أعلن حزب "العمال الكردستاني" المعارض لأنقرة أن الأخيرة تستعد بالتعاون مع الحزب "الديمقراطي الكردستاني" بزعامة مسعود بارزاني لشن عملية عسكرية موسعة ضد معاقله داخل الأراضي العراقية من جهة إقليم كردستان، فيما اعتبر مستشار في "الديمقراطي" بأن تلك المزاعم مؤشر على فشل سياسات حزب "العمال" على الساحة التركية واتخاذه من المناطق الكردية العراقية "منطلقاً لشن هجمات على الدولة التركية".
ويتخذ مسلحو حزب "العمال" المعروف اختصاراً بـ"البككة" من سلسلة جبال قنديل الفاصلة للحدود التركية العراقية والممتدة إلى الحدود مع إيران، معاقل لهم منذ انطلاق نشاطهم المسلح عام 1984 في مسعى للاستقلال عن تركيا، وتشكيل ما يُعرف بـ"كردستان الكبرى" عبر توحيد الشعوب الكردية المنقسمة بين العراق وإيران وتركيا وسوريا.
وتدهورت العلاقات بين حزبي بارزاني و"العمال" أعقاب عملية عسكرية موسعة غير مسبوقة شنها الجيش التركي في أبريل (نيسان) عام 2018 تمكن خلالها من التوغل مسافة 30 كيلومتراً في عمق مناطق إقليم كردستان، وأنشأ في ما بعد العشرات من القواعد والثكنات العسكرية، ومنذ ذاك الحين يشن هجمات وغارات جوية شبه يومية تستهدف معاقل "العمال" داخل المناطق الكردية في العراق.
"مخطط جديد"
وحذر حزب "العمال الكردستاني" مساء السبت، في بيان من "مخطط لاحتلال جديد ستقوم به الدولة التركية لمناطق جنوب كردستان (إقليم كردستان العراق) بالمشاركة مع الحزب الديمقراطي الكردستاني لمحاربة مقاتلي الكريلا (مسلحي حزب العمال)"، مبيناً أن "الخطة تتضمن قيام الديمقراطي بأعمال استفزازية ونشر ادعاءات ومعلومات مظللة ضد مقاتلينا من شأنها أن تمنحه مسوغاً شرعياً للانضمام إلى الحملة التركية".
وأضاف البيان "في حال عدم نجاح المرحلة الأولى من الخطة سيلجأون إلى الخيار الثاني، وهو شن البيشمركة (مقاتلو الحزب الديمقراطي) حملات عسكرية ضد الكريلا، حيث يعمل هذا الحزب من الآن لإنشاء قاعدة إعلامية لإعطاء الشرعية للحملة، ويبدو أنه أرسل أخيراً قوات خاصة معززة بأسلحة ثقيلة إلى مواقع توجد فيها قوات الكريلا منذ 20 عاماً، وهذه خطوة خطيرة تصب في خدمة الدولة التركية فقط، وستلحق أضراراً بالمكتسبات الوطنية جنوب كردستان".
وكان وزير الدفاع التركي خلوسي أكار أعلن، على هامش "مؤتمر ميونيخ للأمن" الذي عقد في ألمانيا في 20 من فبراير (شباط) الماضي، أنه بحث مع "مسؤولين في الحكومة العراقية وإقليم الشمال (كردستان العراق)، سبل مكافحة التنظيمات الإرهابية، وكان ثمة توافق بشأن ضرورة تطهير المنطقة من العناصر الإرهابية بأسرع وقت"، وقال "أكدت للجانب العراقي أن تركيا تكافح الإرهاب منذ 40 عاماً، ويتعين التخلص من آفة الإرهاب بأسرع وقت، وأنها ستواصل استهداف المتطرفين أينما كانوا".
وترتبط أربيل مع أنقرة التي تنظر لها كمعبر وحيد إلى العالم الخارجي، بمصالح اقتصادية متبادلة في مقدمها صادرات النفط الكردية التي تزيد على 450 ألف برميل يومياً عبر خط أنبوب يربط آبار إقليم كردستان بمرفأ جيهان التركي في ظل مساع جديدة يبذلها الطرفان على صعيد تصدير الغاز أيضاً، فضلاً عن أن معظم العمليات التجارية بين تركيا والعراق تتم عبر الإقليم من خلال المعابر الحدودية وأبرزها معبر إبراهيم الخليل، حيث لا تقل قيمة الاستثمارات التركية في الإقليم وحده عن 12 مليار دولار سنوياً.
