قبل أسبوع أنفقت مرشحة جو بايدن للمحكمة العليا، القاضية كيتانجي براون جاكسون، معظم وقتها على مدى أربعة أيام بين ردهات الكونغرس وعلى منصته، حيث جابهت تسونامي من الأسئلة التي وجهها أعضاء السلطة التشريعية الساعين لتقييم كفاءة القاضية، والنظر في تاريخها الذي لم يسلم من النبش والتنقيب من قبل الجناح الجمهوري المحافظ، الذي انتقد تاريخ جاكسون مع المجرمين، وأثار تساهلها مع المدانين بحيازة مواد إباحية للأطفال، إضافة إلى دفاعها كمحامية عامة عن سجناء متهمين بالإرهاب في سجن "غوانتنامو باي".
وبعيداً من تاريخ جاكسون وحظوظها في كسب ثقة الكونغرس لتصبح أول قاضية سوداء في المحكمة العليا، فإن شراسة الجمهوريين في استجوابها، واحتقان الديمقراطيين بسبب تعامل المحافظين معها، على نحو يذكرنا بمشهد ترشيح دونالد ترمب للقاضية إيمي كوني باريت قبل عامين التي لم تسلم من اصطفاف الديمقراطيين ضدها، يبرزان أهمية مقعد المحكمة العليا، نظراً لتأثير أحكامها في الحياة العامة والسياسية، وولاية قضاتها التي لا تنتهي إلا بالوفاة أو التنحي أو العزل في حالات نادرة.
وللوصول إلى فهم معمق لدور المحكمة العليا الحساس، بوصفها أعلى محكمة فيدرالية، والمفسر الأعلى للدستور الأميركي، هذه نظرة بانورامية على تاريخ المحكمة وميول قضاتها السابقين والحاليين، إضافة إلى أبرز القضايا التي نظرتها، وأسهمت في تشكيل أميركا التي نعرفها.
قلعة التقاليد الحصينة
تأسست المحكمة العليا بموجب الدستور الأميركي، واتضحت ملامحها بعد تمرير قانون القضاء عام 1789، وباتت محط أنظار المجتمع القانوني والعام منذ انعقادها لأول مرة في نيويورك عام 1790، قبل اتخاذها من العاصمة واشنطن مقراً لها.
وتتميز المحكمة العليا بارتباطها العميق بالتقاليد، مقارنةً بسلطتي الحكومة الفيدرالية الأخريين التنفيذية والتشريعية التي طاولتها يد التغيير، إذ يبدو واقع المحكمة التي تمثل السلطة القضائية أقرب إلى جذورها العائدة إلى أكثر من 230 عاماً.
وتتألف المحكمة الحالية من تسعة قضاة، ستة معينين من رؤساء جمهوريين، وهم رئيس المحكمة جون روبرتس، وكلارنس توماس، وصامويل أليتو، ونيل غورستاش، وبريت كافاناه، وإيمي كوني باريت، إضافة إلى ثلاثة قضاة جرى تعيينهم من رؤساء ديمقراطيين وهم ستيفن براير، وسونيا سوتومايور، وإيلينا كاغان.
وعلى مر السنين، غيّرت قوانين الكونغرس المتباينة عدد مقاعد المحكمة العليا من أقل من خمسة إلى عشرة مقاعد، حتى ثبت الرقم عند تسعة مقاعد، إذ تتكون حالياً من رئيس قضاة وثمانية من القضاة الذين يرشحهم رئيس الولايات المتحدة، ويتطلب تعيينهم موافقة مجلس الشيوخ. وعادةً ما يشغل قضاة المحكمة العليا مناصبهم مدى الحياة، ولا يجوز إنقاص رواتبهم خلال فترة ولايتهم، لضمان استقلال القضاء عن الفروع السياسية للحكومة.
وتعد المحكمة العليا أعلى محكمة في القضاء الفيدرالي الأميركي، وتتمتع بسلطة استئنافية ونهائية، وتقديرية إلى حد كبير على جميع قضايا المحاكم الفيدرالية، ومحاكم الولايات التي تنطوي على مسائل مرتبطة بالقانون الفيدرالي. كما تملك المحكمة سلطة المراجعة القضائية التي تخولها إبطال القوانين وإلغاء التوجيهات الرئاسية إذا انتهكت الدستور أو القانون الوضعي، وتملك أيضاً اختصاصاً أصيلاً في نظر الدعاوى بين دولتين أو أكثر، والقضايا التي تمس الوزراء والدبلوماسيين.
