على نغمات الأغاني وقرع الطبول، وسط شوارع غزة التي بدت صاخبة، يشعل الطفل خليل فتيل "الكوع" (نوع من الألعاب النارية) ويلقيه بعيداً، وبصوت عالٍ يعدّ برفقة أصدقائه، "واحد اثنان ثلاثة"، لينفجر محدثاً صوتاً مدوياً.
انفعال الأطفال وتعابير الفرح بأعلى الأصوات صورة من صور المرح التي تبدو مشهداً فوضوياً بامتياز. لكن هذا الصخب ينعكس إلى حزن شديد في منزل عمار، بعد أن فقد عينه اليمنى، وبترت أصابع ثلاثة في يده اليسرى، فضلاً عن إصابة زوجته وطفله بحروق في أنحاء الجسم، بعد إصابتهم بشظايا أثناء انفجار بمنزله الذي تصنع فيه الألعاب النارية.
مشهدا الصخب وتصنيع الألعاب النارية ممنوعان في قطاع غزة، حيث أعلنت السلطات المحلية أنها ستلاحق كل شخص يستخدم أو يصنع أو يتاجر في الألعاب والمفرقعات النارية.
الشرطة تلاحق الألعاب النارية
يقول الناطق باسم الشرطة الفلسطينية في غزة، أيمن البطنيجي، إن "المفرقعات محظورة في القطاع، لذلك تشن الأجهزة الحكومية المختصة جولات ميدانية للتفتيش على المحال التجارية والمصانع التي تعمل على تداول هذه المواد الخطيرة. ويضيف، "نعمل على محاسبة كل شخص يروج أو يشترك في ترويج الألعاب النارية، ونلاحق مصنعيها، وفي كل مناسبة نحذر المواطنين من استخدام هذه المواد المصنفة أنها خطيرة وممنوعة من التداول، لذلك فإن مَن يتم ضبطه تتخذ بحقه الإجراءات القانونية المشددة".
بحسب البطنيجي، فإن "الشرطة تنفذ هذا الإجراء تطبيقاً للقانون، وكذلك حرصاً على سلامة وأمن المواطنين، لأن الألعاب النارية تشكل خطراً على سلامة السكان، وهي مصدر ترويع وإزعاج". مشيراً إلى أن "أجهزة المباحث زادت من جهودها في ضبط مصادر إنتاج المواد الخطرة ومروجيها وتجارها".
هذا الإجراء لم يعجب كثير من المواطنين، الذين اعتبروه تضييقاً على حياتهم، بخاصة أن هذه الألعاب النارية تعد مصدر ترفيه، ليس أكثر من ذلك، وتخلق جواً من السعادة للأطفال. وبالعادة، تصل الألعاب والمفرقعات النارية إلى المواطنين من مصدرين، إما عن طريق التهريب عبر الحدود، أو أن تكون مواد يجري صناعتها محلياً، وبعد تجهيزها في بيوت المواطنين أو مصانع غير مرخصة، يجري ضخها في الأسواق. وبحسب المعلومات، فإن جميع الألعاب النارية باتت تصنع محلياً، خاصة بعد مراقبة الحدود بشكل دقيق، ومنع وزارة الاقتصاد استيرادها عبر المعابر التي تكون خاضعة لتفتيش مستمر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
صنع في غزة
وفقاً للمعلومات، يصنع في غزة نحو 180 ألف قطعة مفرقعات نارية شهرياً، وعادة ما تجري هذه العملية في سرية تامة، وتكون داخل بيوت المواطنين، إذ من غير الممكن تصنيعها في مصانع مكشوفة للعامة. يقول البطنيجي إنهم يلاحقون مصنعيها باستمرار، وخلال مارس (آذار) الحالي تمكنوا من ضبط نحو 20 ألف قطعة من الألعاب والمفرقعات النارية، وما يزيد عن 18 كيلوغراماً من مواد تستخدم في تصنيعها، وبعد عمليات وجولات التفتيش أحالت الشرطة ثلاثة تجار إلى النيابة العامة، التي بدورها تتخذ الإجراءات القانونية اللازمة حيالهم.
من جهته، يقول مدير هندسة المتفجرات في محافظة رفح، سليم ماضي، إن "الألعاب النارية تصنف ضمن المواد المشتعلة، ويحبك مصنعوها الفتيل المشتعل بشكل قوي، حتى تصدر عنها قوة في الانفجار، ما يشكل خطراً للمحيطين بها، وقد تودي بحياة الأطفال أثناء اللعب".
يبين ماضي أنه "خلال عمليات الضبط، لاحظوا أن تصنيع وتركيب الألعاب النارية يجري في مخزن أو غرفة في منزل، وهذه الأماكن مغلقة، وعادة ما تتواجد بين أحياء سكنية مكتظة"، مشيراً إلى أن "جميع هذه الأماكن كانت تفتقر إلى معايير السلامة المهنية، كونها مغلقة ولا نوافذ تهوية فيها، ولا معدات خاصة، ولا طفايات إلكترونية، فضلاً عن أن أغلب العاملين غير مدرب، لذلك تجري الأجهزة الأمنية والمباحث حملات تفتيشية، وتعمل على مصادرة هذه المواد الممنوعة وفق القانون".
جريمة وليست مخالفة
بحسب القانون الفلسطيني، فإن مجلس الوزراء اتخذ عام 2004 (قبل أحداث الانقسام) قراراً يقضي بمنع استيراد لعب المفرقعات النارية ومسدسات الهواء أو الإتجار بها. وأحال تنفيذ ذلك إلى وزارتي الداخلية والاقتصاد. يقول الباحث القانوني، أحمد المصري، إن النصوص القانونية تتعامل مع إشعال المفرقعات، ولو كان تعبيراً عن الفرح، بصفة الجريمة وليس المخالفة، إذ بحسب قانون العقوبات الفلسطينية فإن كل من أحدث صوتاً أو ضجيجاً في مكانٍ عام، يكون ارتكب جنحة يعاقب عليها بالحبس 3 أشهر، أو بالغرامة المالية.
المصري يضيف، "في النصوص المتعلقة بشكلٍ مباشر بقضية المفرقعات والألعاب النارية، فإن كل من وضع مادة مفرقعة في أي مكان، بوجه غير مشروع، يكون ارتكب جنحة يعاقب عليها بالحبس 14 عاماً". ويشير المصري إلى أنه على الرغم من هذا المنع، فإن هناك تبايناً في القانون الذي يعطي التجار حقاً مشروعاً في حرية النشاط الاقتصادي المكفولة دون أن يقيد ذلك بما يخص ألعاب الأطفال.