كان اليوم الأول لمشاورات الرياض اليمنية التي دعا إليها مجلس التعاون الخليجي مكتظاً، حضره المئات من اليمنيين. بدأ اليوم تقليدياً بكلمات من مسؤولين رفيعين، على رأسهم الأمين العام لمجلس التعاون نايف الحجرف والأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي وممثل جامعة الدول العربية، إضافة إلى المبعوث الأممي إلى اليمن.
إلا أن ختامه كان صاخباً، يشبه جلسات مجلس النواب اليمني، إذ تضمنت الجلسة الختامية ما كان يفترض أن يكون استعراضاً لترتيبات المشاورات يشارك فيها كل المدعوين الذين ناهزوا الـ500، قدّم فيها كل فرد حصل على فرصة للحديث شعارات شعبوية تشبه تلك التي كان يشهدها البرلمان اليمني قبل توقف عمله منذ الاضطرابات التي تعيشها البلاد وعدم قرار السلطة منذ الثورة.
هذه الجلسة المزدحمة أدارها بهدوء عبد العزيز العويشق، الأمين العام المساعد للشؤون السياسية وشؤون المفاوضات في مجلس التعاون الخليجي، الرجل الثاني في الكيان الخليجي، الذي خص "اندبندنت عربية" بحديث في نهاية الجلسة الأخيرة فوق المنصة الخالية.
الحوثي لم يحضر ومنع يمنيين من الحضور
أول سؤال ووجه به المسؤولون في القمة هو الحوثي، الذي يُعدّ طرفاً أصيلاً في الصراع، ومعطلاً لفرص الحل الدبلوماسي بحسب اتهامات الشرعية، وكان غائباً عن المناسبة التي حرص اليمنيون على انتهاز فرصتها باستثنائه.
وقال العويشق حول رد الميليشيات على دعوة المجلس، "الحوثي لم يردّ على الدعوة، وموقفه سمعناه من الإعلام ولا ندري ما مدى دقته"، في إشارة إلى ما نشرته وكالة "رويترز" نقلاً عن مسؤولين حوثيين تحفّظهم على موقع المشاورات.
وأضاف المسؤول الخليجي "نعتقد أن من مصلحة الحوثيين كما هي مصلحة اليمن كله الحضور والمشاركة، وإبداء آرائهم وتحفظاتهم بكل حرية هنا كما فعل كثيرون في جلسة الترتيبات الأخيرة التي تضمنت نقاشاً مفتوحاً وانتقادات لجميع الأطراف، قوبلت بترحاب".
وأردف "إلا أن الموقف الحوثي لم يتوقف عند عدم الرد على المبادرة، بل بلغ أن منعوا أشخاصاً كثراً يسكنون في مناطق سيطرتهم من المشاركة، وأبلغنا عن 3 أشخاص اعتُقلوا في طريقهم إلى عدن للمغادرة إلى السعودية. على أضعف تقدير، عليهم أن يسمحوا لليمنيين بالمشاركة، إذا لم يريدوا أن يستغلوا الفرصة"، ولم يفصح عن هوية المعتقلين إلا أن مصادر يمنية قالت إن الحوثيين أوقفوا عبد الرحمن العوفي وحمود العودي وأنور شعب، وهم سياسيون يمنيون مخضرمون من منطقة إب الخاضعة لسيطرتهم يوم الاثنين الماضي.
المشاورات ليست لمناهضة الحوثي وستنجح من دونهم
المتابع للشأن اليمني، يعي بأن الانقسام لم يعُد كتلة ضد أخرى، شرعية ضد سلطة أمر واقع كما كان عليه الأمر قبل 8 أعوام، بل إن الجبهتين المنقسمتين تفكّكتا من الداخل وتسببتا في ظهور مكونات جديدة عقّدت الأزمة والصراع في اليمن، وهو ما يسعى هذا المؤتمر إلى معالجته أيضاً.
وعلّق العويشق على ما يمكن أن يتم إنجازه من دون الحوثي، قائلاً "وحدة الصف اليمني مهمة بحضور الحوثي أو غيابه، لو تحققت الوحدة بنسبة 80 في المئة أو 90 في المئة، ستكون خطوة مهمة، لأن المشكلة ليست طيفاً واحداً فحسب، فهناك أطياف أخرى مختلفة، لو نجحنا في تحقيق وحدة صف بين هذه الأطياف، فيمكن أن نُعِدّ هذا إنجازاً كبيراً للمشاورات".
