من أهم الأهداف التي حققتها الولايات المتحدة من حرب أوكرانيا هو إنهاء مشروع خط أنابيب الغاز بين روسيا وأوروبا "نورد ستريم 2"، الذي تم الاتفاق على إنشائه في عام 2015 خلال حكم المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل. وعارضت الولايات المتحدة آنذاك إنشاءه، إلا أن ميركل أصرت على أن المشروع مسألة تجارية بحتة وسيؤدي إلى خفض أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا. وفي ذلك الوقت، عارضت بولندا وأوكرانيا المشروع الذي اتفق عليه بعد عام واحد من ضم روسيا شبه جزيرة القرم من أوكرانيا في 2014.
وتعتبر أوكرانيا أكبر متضرر من المشروع، لأنه يحرمها من مليارات الدولارات التي تحصلها من روسيا كرسوم على مرور الغاز الطبيعي الروسي عبر أراضيها إلى أوروبا. على الرغم من أن الهدف من المشروع كان مضاعفة كميات الغاز المصدرة وليس كبديل لمسارات الغاز الروسي الأخرى.
والآن، بعدما أعلنت ألمانيا وقف المشروع، في إطار الموقف الغربي من الحرب الروسية في أوكرانيا، يقول محللون أميركيون، إن خط "نورد ستريم 2" انتهى و"دفن في مياه البحر"، بحسب تقرير مطول لشبكة "سي أن بي سي" الأميركية.
انتهى المشروع الذي تكلف 11 مليار دولار، إذ يمتد خط أنابيب الغاز بطول 1234 كيلومتراً تحت مياه بحر البلطيق. كان من المفترض أن تشغل المشروع شركة تابعة لعملاق الغاز الروسي "غازبروم"، هي شركة "نورد ستريم 2 أيه جي" المسجلة في سويسرا. وأسهمت في تكاليف المشروع شركات أوروبية للطاقة منها "يونيبر" الألمانية التي تورد الغاز الروسي و"وينترشال دي" التابعة لمجموعة الصماعات الكيماوية "باسف" و"إنجي" و"شل" و"أو أم في".
عقبات ومشاكل
واجه المشروع منذ البدء فيه عام 2018 وحتى إتمام إنشائه في سبتمبر (أيلول) 2021 مشاكل عدة وتأخيراً أكثر من مرة. وتوقف العمل فيه لفترات، غالباً بسبب الانتقادات بأنه يزيد اعتماد أوروبا على مصادر الطاقة من روسيا. وتحول المشروع التجاري في الأساس إلى مشكلة استراتيجية بين الولايات المتحدة وأوروبا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبعد إتمام إنشاء الخط، تعطل الحصول على التصاريح الألمانية والأوروبية اللازمة لبدء تشغيله. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2021 رفض هيئات تنظيم الطاقة الألمانية مؤقتاً إصدار التصريح لخط الأنابيب. وذكرت أن هناك أسباباً قانونية وإجرائية وراء تعليق إصدار تصريح التشغيل. لكن، في ذلك الوقت كانت التقارير الإخبارية تتحدث عن حشد روسيا قواتها على حدود أوكرانيا. وكانت المستشارة الألمانية قد تركت السلطة وخلفها المستشار الحالي أولاف شولتز الذي يحكم بتحالف أقرب سياسياً إلى الولايات المتحدة.
أما المسمار الأخير في نعش خط أنابيب الغاز الروسي لأوروبا "نورد ستريم 2"، فجاء نهاية فبراير (شباط) الماضي، حين أوقفت حكومة شولتز عملية إصدار تصاريح التشغيل. وتقول كريستين بريرزينا من صندوق "مارشال"، في مقابلة مع "سي أن بي سي"، "الغزو الروسي لأوكرانيا قضى على مشروع ’نورد ستريم 2’. ببساطة، لا يمكن تصور أن تتراجع ألمانيا أو أي دولة أوروبية أخرى وتصرح بعمل خط أنابيب الغاز بعد ما فعلته روسيا... حتى خطوط الأنابيب التي تعمل بالفعل هي في وضع غير محسوم".
تقصد بذلك أن خطط أوروبا، ضمن العقوبات الغربية على روسيا، لتقليل اعتمادها على الغاز الروسي حتى التخلي عنه بعد سنوات تعني أنه لن تكون حاجة لتلك الخطوط. تقول كاترينا فليبينكو، من شركة "وود ماكنزي"، إن مستقبل خط الأنابيب أصبح في مهب الريح. وتضيف، "لا نعتقد أن نورد ستريم 2 سيعمل... فموقف أوروبا من الغاز الروسي تغير، وأوروبا مصممة الآن على تنويع مصادر الغاز بعيداً من روسيا. في الوقت نفسه، تهدد روسيا بوقف إمداد أوروبا بالغاز إذا لم تدفع مقابله بالروبل. من الصعب تصور أي تقارب بين أوروبا وروسيا يسمح بعودة نورد ستريم للعمل، حتى بعد سنوات".
عقوبات وخسائر
لا يقتصر الأمر على القرار الألماني بوقف عملية الترخيص، ولا على قرار سلطات الاتحاد الأوروبي المنظمة لسوق الطاقة منح التراخيص لمشروع خط الأنابيب، بل إن الشركة التي كانت ستشغله تخضع للعقوبات الأميركية والغربية. والشركات الأخرى التي أسهمت في تمويل المشروع مضطرة إلى الانسحاب من أي أعمال لها علاقة في روسيا.
وأعلنت شركة "وينترشال دي"، مطلع مارس (آذار)، أنها ستشطب من حساباتها خسائر بنحو 1.1 مليار دولار، هي مساهمتها في مشروع "نرود ستريم2". كذلك فعلت شركة "أو أم في" للطاقة، واضطرت شركة "شل" إلى الانسحاب من المشروع ضمن وقف أعمالها ذات العلاقة بروسيا.
وبسبب العقوبات، ترى سلطات تنظيم سوق الطاقة الألمانية أنه من المستحيل التصريح بعمل خطط الأنابيب. وقالت، في بيان، إن "من متطلبات إصدار تصريح تشغيل خط نورد ستريم 2 الحصول على تقييم إيجابي من وزارة الشؤون الاقتصادية والعمل المناخي بأن أمن الإمدادات عبره مضمون... وهذا المطلب لم يتحقق"، وبالتالي لا يمكن إصدار أي تصاريح.
"تبقى هناك فرصة ضئيلة لإمكانية إحياء مشروع خط أنابيب الغاز الروسي إلى أوروبا"، كما يقول هينينغ غلويشتاين من مجموعة "يوراشيا غروب" في مقابلة مع "سي أن بي سي". ويضيف، أن المشروع "لن يُعاد تشغيله أو الموافقة عليه ما لم تنته الحرب في أوكرانيا بالشكل الذي يضمن أمن أراضي أوكرانيا، وبالشكل الذي يحول دون أي إمكانية لعدوان روسي في المستقبل... فحتى في حالة وقف إطلاق النار أو أي شكل من أشكال التسوية، يبدو من غير المحتمل أن يعتبر السلام مستقراً وأنه لم يعد هناك أي تهديد روسي، خصوصاً مع بقاء فلاديمير بوتين في السلطة".
وهناك شبه اتفاق بين المحللين والمعلقين الأميركيين على أن الحرب في أوكرانيا أنهت مشروع خط الغاز الروسي إلى أوروبا "نورد ستريم 2"، وأنه لم يبق هناك من خيار سوى ترك خط الأنابيب مدفوناً تحت الماء أو محاولة استعادة مكوناته، وهي عملية ستكون عالية الكلفة.