"شعارات ومزايدات"
وفي رد على الادعاءات قال المستشار الإعلامي لرئيس "الحزب الديمقراطي" كفاح محمود، إن "هذه واحدة من هرطقات جماعة قنديل (البككة) التي تُعبر عن فشل مشروعها وهزيمتها أمام جمهورها في تركيا، الذي أوهمته بشعارات ومزايدات لا وجود لها على أرض الواقع في تركيا، حيث تركته يواجه مصيره هاربة إلى ساحة ليست ساحتها متسترة بمجموعة شعارات متآكلة"، وأوضح "هذه المجموعة تسببت في مقتل المئات من مواطني الإقليم وتهجير عشرات الآلاف من سكان أكثر من 500 قرية إلى الشمال من محافظتي أربيل ودهوك المحاذية للحدود التركية، ناهيك عن احتلالها لمدينة شنكال ومنع أكثر من ربع مليون نازح من العودة إلى بيوتهم وقراهم في القضاء".
ويؤكد محمود، أن حكومة الإقليم "سبق وأن دعت طرفي النزاع، تركيا والعمال، إلى ترك أراضي الإقليم، وعدم تصدير صراعاتهم وأزماتهم خارج بلادهم وعلى حساب مواطنينا، وهي تنسق مع الحكومة الاتحادية بهذا الخصوص"، منوهاً إلى "عدم وجود أي تواصل أو تنسيق مع أي جهة أخرى حول موضوع التواجد غير الشرعي لجماعة قنديل وشنكال (سنجار)".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وخلق مسلحو "العمال" حضوراً لهم في قضاء سنجار غرب محافظة نينوى، عندما وفروا ممرات آمنة للأيزيديين النازحين على وقع انسحاب قوات بيشمركة إقليم كردستان أمام اجتياح تنظيم "داعش" لمناطقهم عام 2014، الذي خطف وقتل أكثر من ستة آلاف شخص، بينهم أطفال ونساء.
الرئيس المشارك لحزب "العمال" جميل بايك قال، في بيان بمناسبة أعياد نوروز الأسبوع الماضي، إن "على الشعب الكردي أن يقف ضد الظلم الذي يمارسه الاحتلال التركي، وإلا فإنه أمام خطر محدق"، مشدداً على أن حزب العمال "له إسهام في تأسيس كيان إقليم كردستان، وهو جزء من حماة هذا الكيان".
محاصرة الكردستاني
ونقل موقع "مؤسسة دراو الإعلامية" الكردية، التي تلقت أخيراً دعماً مالياً من "الصندوق الوطني الأميركي للديمقراطية" عن مسؤول رفيع في "حزب العمال" لم تذكر اسمه قوله، إن "رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني اتفق مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في اجتماعهما الأخير في (أنطاليا) على شن عملية عسكرية ضد مقاتلي الحزب"، وأضاف "حسب المعلومات اتفق الجانبان على شن العملية العسكرية في مطلع شهر أبريل المقبل، وتقضي الخطة بمحاصرة مقاتلينا من قبل القوات التركية من جهة الشمال، على أن يشن مقاتلو الحزب الديمقراطي هجوماً من جهة جبل كارة، وبالفعل فإن الأخير أرسل قواته إلى المنطقة".
ووفقاً للمسؤول فإن "أنقرة ستقوم بخلق ذريعة للتدخل وإرغام الحزب الديمقراطي على المشاركة في عملية عسكرية ضدنا، وهي تحاول إشراك حزب الاتحاد الوطني (حزب الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني) في العملية، الذي أكد رفضه من خلال لقاء عقد أخيراً بين وفد رفيع من الحزب مع رئيس جهاز الاستخبارات التركي هاكان فيدان في تركيا"، مشيراً إلى أن "الهدف من العملية هو فرض تركيا سيطرتها على قضاء سنجار والمناطق الاستراتيجية في سهل نينوى وتعزيز نفوذها وهيمنتها على إقليم كردستان والعراق، وكذلك دعم المكون التركماني في هذه المناطق وفي محافظة كركوك".