ومع ذلك، لا يجوز للمحكمة النظر إلا في القضايا القانونية التي تدخل في نطاق اختصاصها، ولها أن تفصل في قضايا ذات تأثير سياسي، لكنها قضت بأنها لا تملك سلطة الفصل في المسائل السياسية غير القابلة للتقاضي.
وتوافق المحكمة العليا على الاستماع إلى ما يقرب من 100 إلى 150 قضية من بين أكثر من 7000 قضية تردها كل عام، كونها غير ملزمة بالاستماع إلى القضايا المرفوعة لها عدا في استثناءات قليلة، وفق قانون "سيرتيوراري"، الذي يمنحها السلطة التقديرية لتقرير ما إذا كانت ستوافق على إعادة النظر في قضية ما.
تجنب السياسة
وسط جو سياسي مكهرب واستقطاب حاد، يبدو ميل القضاة التسعة إلى إخفاء ميولهم، وعدم التعبير عن آرائهم السياسية أكثر أهمية من أي وقت مضى، كما لوحظ في جلسات الاستماع للقاضيتين إيمي باريت وكيتانجي جاكسون.
في استجواب القاضية باريت عام 2020 من قبل كامالا هاريس التي كانت حينها عضواً بالكونغرس، سئلت القاضية المحافظة عما إذا كانت تؤمن بأن فيروس كورونا مُعدٍ، وأن التدخين مسبب للسرطان، فردت بالإيجاب، لكن حين سئلت عما إذا كانت تؤمن بتغير المناخ، امتنعت باريت عن الإجابة نظراً للخلافات السياسية التي تكتنف هذه القضية بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
الأمر نفسه تكرر كثيراً في جلسات استماع القاضية جاكسون التي رفضت التعليق على قضايا ذات حمولات سياسية، مثل زيادة عدد أعضاء المحكمة العليا، الخطوة التي يرغب الديمقراطيون بإقرارها للقضاء على هيمنة المحافظين على المحكمة العليا، نظراً إلى أغلبية القضاة المعينين من قبل رؤساء جمهوريين.
ومر امتناع جاكسون المتوقع عن التعليق على مسألة زيادة عدد القضاة بسلام، إلا أنها أثارت الجدل لاحقاً حين رفضت تعريف كلمة "امرأة"، قائلةً إنها ليست "عالمة أحياء"، وجاءت إجابتها لتجنب استغلال إجابتها في المعركة الحالية حول مشاركة المتحولات جنسياً في الرياضات النسائية، في الوقت الذي يعارض فيه المحافظون مشاركتهن، ويحتجون بتفوقهن الجسدي على منافساتهن، مستشهدين بالفوز الأخير للسبّاحة ليا توماس، التي تعد أول رياضية متحولة جنسياً بالمركز الأول في بطولة سباحة وطنية، على الرغم من أداء ليا الضعيف في منافسات الرجال قبل تحولها.
ومن القضاة الحاليين الذين يثيرون الجدل في الدوائر السياسية القاضي كلارنس توماس الذي عيّنه بوش الأب، ويعد أكثر القضاة محافظةً في المحكمة الحالية، واستهدف أخيراً من قبل الديمقراطيين بعد تقارير زعمت أن زوجته جيني توماس تبادلت عشرات الرسائل النصية مع رئيس موظفي البيت الأبيض في عهد ترمب، مارك ميدوز، تحثه فيها على السعي إلى إلغاء نتيجة الانتخابات الرئاسية لعام 2020، الأمر الذي دفع الديمقراطيين إلى مطالبة القاضي بالتنحي عن النظر في القضايا المتعلقة بترمب والانتخابات الماضية، وهي المطالب التي قابلها توماس بالرفض.
