ألقى تأخر انتهاء العملية الانتخابية عن موعدها بظلال شك كبيرة حول المستقبل السياسي للصومال، فعلى الرغم من عجز الدولة عن تنفيذ وعودها بانتخابات مباشرة عنوانها "صوت واحد للفرد الواحد"، على خلاف الانتخابات غير المباشرة التي كانت تبدأ من اختيار نواب البرلمان بواسطة الزعماء التقليديين، ثم تصويت أولئك النواب على المرشحين الرئاسيين، فإن الظروف المحلية والإقليمية والدولية، إضافة إلى قرارات اتخذها الرئيس المنتهية ولايته، كل ذلك أسهم في تعقيد الأمور، وفتح جبهات داخلية وخارجية أسهمت إلى حد كبير في تبعات سياسية واقتصادية أدت إلى النتائج التي نراها، وعلى رأسها الفشل في إنجاز حتى الانتخابات غير المباشرة.
ملفات قبلية وسياسية وأمنية
الواقع السياسي المعقد في البلاد، الذي لا يزال يحمل آثار الصراع المسلح القديم، وميل الإدارات المتتابعة إلى تأجيل بعض الملفات، أديا إلى تعقيد الأمور. يقول الباحث في الشأن السياسي الصومالي، محمود موسى حسين، إن "وصول الرئيس الصومالي، عبد الله فرماجو، إلى السلطة كان في الحقيقة تطبيقاً لتسوية سياسية غير مكتوبة جرى الاصطلاح عليها في مقديشو، وتفضي إلى التناوب بين قبيلتي "هويه" و"دارود" على رئاسة البلاد، فالرئيس الأسبق، عبد الله يوسف أحمد، من قبيلة "دارود"، والرئيسان شريف شيخ أحمد، وحسن شيخ محمود، من قبيلة "هويه"، والرئيس التالي في الترتيب كان يفترض أن يكون من قبيلة "دارود"، ما استفاد منه فرماجو المنتمي للأخيرة، في انتخابات تبدو أنها كانت لاختيار أحد أبنائها لصيانة تلك التسوية، وإثباتاً لإمكانية تولي رئيس من خارج العاصمة أو محيطها مقاليد الحكم في البلاد، دلالة على النضج السياسي الذي تحقق خلال حكم الرئيسين شيخ أحمد، وشيخ محمود".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن سلسلة من القرارات اتخذها فرماجو أثبتت، بحسب حسين، أن "الأوضاع في العاصمة مقديشو أبعد من أن تكون بلغت تلك الدرجة من النضج، الذي قد يمكن الأخير من التعويل على وجوده على رأس هرم السلطة في الصومال، لتفعيل كل صلاحيات الرئيس المثبتتة في الدستور، دونما حاجة إلى توافقات سياسية تضمن سلاسة العمل بين مفاصل النفوذ السياسي، ذلك النفوذ الذي لا تتفرد الحكومة بامتلاكه بعد على الساحة السياسية الصومالية".
ويضيف حسين، "مع استمرار العمليات الإرهابية والهجمات التي تنفذها حركة الشباب والدولة الإسلامية في القرن الأفريقي، بدا أن الوضع الأمني في البلاد يزداد هشاشة، على الرغم من ازدياد عدد القوات الأمنية والعسكرية التي عادت بعيد تدريبها خارج البلاد، وهو فشل كبير ضاعف الشعور بالخيبة تجاه الرئيس والوعود المتتالية التي أخفق في تحقيقها".