في المقابل، تسبب غياب الحوثيين في تحويلهم من طرف يتشاور اليمنيون معه على الحل إلى طرف يتوافقون على سلبيته، وهو ما يمكن أن يسمح بتحويل المؤتمر إلى منصة لتوحيد الجبهة المناهضة للحوثية، إلا أن المسؤول الخليجي يرفض هذه الفكرة تماماً، "لا يمكن أن تكون هذه المشاورات مناسبة لتوحيد جبهة ما ضد طرف يمني، الهدف منها توحيد الصف اليمني كله"، مضيفاً "نعم، هناك متحدثون هاجموا الحوثي في فرص الحديث، كما تحدثوا عن بقية الأطراف اليمنية، وهذا حقهم، ولدى الحوثي نفس الحق في الحديث عن الأطراف الأخرى لو أراد الحضور"، مشدداً على دور المشاورات في الخروج بصيغة توافقية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وحول كيفية إنجاز ذلك، يقول "هذا سابق لأوانه، فنحن في اليوم الأول، لكن لو قرر اليمنيون مثلاً أن يشكّلوا لجنة حكماء، تسمو فوق الخلافات وتتجول في اليمن كله وتلتقي جميع اليمنيين وتقنعهم بالحل السياسي، ستكون فرصة شاملة غير موجهة ضد الحوثي أو غيره حتى لو لم يشارك".
عودة البرلمان ضرورة
ولفت الأمين العام المساعد إلى مشكلة جوهرية توسّع الفجوة بين السلطة في اليمن والمواطنين، وهي غياب البرلمان عن الانعقاد لظروف متعددة.
وقال "كثير من اليمنيين المشاركين هنا تحدثوا عن مجلس النواب ومجلس الشورى وضرورة انعقادهما وممارسة الأدوار الدستورية المناطة بهما، لذلك من الضروري أن نخرج من هذا المؤتمر بتوصيات تصعّب على البرلمانيين تعطيل انعقاده".
وحول مبررات البرلمانيين لعدم عقده، قال "يعتذر كثير من النواب بشتاتهم وانتشارهم في دول مختلفة، وهو ما يصعّب اجتماعهم فعلاً، لكن هذا له حل، كل المؤسسات في العالم فترة جائحة كورونا واصلت اجتماعاتها عن بعد ومنها البرلمانات، هناك خيارات كثيرة لحل هذه المشكلة، لكن يجب أن يشعر المواطن اليمني أن هناك مؤسسة تعبّر عن مصالحه وتراقب حقوقه، بخاصة أنه أكثر مؤسسة موجودة في اليمن تُمثّل فيها جميع الفئات والمناطق".
المكونات ستختار نخبتها في 6 مسارات
هناك أمر آخر يصعّب عمل المشاورات الحالية، وهو ضخامة عدد الحضور، إذ بالكاد اتسعت لهم قاعة المناسبات في مبنى أمانة مجلس التعاون الخليجي في الرياض.
وعلّق العويشق على فرصة عقد مشاورات عملية بهذا العدد، "10 أيام لا يمكنها حل قضايا اليمن كلها، لكنها قادرة على صياغة آلية يتم حل الخلافات البينية من خلالها، وإيقاف التراشق الإعلامي والاشتباكات البينية، وهذا مخرج إيجابي ومهم يمكن للقمة أن تحققه".
وأضاف "كل مكون سياسي سيحدد نخبة تمثّله، فالمكون الذي يملك 100 مشارك مثلاً سيختار 4، إضافة إلى المستقلين، وسنحصر العدد بحسب تمثيلهم ويتم توزيعهم على 6 مسارات يتشاورون فيها مع الجهات الحكومية وفق الاختصاص بشكل يومي إلى آخر أيام المباحثات".
وتمثل المسارات الـ6 محاور رئيسة، وهي: المحور السياسي الذي سيناقش فيه اليمنيون وزير الخارجية، والإعلامي الذي سيناقش فيه ممثلو الكتل وزير الإعلام، وكذلك بقية المحاور، الإغاثي والإنساني، الأمني ومكافحة الإرهاب، الاقتصادي والتنموي، والاجتماعي، في حين يكتفي مجلس التعاون بتوفير منصة ومساعدة لوجستية لتحقيق هذه الجلسات.
وتختتم المشاورات "اليمنية - اليمنية" أعمالها يوم الخميس في 7 أبريل (نيسان) المقبل.