مع حلول شهر رمضان المبارك تطغى لعبة المحيبس (الخاتم) على ليالي هذا الشهر التي يتزامن وجودها مع إطلالة هلاله، وتأخذ اللعبة الأكثر شهرة في العراق حيزاً كبيراً في رمضان، وتلعب بشكل مفرد وجماعي، ويحصل الفائزون على جوائز وتبرز في اللعبة أسماء وفرق لامعة.
سبب التسمية
سميت هذه اللعبة بهذا الاسم نسبة إلى المحبس (الخاتم) الذي هو أداة اللعبة وأصل تسميتها، واسم (المحيبس) هو تصغير لكلمة المحبس، وينقسم الأشخاص المشاركون في اللعبة إلى مجموعتين في حال كانت بشكل فردي أو مجاميع، وتلعب الفرق على شكل دوري ومجموعتين، ويقوم قائد الفريق الأول بضم المحبس (الخاتم) بيد أحد أعضاء فريقه (الذي يتكون من عدد مفتوح أو محدد من الأشخاص) من دون أن يراه أحد، بينما يقوم قائد الفريق الثاني بالبحث عنه بالتشاور مع أعضائه، وفي حال حصوله على المحبس تتحول اللعبة إلى فريقه (الثاني) وفي حال فشله تسجل نقطة للفريق الأول.
وتختلف الأهداف المتوخاة من ممارسة هذه اللعبة التي تعود لإحياء الأجواء الشعبية من خلال التجمعات الاجتماعية، ولا تخلو من كسب المهارة والفراسة والشهرة من خلال الممارسة والتكرار في اللعب الذي يتلخص في عملية إخفاء المحبس والبحث عنه والعثور عليه، وتتعدد الأماكن التي يتم اللعب فيها ومنها المقاهي والبيوت وصالات الأندية وغيرها.
لعبة تراثية تنشط في رمضان
وقال الباحث في التراث العراقي عبدالكريم سلمان اللامي، إن "لعبة المحيبس من الألعاب التراثية في العراق، وتنشط عملية ممارستها خلال شهر رمضان المبارك، ويحرص كثيرون على ممارستها لأهداف عدة، منها التسلية والمنافسة والتعرف على أشخاص آخرين يمثلون مناطق أخرى، وهي تعتمد على التوقع الصحيح والحدس وتشخيص مكان المحبس من خلال قراءة وجه الشخص الذي يكون بيده، فهناك أشخاص يستطيعون تشخيص حامل المحبس من بين العشرات، لكنهم لا يستعجلون انتزاعه من يده من أجل زيادة الترقب والمتعة بين المشاركين في اللعبة أو الجمهور الذي يحضرها أو من خلال متابعتها من قبل شاشات التلفزيون".
وأضاف، "لعبة المحيبس حالها حال الألعاب الأخرى، لا تخلو من الغش والاحتيال، لكن يتم هذا الاحتيال في بعض الأحيان من أجل إدخال المتعة في نفوس الحاضرين، وفي أحيان أخرى بهدف تحقيق الفوز بطريقة غير شرعية، إذ تتم عملية الغش من خلال وضع اثنين من المحابس لدى لاعبي الفريق، وعندما يقوم لاعب الفريق المنافس بتشخيص مكان المحبس يقوم اللاعب الذي بيده المحبس برميه في الأرض بحركة سريعة، في حين يسرع زميله الذي في يده محبس مشابه إلى القول (بات)، وإذا تم كشف هذا الاحتيال في المباريات الرسمية التنافسية تحصل مشكلات كثيرة قد تؤدي إلى إنهاء المباراة واعتبار الفريق الذي قام بعملية الغش خاسراً أو طرده من البطولة، ولكن إذا كانت المباراة ترفيهية يتم تلافي الأمر بسهولة".
وتابع الباحث في التراث العراقي أن "لعبة المحيبس تعرضت خلال شهر رمضان من العامين الماضيين إلى نوع من الخمول بسبب جائحة كورونا، وأدت تعليمات الجهات المختصة بعدم السماح بالتجمعات مما جعل هذه اللعبة تتوقف، لكن هذا العام يتوقع أن تعود لسابق عهدها من خلال تشكيل فرق خاصة لغرض التباري في ما بينها داخل المنطقة الواحدة أو بين مناطق مختلفة، لأن هذه اللعبة تزيد تماسك المجتمع وتعزز علاقاته".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولفت إلى أن "التقنيات الحديثة لم تؤثر في وهج لعبة المحيبس، بل استثمر بعضهم هذه التقنيات لغرض الترويج لها وزيادة المشاركين فيها، لأن اللعبة تشهد إثارة كبيرة بين اللاعبين وبين الفرق المتنافسة، وهذه الإثارة جعلت الأجيال الجديدة تشارك فيها أو تقوم بمتابعة مبارياتها".
وواصل اللامي أن "هذه اللعبة شهدت قبل عام 2003 تنظيم بطولة خاصة بها من قبل جهات متنفذة في النظام العراقي السابق، وتم تسليط الضوء عليها من قبل وسائل الاعلام العراقية آنذاك، وباتت شهرة جاسم الأسود، الذي يعد اللاعب الأبرز في هذه اللعبة في الداخل العراقي تضاهي شهرة نجوم لعبة كرة القدم والغناء والتمثيل، وخلال السنوات الأخيرة برز لاعبون جدد، لكنهم لم يتمكنوا من مزاحمة جاسم الأسود الذي بقي النجم الأول في لعبة المحيبس في العراق بسبب فراسته الكبيرة في تشخيص مكان المحبس".
طقس لا يتجزأ من طقوس رمضان
بدوره، وصف أحمد مكي، وهو أحد رواد لعبة المحيبس، اللعبة بأنها متنفس للشباب العراقي في أيام رمضان، مشيراً إلى أنها طقس لا يتجزأ من طقوسه، وأكد أن اللعبة تأثرت خلال السنتين الماضيتين بسبب كورونا، إلا أنها مع انحسار الوباء يتوقع أن تعود إلى سابق عهدها، ولفت مكي إلى أن "اللعبة تشكل جزءاً رئيساً من التراث العراقي خلال أيام رمضان، إضافة إلى التجمعات التي تخلقها اللعبة وتعطي حافزاً كبيراً لتمثيل مناطق بغداد أو محافظات العراق". وقال إن "الفرق الفائزة تحصل على بعض الهدايا الرمزية كمجموعة من الحلويات الشهيرة تصاحبها الأغاني التراثية والموسيقى الشعبية كنوع من الفرح والتحفيز".