تخشى أوساط شعبية وسياسية فلسطينية من المجهول في الأشهر والأسابيع القليلة المقبلة، وسط غموض غير مسبوق في المشهد السياسي والأمني والمالي، وتصاعد ضغوط خطة السلام الأميركية المعروفة بـ "صفقة القرن"، واستمرار أزمة اقتطاع إسرائيل جزءاً من العائدات الضريبية الفلسطينية التي تغطي النسبة الأكبر في نفقات الحكومة.
وتسبب تصريح أدلى به رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية إلى صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية بحالة من التوجس مما هو آت، عندما توقع "صيفاً حاراً جداً"، في إشارة إلى احتمال حصول تصعيد في المنطقة ككل وعلى الساحة الفلسطينية خصوصاً. وأكد أن حكومته "ستبدأ فيما لو استمرت الأزمة الراهنة بتسريح عناصر من الأجهزة الأمنية لعدم القدرة على تغطية نفقاتهم".
وعجزت الحكومة الفلسطينية عن دفع معاشات موظفيها المدنيين والعسكريين للشهر الخامس، بعدما رفضت استلام الضرائب التي تجبيها إسرائيل على السلع والخدمات المستوردة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، إثر قيام الأخيرة باقتطاع مبلغ 10 ملايين دولار من هذه الأموال شهرياً، بموجب قانون أقره الكنيست الإسرائيلي (البرلمان) العام الماضي، وينصّ على اقتطاع مجموع ما تدفعه السلطة الفلسطينية إلى عائلات الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية من مخصصات مالية.
انعكاس الانتخابات الإسرائيلية
وكان الفلسطينيون يعولون على التوصل إلى حل لهذه الأزمة بعد انتهاء الانتخابات الإسرائيلية، التي جرت في أبريل (نيسان) الماضي، إلا أن الفشل في تشكيل الحكومة والأزمة السياسية في إسرائيل، التي تمخض عنها قرار بإعادة الانتخابات في سبتمبر (أيلول) المقبل، عقّد المشهد العام، خصوصاً أن المزايدات بين الأحزاب الإسرائيلية التي تسبق الانتخابات، تحول دون التراجع عن قرار الاقتطاع من الأموال الفلسطينية.
وحاول اشتية طمأنة الجمهور، بعد تصريحه إلى الصحيفة الأميركية، من خلال شريط فيديو ظهر فيه، بدأه بتوجيه تحية إلى عناصر الأمن والموظفين المدنيين في حكومته، وقال إن "السلطة الفلسطينية تواجه حرباً مالية إسرائيلية، من أجل دفعها للاستسلام والقبول بصفقة القرن". وعبّر في ختام التصريح عن ثقته بعبور هذا الظرف الصعب، بقوله "ما بعد الضيق إلا الفرج".
خشية أجهزة الأمن
وجاءت هذه التطمينات بعدما عبّر فلسطينيون كثر عن خشيتهم من وصول السلطة الفلسطينية إلى مرحلة العجز عن الوفاء بالتزاماتها، في وقت يتردّى فيه الأمن الداخلي، بسبب مشاحنات ومشاجرات وصراعات مجتمعية يستخدم فيها السلاح، فيما أعرب عدد من أفراد وضباط الأجهزة الأمنية عن خشيتهم على مصير مجهول ينتظرهم.
وأفاد تقرير لجهاز الشرطة الفلسطينية بأن محافظات الضفة الغربية شهدت خلال الأسابيع الخمسة الماضية 502 شجارات عائلية، أدت إلى سقوط 7 قتلى ومئات الجرحى، في ارتفاع بنسبة 40 في المئة عن الفترة نفسها من العام الماضي. وعزت أوساط مختلفة هذا الارتفاع إلى الضغوط المالية وتصاعد الضغوط المعيشية في ظل الأزمة المالية غير المسبوقة، وعجز الحكومة عن دفع معاشات لموظفيها، والنقص الحاد في السيولة في أيدي العائلات.
واعتبر معلقون فلسطينيون أن تصريح رئيس الحكومة حول البدء بتسريح عناصر الأمن هو مناورة سياسية للضغط على إسرائيل والولايات المتحدة من خلال الحديث مع كبرى الصحف الأميركية عن خطورة الوضع، والتلميح إلى أن "التنسيق الأمني" بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي سيتوقف.
الأمن والوضع المالي
ويقول الجانبان إن "التنسيق الأمني" الذي تطالب فصائل فلسطينية بوقفه، يعد مصلحة مشتركة لهما.
وأكد المتحدث باسم الأجهزة الأمنية الفلسطينية عدنان الضميري أن "عقيدة أفراد الأمن الفلسطينيين هي الدفاع عن استقرار مجتمعهم في كل الظروف، بغض النظر عن الوضع المالي"، مشدداً في حديث مع "اندبندنت عربية" على أن أفراد وضباط الأجهزة الأمنية "لن يغادروا مواقعهم على الإطلاق ولن يسمحوا بأي مخطط لإثارة الفوضى بأن يمر".
وأعرب الضميري عن اعتقاده بأن هناك مخططاً لتهجير الفلسطينيين طوعاً من الضفة الغربية من خلال استمرار الضغط على السلطة الفلسطينية لدفعها إلى الانهيار. لكنه عاد وأكد أن ذلك "لن يحدث بفضل وعي الفلسطينيين وقيادتهم".
الموقف الأميركي
في معرض تعليقه على تصريح رئيس الحكومة الفلسطينية محمد اشتية، اعتبر المبعوث الأميركي لعملية السلام جيسون جرينبلات أن السلطة الفلسطينية "تتسبب بانهيار ذاتها".
وقال في سلسلة تغريدات في "تويتر" إن اشتية "كان مخطئاً بشأن تقدير الوضع الاقتصادي، وتجاهل أن السلطة هي من تسبّبت بالوضع القائم حالياً". وأضاف "حان الوقت لتقوم السلطة الفلسطينية بخطوات تتحمل من خلالها المسؤولية الاقتصادية عن شعبها، بدلاً من اتهام الولايات المتحدة وآخرين بالواقع الذي ورطت نفسها به".
الغموض السياسي
بالتزامن مع أزمة السلطة الفلسطينية، أعلنت فصائل عدة من منظمة التحرير ومؤسسات المجتمع المدني عن سلسلة من الفعاليات الشعبية على نقاط التماس مع الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية اعتباراً من يوم الجمعة المقبل، للتعبير عن رفض "صفقة القرن".
وتتسبب التطورات الميدانية المتوقعة واحتمالات التصعيد مع إسرائيل بالتزامن مع الضغوط المالية بمزيد من القلق للفلسطينيين حول التطورات المتوقعة خلال الصيف.