سطوة المحافظين
مرّت المحكمة العليا بتحولات أيديولوجية كثيرة منذ تأسيسها، ففي مستهل 1930، عارض أربعة قضاة محافظين معروفين بلقب "الفرسان الأربعة" أجندة "الصفقة الجديدة" التي اقترحها الرئيس الديمقراطي فرانكلين روزفلت، في حين أيّد ثلاثة قضاة ليبراليين خطته التي ركزت على إعانة العاطلين عن العمل والفقراء، واستعادة التعافي الاقتصادي، وإصلاح النظام المالي لتجنب الكساد العظيم، إلا أنه وبحلول 1939، نجح روزفلت في تعيين أربعة قضاة ليبراليين من بينهم هوغو بلاك وويليام دوغلاس وفرانك مرفي، مما أحدث انقلاباً في اتجاهات المحكمة الأيديولوجية، قبل أن يستعيد المحافظون سطوتهم في مستهل الخمسينيات الميلادية بقيادة رئيس المحكمة المحافظين هارلان ستون وفريد فينسون.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومع ذلك، فإن التوازنات الأيديولوجية في المحكمة العليا لا تتغير نتيجة لترشيحات الرؤساء فقط، بل تؤثر فيها عوامل مثل تغير أفكار القاضي وتوجهاته وفلسفته القضائية مع الزمن، لا سيما أننا نتحدث عن قضاة يخولهم القانون البقاء في مقاعدهم مدى الحياة. ومن أمثلة ذلك، القاضي إيرل وارن الذي عيّنه الرئيس الجمهوري دوايت آيزنهاور ليشغل منصب رئيس المحكمة في عام 1953، إذ تظهر البيانات أن المحكمة تحولت نحو توجه ليبرالي، عندما بدأ إيرل يتبنى نهجاً أكثر ليبرالية، بخاصة بعد انضمام ثلاثة قضاة ليبراليين، إلا أن المحافظين استعادوا نفوذهم في المحكمة العليا في السبعينيات، بعد أن رشح الرئيس ريتشارد نيكسون رئيس محكمة محافظاً هو وارن برغر، وعدة قضاة محافظين، وأحكم المحافظون قبضتهم بعد تعيين الرئيس بوش الابن قاضيين، أحدهما رئيس المحكمة الحالي جون روبرتس.
وزادت سطوة المحافظين بعد تعيين الرئيس الجمهوري دونالد ترمب ثلاثة قضاة خلال ولايته اليتيمة، آخرهم إيمي باريت، التي خلفت في عام 2020 القاضية روث غينسبرغ التي رشحها الديمقراطي بيل كلينتون. وبهذا أصبح عدد القضاة المحافظين ستة مقابل ثلاثة يُنظر إليهم بأنهم منتمون إلى الجناح الليبرالي.
تأثير عميق ومستدام
عند المدخل الرئيس لمبنى المحكمة العليا في واشنطن، تقابلك عبارة "عدالة متساوية بموجب القانون"، لتعكس المسؤولية الكبيرة التي تضطلع بها المحكمة بصفتها أعلى محكمة في البلاد، والملاذ الأخير للباحثين عن العدالة، والوصي والمفسر الأعلى للدستور أمام الشعب الأميركي.
ومن هذه المكانة تتجلى مسؤوليات المحكمة التي تتولى حماية الحقوق والحريات المدنية، عبر إلغاء القرارات المخالفة للدستور، وفرض قيود على الحكومة تضمن عدم تمكن الأغلبية الشعبية من إصدار قوانين تضر بالأقليات غير الشعبية، ولضمان أن الآراء المتغيرة للأغلبية لا تقوض القيم الأساسية المشتركة بين جميع الأميركيين.
ولا ينحصر تأثير قرارات المحكمة على المجتمع القانوني فقط، بل ينسحب على المجتمع ككل، ومن الأمثلة المجسدة لحجم تأثيرها نظر المحكمة لقضايا تمس حتى طلاب المدارس الثانوية، كما حدث في قضية "تينكر ضد مدرسة موين" عام 1969، حين رأت المحكمة أنه لا يمكن معاقبة الطلاب لارتدائهم شارات سوداء إلى المدرسة للاحتجاج على حرب فيتنام.
وقضت المحكمة بأن "الطلاب والمعلمين لا يتنازلون عن حقوقهم عند بوابة المدرسة".
وأسهم الحكم الصادر في القضية التي رفعتها الطالبة ماري تينكر البالغة 13 عاماً آنذاك في تعزيز حقوق الطلاب وحرية التعبير في المدارس العامة، حيث اتخذت المحكمة موقفاً مفاده أن "مسؤولي المدرسة لا يمكنهم حظر التعبير فقط للاشتباه في أن ذلك قد يعطل العملية التعليمية".
في المقابل، جادل المعارضون بأن التعديل الأول من دستور الولايات المتحدة الذي يحمي حريات الدين والتعبير والصحافة وغيرها، لا يمنح حق التعبير عن أي رأي في أي وقت، محتجين بأن الطلاب يرتادون المدرسة للتعلم لا التدريس، وأن الشارات السوداء ليست إلا مصدر إلهاء، ولذلك ينبغي أن يحصل مسؤولو المدرسة على سلطة واسعة للحفاظ على بيئة تعليمية ناجحة.
