منذ أن غزت روسيا أوكرانيا، تصاعدت التحذيرات في الغرب من النشاطات التي يمكن أن يقوم بها مرتزقة يعملون في قوة شبه عسكرية خاصة لها علاقات وثيقة مع الكرملين، بحسب ما تقول واشنطن، بخاصة مع توقع أن تقوم هذه المجموعة المعروفة باسم "فاغنر" بتجنيد مقاتلين من البلدان الأخرى التي تعمل فيها، فما هي مجموعة "فاغنر"؟ ولماذا يخشى الغرب وجودها في المعارك؟ وهل سيكون لها تأثير كبير في مجريات الحرب في أوكرانيا؟ وهل يمكن أن تطيل أمد الصراع؟
تحذيرات ومخاوف
بعد أيام من الهجوم الروسي على أوكرانيا يوم 24 فبراير (شباط) الماضي، حذرت تقارير غربية من أن الأعمال الحربية الروسية في أوكرانيا ستشمل قريباً مرتزقة من مجموعة "فاغنر" وثيقة الصلة بالكرملين، والتي يعتقد أنها تعمل بنشاط على تجنيد مقاتلين من البلدان الأخرى التي تعمل فيها، بما في ذلك سوريا، لكن خلال الأيام الأخيرة، صعّد المسؤولون الغربيون من نبرة تحذيراتهم، وتوقعوا أن أكثر من 1000 مرتزق، قد ينسحبون من البلدان الأخرى التي ينتشرون فيها من أجل تعزيز الهجوم الروسي المتعثر.
وعلى الرغم من هذه التقارير، فإنه من غير المعروف عدد مرتزقة "فاغنر" الموجودين حالياً في أوكرانيا، سواء أكانوا من الروس أو غيرهم، والذين يعتقد مسؤولو الاستخبارات الأوروبية أن نحو 300 منهم دخلوا أوكرانيا في الأسابيع التي سبقت الغزو، بينما قدر المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، جون كيربي، عددهم بنحو 1000، منهم عدد من السوريين الموجودين حالياً في شرق أوكرانيا، على الرغم من عدم وجود دليل على ذلك حتى الآن حسب موقع "إنترسبت" الأميركي.
ولعل أحد أسباب المخاوف الغربية من "فاغنر"، يعود إلى أن القتال من أجل المال، لا يعد فقط أحد أقدم المهن في العالم، ولكنه أصبح سمة تعتمدها بلدان عدة، بما في ذلك الولايات المتحدة، التي اعتمدت منذ فترة طويلة على المتعاقدين العسكريين الخاصين في مناطق النزاع، حيث ارتكب المرتزقة الأميركيون سلسلة من انتهاكات حقوق الإنسان ضد المدنيين في عدد من البلدان، وهو اتجاه يحذر مراقبو حقوق الإنسان من أنه يتزايد في أوكرانيا التي تعاني بالفعل انتهاكات متصاعدة وجرائم حرب ومجازر جماعية، بحسب روايات الأوكرانيين.
ما هي "فاغنر"؟
"فاغنر"، هي شركة عسكرية خاصة أسسها عام 2014 يفغيني بريغوجين الذي سجن في نهاية العهد السوفياتي سنوات عدة بتهمة الاحتيال، وتحول بعد مغادرته السجن عام 1990 من بائع نقانق إلى طباخ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين واكتسب ثقته، قبل أن يمتلك مطاعم فاخرة في سان بطرسبورغ مسقط رأس بوتين، ويصبح رجل أعمال واسع النفوذ والمساعد المقرب من الرئيس.
غير أن بريغوجين الذي أسس أيضاً وكالة أبحاث الإنترنت الروسية "ترول فارم"، التي تقول الولايات المتحدة إنها تقف وراء سلسلة من حملات التضليل عبر الإنترنت، بما في ذلك محاولة للتأثير على الانتخابات الأميركية عام 2016، ينفي أي صلة له بمجموعة "فاغنر"، لكن الباحثين والصحافيين والمسؤولين الذين راقبوا عن كثب الكيانات التابعة لـ"فاغنر" على مر السنين، ربطوا عملياتهم ببريغوجين، كما أن كيمبرلي مارتين، الأستاذة في كلية بارنارد، قالت في شهادتها أمام الكونغرس الأميركي عام 2020، إن إبقاء "فاغنر" غير شرعية وفي حال من الضبابية في روسيا، سمح للكرملين بأن ينأى بنفسه عن أي تصرفات بغيضة أو محفوفة بالمخاطر تتخذها هذه المجموعة، وهو ما ظهر جلياً عندما مات مقاتلو "فاغنر" خلال معركة شرسة ضد القوات الأميركية في سوريا عام 2018 أسفرت عن مقتل نحو 300 من مرتزقة "فاغنر".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي حين ينفي الكرملين دائماً أي علاقة له مع مجموعة "فاغنر"، التي ارتبطت بجرائم حرب، يسلط الإعلام الغربي الضوء على أنها تعمل بأوامر من الاستخبارات الروسية. وتقول صحيفة "ذا دايلي بيست" الأميركية، إن الشركات العسكرية الخاصة مثل "فاغنر"، لا تعمل بشكل قانوني بموجب القانون الروسي، لكن يسمح لبعض الشركات المفضلة منها بالعمل في شراكة من نوع ما مع الدولة الروسية، واتهمت من قبل بمحاولة تسميم معارضين روس خارج الأراضي الروسية.