قوات من كرد سوريا
مسؤول إعلام تنظيمات حزب "الاتحاد الوطني" في محافظة نينوى غياث سورجي من جهته اتهم حزب بارزاني "بتشكيل قوتين عسكريتين جل عناصرهما من كرد سوريا الموجودين كلاجئين في مخيمات الإقليم، إحداها تدعى قوات روج، ويدفع الحزب لأفرادها رواتب تفوق نظيرة قوات البيشمركة في حكومة الإقليم وملحقة بقوات الزيرفاني (قوات خاصة) التابعة لوزارة داخلية الإقليم، وشيدت لها متاريس في مواجهة حزب العمال في حدود محافظة دهوك، من أجل استخدامها ضد شعبنا غرب كردستان (أكراد سوريا) ويتم استغلال أصواتهم في الاستحقاقات الانتخابية، في خرق صريح للدستور العراقي".
وقال سورجي لوسائل إعلام تابعة لحزبه قوله إن "الديمقراطي شكل أيضاً لواءين أو ثلاثة باسم قوات الجزيرة، وجل عناصرها من قوميتي العرب والتركمان، هذه القوات لم تعد معضلة في غرب كردستان فقط، بل تشكل عاراً على الإقليم، لأن أحد القادة العسكريين في ليبيا كان قد كشف عن اعتقال مسلحين كانوا أرسلوا من تركيا، وتبين لاحقاً أنهم من قوات روج".
وتشكلت قوات "روج" في فبراير عام 2012 بدعم من حزب بارزاني بهدف "العودة إلى مناطقهم والمشاركة في الثورة ضد النظام السوري"، وانضم لها العسكريون من الأكراد السوريين المنشقين ونشطاء سياسيين معارضين للنظام السوري، فضلاً عن الهاربين من المناطق التي كان قد احتلها تنظيم "داعش"، لكن مسؤولين في وزارة البيشمركة ضمن حكومة أربيل سبق وأن نفوا أن تكون هذه القوات خاضعة للوزارة.
في المقابل وصف مستشار رئيس "الديمقراطي" كفاح محمود هذه الاتهامات بــ"المفبركات" وقال "هذه الادعاءات لا تقع ضمن التصريحات الرسمية، وهي مجرد بالونات كاذبة لا أساس لها من الصحة، ولا تؤخذ على محمل الجد والمسؤولية، وتصب بالتالي في مستنقع إثارة الفرقة والفتنة".
قتل وتهجير
ويطالب مسؤولون ومواطنون في المناطق الكردية العراقية التي تتعرض لعمليات عسكرية وهجمات جوية تركية، أطراف الصراع لنقل معركتهم إلى داخل الأراضي التركية، حيث تشير بيانات صادرة عن مسؤولين في محافظة دهوك إلى تهجير أكثر من 275 قرية في إقليم كردستان، بسبب القتال المستمر الذي ألحق أضراراً بالغة بالسكان تقدر بملايين الدولارت، فيما قتل في السنوات الأخيرة ما لا يقل عن 34 مدنياً جراء الغارات الجوية، وأصبح المئات من الشباب عاطلين من العمل نتيجة حرمانهم من العودة إلى قراهم ومزارعهم.
وكانت لجنة من البرلمان العراقي زارت قبل أشهر ناحية "كاني ماسي" التابعة لدهوك والمحاذية للحدود مع تركيا، لتقييم الأضرار التي لحقت بالسكان بسبب القصف التركي وتعويض المتضررين، دون نتائج تذكر.
ذريعة وحيدة
منسق التوصيات الدولية في حكومة الإقليم ديندار زيباري كان قد أعلن في يناير (كانون الثاني) الماضي أن "المناطق الحدودية في الإقليم تعرضت لأكثر من 600 عملية قصف، بينهما 216 غارة جوية، وأكثر من 400 قصف مدفعي وثماني هجمات برية، نفذها الجيش التركي، وكذلك الجانب الإيراني"، وحمل مسؤولية وقف الهجمات "كلاً من الحكومة العراقية ومجلس الأمن"، وقال إن "البعثة الأممية إلى العراق لم تقم بواجباتها كما يجب، بكون هذا الملف مسؤولية دولية"، مشيراً إلى أن "وجود عناصر حزب العمال يعد الذريعة الوحيدة لشن هذه الهجمات، لذا عليهم مغادرة أراضي الإقليم ولا يجوز أن يوجدوا في هذه المناطق بأي شكل من الأشكال".
وتشير التقديرات إلى وجود ما يزيد على 25 قاعدة عسكرية تركية تضم مراكز تدريب في إقليم كردستان، بينما تقر أنقرة بوجود 11 قاعدة فقط، إضافة إلى تشييد قاعدة في منطقة بعشيقة بسهل نينوى أعقاب ظهور تنظيم "داعش" عام 2014.