المراجعة القضائية
أما السلطة الأكثر شهرة للمحكمة فهي المراجعة القضائية، التي تخولها نقض قرارات تشريعية وتنفيذية إذا كانت مخالفة للدستور، وأسست المحكمة لمبدأ "الرقابة على دستورية القانونية، بعد حكمها في قضية "ماربري ضد ماديسون" عام 1803، الذي أصبح أهم حكم في القانون الدستوري الأميركي، إذ نص على أن دستور الولايات المتحدة هو قانون فعلي، وليس مجرد بيان للمبادئ والمثل السياسية، وساعد في رسم الحدود بين السلطتين التنفيذية والقضائية.
وقضية "ماربري ضد ماديسون" بدأت أحداثها في أوائل 1801 في إطار التنافس السياسي والأيديولوجي بين الرئيس المنتهية ولايته جون آدامز والرئيس المقبل توماس جيفرسون، ففي مارس (آذار) 1801، وقبل يومين فقط من انتهاء فترة رئاسته، عين آدامز المعروف باتجاهه لتقوية السلطة المركزية الفيدرالية عشرات من أنصار الحزب الفيدرالي من بينهم ويليام ماربري في مناصب قضائية، بهدف ضمان استمرار خطه السياسي، وتقويض ولاية جيفرسون الداعي وأنصاره في الحزب الجمهوري - الديمقراطي إلى اللامركزية وتدعيم سلطات الولايات.
أكد مجلس الشيوخ بسرعة تعيينات آدامز، ولكن عند رحيله وتنصيب جيفرسون، لم يتم تسليم قرارات تعيين عدد قليل من القضاة، إذ عدّها الرئيس جيفرسون باطلة، ووجه وزير خارجيته جيمس ماديسون بعدم تسليمها، الأمر الذي دفع برجل الأعمال ماربري من ولاية ماريلاند، وهو أحد المؤيدين الأقوياء للفيدراليين إلى رفع دعوى للمحكمة القضائية يطلب فيها إصدار أمر قضائي يجبر ماديسون على تسليم القرارات.
ورأت المحكمة العليا، وفق ما كتبه رئيسها آنذاك جون مارشال، بأن رفض ماديسون التسليم كان غير قانوني، وأنه كان من الطبيعي أن تأمر المحكمة في مثل هذه الحالات المسؤول الحكومي بتسليم قرارات التعيين، إلا أن المحكمة لم تأمر ماديسون بالامتثال، وعوضاً عن النظر في قضية ماربري، وجدت المحكمة بعد دراسة أحد أقسام قانون القضاء الذي مرره الكونغرس وأعطى المحكمة اختصاصاً في أنواع القضايا المماثلة لقضية ماربري، وجدت المحكمة أن الكونغرس وسع اختصاصها حتى تجاوز ما هو منصوص في الدستور، ولذلك ألغى مارشال هذا القسم من القانون لانتهاكه الدستور.
وعلى الرغم من أن ذلك الحكم أدى إلى تضييق اختصاص المحكمة العليا حتى يتوافق مع الدستور، مما أفقدها اختصاص النظر في قضية ماربري، فإن تأثيره في القانون الأميركي امتد حتى يومنا هذا كونه أسس لسلطة المحاكم الفيدرالية في إبطال قوانين الكونغرس التي تنتهك الدستور.
السلطات الضمنية
ومن القضايا التاريخية التي أرست مبادئ قانونية مهمة قضية "ماكولوتش ضد ماريلاند" عام 1819، التي طرحت مسألتي ما إذا كان بوسع الكونغرس إنشاء بنك وطني، وفرض الدولة ضرائب عليه، وتوصلت المحكمة إلى أن الكونغرس لديه سلطات ضمنية لإنشاء بنك وطني، بموجب عبارة "الضروري والملائم" في دستور الولايات المتحدة. ونظراً إلى سيادة قوانين الولايات المتحدة على قوانين الولايات، قررت المحكمة أن الدولة لا يمكنها فرض ضرائب على البنك الوطني.
وتكمن أهمية الحكم في قضية "ماكولوتش ضد ماريلاند" أنه أسس لمبدأين مهمين في القانون الدستوري الأميركي معمول بهما إلى يومنا هذا، وهما السلطات الضمنية، والسيادة الفيدرالية.