أربع سنوات من الأزمات
وصول الوضع السياسي في البلاد إلى تلك الدرجة من التصعيد كان نتيجة عوامل عديدة، يلخصها المحلل السياسي والأمني، عبد الرحمن سهل، في "وصول المواجهة السياسية بين المعارضة والرئيس إلى مرحلة تجاوزت إمكانية الحوار، ما أثر في الوصول إلى تسويات جديدة بعد انتهاك الرئيس فرماجو الترتيبات التي تم الاتفاق عليها، 17 أيلول (سبتمبر) 2020، خصوصاً في ظل عدم وجود قواعد دستورية أو قانونية توجه الانتخابات، ومع انعدام تلك القواعد وخرق الاتفاق، فقد كادت العملية الانتخابية تصبح غير ممكنة التنفيذ، كما أن إرهاصات القرارات التي ابتعدت عن النمط التوافقي للسياسة الصومالية، والميل إلى أحادية القرار، ألقيا بظلال كثيفة على المستقبل السياسي للبلاد، وأكدا جانباً كبيراً مما كان يتم تداوله في أروقة السياسة حول الميول الديكتاتورية للرئيس المنتهية ولايته، مع الضعف الواضح والتبعية اللذين أظهرهما القائمون على الشأن الانتخابي لمكتب الرئيس، وهو ما زاد من حدة التشنج بين الأطراف السياسية المتعددة والرئاسة في البلاد، إضافة إلى أزمة التمويل التي شهدتها العملية الانتخابية في بداياتها، والتدخلات الأجنبية السافرة لصالح الرئيس في العملية السياسية الجارية".
يؤكد حسين حجم المصاعب التي تراكمت مع تنامي أزمة ثقة كبيرة بين مجمل الساحة السياسية والرئيس، فيقول "لقد اهتزت الثقة كثيراً تجاه الرئيس فرماجو، منذ تسليم المواطن الصومالي، قلبي طقح، إلى السلطات الإثيوبية مع بدايات الفترة الرئاسية. ومع تكرار الانتهاكات الجسيمة والميل المتصاعد إلى العنف، برزت قضايا خطيرة كاستخدام السلاح الحي تجاه متظاهرين من الشخصيات الرئيسة في البلد، واختفاء الشابة، أكران تهليل، وما صرح به رئيس الوزراء أخيراً في حفل تأبين إحدى المرشحات المعارضات للرئيس، وتأكيده في خطابه خلال المناسبة تعرضه للتهديد بالتصفية الجسدية، من قبل مؤيدين للرئيس، كل ذلك يضع البلاد في حال من عدم اليقين تفوق القلق الحاصل على استطالة المخاض المتعسر للعملية الانتخابية إلى عامين ونصف العام".
انشغال المجتمع الدولي
مع كل تلك التطورات والأزمات، يزداد الشعور لدى فئات سياسية ومثقفة صومالية بوجود لا مبالاة أو حتى تقلص الاهتمام الدولي بما يجري داخل الصومال، وفي ذلك يقول الباحث، عبد الله شيخ عبد القاد، "يبدو أن قدر الصومال أن يعيش في ظل الأحداث الكبرى في العالم، فقد أدت تحولات بداية التسعينيات كانهيار الاتحاد السوفياتي والغزو العراقي للكويت، إلى عدم ترك مجال كبير لدى المجتمع الدولي للتعامل مع الأوضاع في هذه البلاد بالقدر الذي تستحقه من الاهتمام، حتى استيقظ العالم على المآسي التي نتجت عن ثنائية اللا مبالاة والتسرع تجاهها، وقد ينطبق الأمر ذاته على الوضع السياسي غير الطبيعي الذي تعيشه البلاد على مدى سنتين ونصف السنة، فبزوغ نجم رئيس الوزراء الإثيوبي، وتحركاته المكوكية في المنطقة، والحرب الأهلية في إثيوبيا، إضافة إلى تغير توجهات الإدارة الأميركية إبان حكم الرئيس دونالد ترامب، وتركيزه على الداخل ومواجهة الصين، وتبعات الأزمة الخليجية، وسقوط البشير، والحرب في اليمن، كل ذلك شتت الاهتمام الدولي عن متابعة الشأن الصومالي، وحد من قدرة الدول المانحة على فرض الضغوط الضرورية والمرحلية، التي كانت منذ فترة الضامن لحسن تطبيق الاتفاقات السياسية، والالتزام بما يفترض أنه أصبح تقليداً سياسياً مفاده أن من واجبات الرئيس الحالي إعداد الساحة السياسية لتداول سلمي للسلطة، ويبدو أن تلك الظروف أغرت الرئيس المنتهية ولايته بأن يسعى إلى ترتيب الساحة السياسية بصورة تمكنه من الاستمرار في الحكم لفترة جديدة، عبر العودة مرة أخرى بانتخابات رئاسية مضمونة النتائج".