في وقت تدخل الحرب الروسية في أوكرانيا شهرها الثاني، التي أثبتت أنها ليست إجراء شكلياً [عملية شكلية وسريعة] كما توقع الرئسي الروسي فلاديمير بوتين، تفاقم القلق من احتمال لجوء قوات الاحتلال لاستخدام الأسلحة الكيماوية لتحقيق النصر.
وزعم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في مؤتمر قمة جمع قادة حلف "الناتو" في بروكسل الأسبوع الماضي، أن ذخائر الفوسفور الأبيض قد أُطلقت بالفعل على المدنيين في مدن أوكرانية. وقال: "هذا الصباح، بالمناسبة، استُخدمت القنابل الفوسفورية، وهي قنابل فوسفور روسية. تم قتل أشخاص راشدين مرة أخرى وتم قتل أطفال مرة أخرى".
وكان الرئيس الأميركي جو بايدن حذر في الاجتماع عينه من أن اندلاع الحرب الكيماوية يشكل "تهديداً حقيقياً" في حين أعلن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ أن أي تصرف من هذا القبيل سيعد "انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي" و"سينتج عنه عواقب بعيدة المدى" و"يغير تماماً طبيعة الصراع".
وجاءت تعليقات السيد زيلينسكي بعد قيام نائب رئيس شرطة كييف، أوليكسي بيلوشيتسكي بنشر فيديو يوم الاثنين 22 مارس (آذار) يظهر فيه صاروخ محترق، وقد استقر على الأرض. وقد قال معلقاً: "استخدام مرة أخرى للذخائر الفوسفورية في كراماتورسك".
وكان مسؤولون أوكرانيون قد اتهموا روسيا بالفعل بإطلاق الفوسفور الأبيض خلال هجمات على مدينتي لوتسك في الغرب وبوباسنا في الشرق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبرزت مزاعم أيضاً بإطلاق الذخائر العنقودية على أهداف أوكرانية منذ نشوب الحرب في 24 فبراير (شباط)، بينما قالت وزارة الدفاع البريطانية، إن الكرملين نفسه اعترف باستخدام الصواريخ الحرارية الضغطية.
والفوسفور الأبيض هو مادة شمعية مائلة إلى الصفار أو غير ملونة شفافة ولها رائحة تشبه إلى حد ما الثوم، وهي تشتعل فور احتكاكها بالأوكسجين في الهواء مسببةً عمود دخان أبيض كثيف. لا يمكن إطفاء الحريق الناجم عن هذه المادة الكيماوية بالمياه التي تستمر في الاحتراق حتى 1300 درجة مئوية.
يستخدم الحامض عادة في الحرب لتكوين ستار دخاني وإخفاء تحركات القوات، وإنارة ساحة المعركة في الليل أو تحديد الأهداف. ونظراً لهذه الاستخدامات العملية التي لا يقصد منها صراحةً استهداف أجهزة جسم الإنسان، فإنه لا يُعد حالياً سلاحاً كيمياوياً تسري عليه مواصفات مثل الأسلحة المحددة في اتفاقية الأسلحة الكيماوية لعام 1993.
ومع ذلك، فمن المؤكد أنه يمكن استخدامه كسلاح حارق للتشويه أو التسميم أو القتل العشوائي، ومن المعروف أنه يسبب جروحاً فورية للرئتين والقلب والكبد والكليتين، وهو قادر على اختراق وحرق العضلات والوصول للعظم، وغالباً ما يسبب حروقاً شديدة من الدرجة الثانية والثالثة تتطلب عادة عملية زرع للجلد.
ونُقل عن الدكتورة رولا حلام، التي عالجت ضحايا الأسلحة الحارقة في سوريا قولها في تقرير صادر عن منظمة "هيومن رايتس ووتش" قولها، "تسبب الأسلحة الحارقة حروقاً مدمرة، وبطرق أسوأ بكثير من أي حرق عادي بسبب الحرائق. يمكنها حرق كل شيء. يمكنها حرق المعدن واختراقه، فكيف سيصمد اللحم البشري؟"
وينص البروتوكول الثالث لاتفاقية الأسلحة التقليدية لعام 1980 صراحةً على حظر استخدام الفوسفور الأبيض كسلاح ضد المدنيين، ويفرق بين المقاتلين وغير المقاتلين، ما يعني أنه يتم انتهاك البروتوكول فقط عند تعرض المدنيين لهذا السلاح.
وفي الوقت ذاته، تنص المادة 35 من البروتوكول الأول لاتفاقيات جنيف على حظر أي سلاح من شأنه "إحداث إصابات أو آلام لا مبرر لها" الأمر الذي ينطبق على الإطلاق العشوائي للفوسفور الأبيض الذي يمكن أن يشكل جريمة حرب.
وعلى الرغم من ذلك، فقد جرى استخدامه على هذا النحو وتحديداً في عدد من الأحداث على مدار الأعوام الأخيرة، لا سيما من جانب التحالف الذي قادته الولايات المتحدة في معركة الفلوجة أثناء حرب العراق عام 2004، ومن قبل إسرائيل في غزة عامي 2008 و2009، ومن قبل روسيا ضد سكان حلب خلال تدخلها في الحرب الأهلية السورية عام 2016، وفي الحرب ضد "داعش" في الموصل عام 2017.
في لقاء مع موقع "بزنس إنسايدر" أخيراً، أعرب الكولونيل المتقاعد في الجيش الأميركي ديفيد جونسون، وهو أحد الباحثين في مؤسسة "راند"، عن أساه قائلاً: "ذلك جزء من رعب الحرب". وأضاف: "لقد جرى تطوير هذه الأسلحة لأغراض عسكرية. وبصراحة تامة [بلا ريب]، سيتم استخدامها".
لقد استخدم الفوسفور الأبيض في كل من الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية. ويرمز للفوسفور الأبيض بـ "WP" اختصاراً من الأحرف الأولى للمقابل الإنجليزي، كما ويشار إليه باللغة العسكرية بـ "ويلي بيت".
ولا تزال آثار استخدام الفوسفور الأبيض ملموسة. ففي أغسطس (آب) 2017، قامت امرأة أثناء عبورها لضفاف نهر إيلبي بالقرب من هامبورغ [الألمانية] بالتقاط ما بدا لها أنه قطعة عنبر من الرمال الرطبة، ووضعته في جيب معطفها. لكنها سرعان ما تفاجأت به يشتعل بالنار كاشفاً عن طبيعته المتفجرة. بالكاد نجت هذه المرأة من إصابات خطيرة.
© The Independent