وفي قضية جيبونز ضد أوغدن عام 1824، نظرت المحكمة العليا فيما إذا كان بوسع الولايات إصدار قوانين تتحدى سلطة الكونغرس في تنظيم التجارة بين الولايات. ورأت المحكمة في هذه القضية أن دور الحكومة الفيدرالية هو تنظيم التجارة، وأن حكومات الولايات لا يمكنها تطوير قوانينها المنظمة للتجارة. كما أوجدت المحكمة تعريفاً واسعاً لمصطلح "التجارة"، مبررةً أن المصطلح يشمل أكثر من مجرد البيع والشراء.
وتكمن أهمية هذا الحكم في أنه منح الحكومة الفيدرالية إلى يومنا هذا سلطة أوسع لتنظيم المعاملات الاقتصادية.
رفض إلغاء العبودية
ولا تنحصر أهمية أحكام المحكمة العليا في كونها ذات أثر إيجابي، فالمحكمة فشلت في حظر الرق عام 1857، حين نظرت قضية "دريد سكوت ضد ساندفورد"، حول ما إذا كان للكونغرس السلطة الدستورية لحظر الرق في الأراضي الحرة (يقصد بها الولايات التي قضت على العبودية آنذاك)، وما إذا كان الدستور يمنح الأميركيين الأفارقة الحق في رفع دعوى أمام محكمة فيدرالية.
وردت المحكمة بالنفي، وقالت إن الكونغرس لا يمكنه حظر العبودية، وإن الأميركيين الأفارقة لا يملكون حق التقاضي أمام محكمة فيدرالية، معللةً بأن العبيد "ممتلكات"، بالتالي لا يمكن أخذهم من أصحابهم من دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة.
كما استندت المحكمة في حكمها الذي اعتبر أن الأشخاص المنحدرين من أصل أفريقي لا يتمتعون بحقوق المواطنين إلى تفسيرها للدستور قبل إقرار التعديلات الدستورية 13، و14، و15 التي ألغت العبودية، وأكدت مبدأ المساواة.
وتكمن أهمية قضية "دريد سكوت ضد ساندفورد" في أنها فاقمت الجدل الدائر حول العبودية، وزادت من تأجيج النيران التي أدت إلى الحرب الأهلية.
إلغاء الفصل العنصري
وفي عام 1954 نظرت المحكمة قضية "براون ضد مجلس التعليم"، وناقشت ما إذا كانت المدارس العامة التي تطبق الفصل العنصري تنتهك بند المساواة في الحماية. وهذه المرة قررت المحكمة بالإجماع إلغاء حكم قضية "بليسي ضد فريغسون" الذي أيّد دستورية الفصل العنصري في المرافق العامة، بعد أن أقرّته المحكمة في عام 1896.
ورأت المحكمة أن قوانين الولايات التي تنص على إنشاء مدارس عامة منفصلة للطلاب السود والبيض غير دستورية، وتنتهك بند المساواة في الحماية الذي أقرّه التعديل الرابع عشر، معتبرةً المؤسسات التعليمية التي تطبق الفصل العنصري "غير متكافئة بطبيعتها".
تعزيز جدل الإجهاض
وفي قضية رو ضد وايد عام 1973 خلصت المحكمة إلى أن القوانين التي تقيد أو تمنع المرأة من الإجهاض، تنتهك حق الخصوصية المكفول دستورياً، لكن المحكمة رأت أنه بموجب التعديل الرابع عشر يجوز للولايات تقييد عمليات الإجهاض في نهاية الحمل فقط، من أجل حماية حياة المرأة أو الجنين. وبات هذا الحكم جزءاً من المعركة حول حقوق الإجهاض أمام المحكمة وخارجها.
اعتبارات العرق والقبول
وفي قضية "جامعة كاليفورنيا ضد باك" عام 1978، قررت المحكمة أنه يجوز للجامعات استخدام العرق كجزء من عملية القبول طالما لم يتم استخدام "الحصص الثابتة" لكل عرق. ومع ذلك، اعتبرت المحكمة النظام المعمول به في كلية الطب بجامعة كاليفورنيا "غير ضروري" لتحقيق الهدف المتمثل في تعزيز التنوع، وعدّته غير دستوري لاستخدامه نظاماً قائماً على مفهوم "الحصة الثابتة"، وتكمن أهمية هذا الحكم في أنه مهّد لقضايا أخرى أوضحت فيها المحكمة أن برامج القبول التي تنص على العرق كعامل دستورية طالما كانت السياسة محددة، ولا تخلق تفضيلاً تلقائياً على أساس العرق، وأكدت أن النظام الذي ينشئ تفضيلاً تلقائياً استناداً إلى العرق من شأنه انتهاك شرط المساواة في الحماية.