في الحرب أو على الشاشة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف الشناوي، "بالتأكيد ستتأثر الدراما التلفزيونية ومستوى المتابعة بما يحدث في الحرب الأوكرانية، وليس صحيحاً أن المشاهد العربي لن يكون مهتماً بالقدر الكافي ما دامت الحرب خارج نطاق الوطن العربي، لسبب بسيط هو أن الحرب وويلاتها أثرت في كل بيت مصري وعربي، فقد عبثت بسعر الجنيه المصري أمام الدولار، وألهبت الأسعار في مصر وكل العالم، وليس هذا فحسب، بل تصاعد سعر الياميش بسبب تبعات الحرب، لذلك فالمشاهد من الآن متأثر بما يحدث، ولا يعلم ما الذي سيجري في القريب من مفاجآت قد تكون مؤثرة سلباً عليه وعلى حياته".
وتابع، "بوجه عام، أنا متفائل بالدراما الرمضانية هذا العام، حيث تشهد عودة عدد من المخرجين المهمين، مثل كاملة أبو ذكري في مسلسل "بطلوع الروح"، والمخرج محمد ياسين في "المشوار"، وهناك نجوم كثر مهمون ومؤثرون سيعودون بشكل ملفت وقوي من خلال موضوعات مميزة، فالموسم مبشر جداً، والحرب الأوكرانية أيضاً شديدة التأثير، لكننا تعودنا على وجود أحداث مهمة على المستوى العربي والمصري ونتابعها كما نتابع حياتنا، وكما قلت، فإن الحرب الأوكرانية أدت لتخريب اقتصادي كبير، وتداعياتها السريعة مخيفة للناس، وربما جعل هذا الخوف الناس أكثر إقبالاً على الفن والدراما كنوع من الهروب من قسوة الواقع، وإحداث التوازن النفسي".
وقال السيناريست ياسر عبد المجيد، مؤلف مسلسل "سوتس"، "طوال الوقت هناك صراع محموم بين الواقع والشاشة سواء التلفزيونية أو السينمائية، وربما كان هذا الصراع محفزاً للمتابعة بشكل أكبر، فتداعيات الحرب الأوكرانية يراها الناس في كل العالم، وكل ما نأمله ألا تكون أكثر دموية حتى لا يتم تعكير المزاج العام أكثر مما هو عليه، ولعل الصورة تتضح في الأيام المقبلة، وتهدأ الأمور قبل رمضان، لكن بوجه عام فإن المشاهد لن يستغنى عن شاشات التلفزيون لمتابعة الدراما في رمضان، حتى لو استحوذت المتابعة السياسية للحرب على قدر كبير من اهتمامه بحكم الأحداث وتصاعدها".
الدراما تنتصر
وأكد الناقد جمال عبد القادر أن الموسم الرمضاني هذا العام "سيكون أكثر زخماً من المواسم الماضية، ولن تؤثر الحرب على حجم المشاهدة، بل بالعكس سيهرب المواطن من همومه اليومية وارتفاع الأسعار وأخبار القتلى والجرحى إلى منطقة رحبة وسعيدة، تتمثل في الغوص في مشكلات الآخرين الخيالية المتمثلة في الدراما، مثلما يهرب البعض إلى الواقع الافتراضي من قسوة الحياة".
ورأى عبد القادر أن "الدراما الرمضانية جاءت في وقتها، إذ يشعر الناس باهتزاز نفسي وقلق كبير في ظل الأزمة الأوكرانية، وأيضاً بسبب ارتفاع الأسعار ووجود منطقة مجهولة لا يعرف أحد متى سنصل إليها على كل الأصعدة والمستويات الاقتصادية والسياسية". وأوضح أن الموسم الدرامي "مشجع جداً، ويشارك فيه نجوم محبوبون، وما دام الفن منطقة سعيدة، فهذه سر قوته الحقيقية".
وتابع عبد القادر، "من منا لا يريد متابعة يسرا في "أحلام سعيدة"، وكريم عبد العزيز وأحمد السقا في "الاختيار"، والجزء السادس من "الكبير" لأحمد مكي، ومشاهدة نيللي كريم في "فاتن أمل حربي"، فكل النجوم متواجدون هذا العام، ويكفي أننا سنشاهد رائعة أسامة أنور عكاشة "راجعين يا هوى" بعد رحيله بسنوات، ويلعب البطولة خالد النبوي، كما يطل أمير كرارة بمسلسل "العائدون"، لهذا فالمائدة الرمضانية غنية، وحتماً ستنتصر على الحرب الأوكرانية في حصد المتابعة، لأن المواطن تعود على الأحداث والمفاجآت، وأصبح مرناً لتقبل كثير من الأمور السلبية، ومواصلة حياته بشكل طبيعي، والفن يساعد نفسياً على تجاوز كثير من قسوة الواقع، ونتعشم أن تكون الدراما قوية على الشاشات لتهزم باستحقاق دراما الواقع والحرب المريرة. لكن لو كانت الدراما تافهة ولا تستحق المتابعة، فستكون هناك صدمة قوية لدى المشاهد، لأنه لم يجد ما يجعله يتلهى عن مرارة الواقع والحرب المستمرة التي لا يعرف مداها".