الاسم والقادة
ويخضع عديد من الأفراد المنتسبين إلى "فاغنر"، بما في ذلك بريغوجين، لعقوبات أميركية، كما أصدر الاتحاد الأوروبي، العام الماضي، حظر سفر وتجميد أصول ضد بعض قادة عمليات المجموعة، الذين اتهمهم بارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في أوكرانيا وسوريا وليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى والسودان وموزمبيق، ومن بين هؤلاء ديمتري أوتكين، الضابط السابق في الاستخبارات العسكرية الروسية والمحارب المخضرم في حربي الشيشان الأولى والثانية والذي ينسب إليه الفضل في المشاركة في تأسيس مجموعة "فاغنر" بعد أن دشن مجموعة عسكرية خاصة سابقة عرفت باسم "الفيلق السلافوني".
ويتردد أن أوتكين هو الذي أطلق اسم "فاغنر" على المجموعة تيمناً باسم ريتشارد فاغنر، الملحن المفضل للزعيم النازي أدولف هتلر، وهو ما تستند إليه تقارير غربية عندما تتهم "فاغنر" بالتعاطف مع النازيين، بما في ذلك صور أوتكين الذي يبدو أنه يرسم وشماً نازياً على جلده، الأمر الذي يمثل تناقضاً صارخاً مع ادعاء بوتين بأنه يقود حملة عسكرية ضد النازيين القوميين في أوكرانيا.
حروب الظل
ومع وجود نحو 190 ألف جندي روسي في أوكرانيا وحولها، لم يتضح بعد الدور المحدد الذي سيلعبه مرتزقة "فاغنر" المتخصصون في حروب الظل، غير أن بعض المراقبين يتوقعون أنهم قد يلعبون دوراً بارزاً في حال نشوب صراع في الأجزاء الشرقية من أوكرانيا، وبخاصة في المدن، لكن خدمات "فاغنر" القتالية ليست سوى جزء من مساهمتها في لعبة السياسة الخارجية لروسيا، حسب ما تقول كانديس روندو، مديرة برنامج "فيوتشر فرونتلاينز" في مركز نيو أميركا، الذي يدرس المجموعة عن كثب، ويرى أنها تقوم بأدوار متعددة الأغراض لعمليات الحرب غير النظامية والحرب النفسية، كما يلعب مقاتلو "فاغنر" دوراً تكتيكياً مهماً في مناطق النزاع الأخرى، ومنها تدريب القوات الشريكة في النزاعات داخل عدد من الدول الأفريقية، وهو وجود من شأنه أن يخلق الانطباع، بأن روسيا تستطيع إبراز نفسها عسكرياً في أي مكان في العالم.
وتتصرف مجموعة "فاغنر" بحكم الأمر الواقع كوكيل لطموحات روسيا العالمية من دون إشراك الحكومة الروسية رسمياً في معارك وحروب، وهو ما يعزز فائدة "فاغنر"، ويسمح لروسيا بالسير إلى الأمام من دون تكلفة كبيرة في الوقت نفسه، ويمكن أن تتنقل مجموعة "فاغنر" في أماكن ذات أولوية أقل بالنسبة لروسيا، بحيث يمكن للاستخبارات العسكرية الروسية التركيز على قضايا ذات أولوية أعلى، مثل أوكرانيا.
تخويف الغرب
ولا يعرف عدد مقاتلي "فاغنر" في أوكرانيا أو غيرهم من المرتزقة الداعمين لروسيا، غير أن الرئيس بوتين قال إن نحو 16000 متطوع من الشرق الأوسط مستعدون للانضمام إلى جهود روسيا في أوكرانيا، كما بدأت القوات الموالية لرمضان قاديروف، الزعيم الموالي لبوتين في جمهورية الشيشان، المشاركة في حصار مدينة ماريوبول، لكن حتى الآن كان نجاحهم في الميدان مشكوكاً فيه، ما جعل وجودهم وانتشارهم، مجرد معركة يجري تضخيمها لأغراض سياسية ودعائية أكثر منها معركة ذات تأثير كبير على مجرى الحرب.
ويشير جاك مارغولين، مدير البرامج في "سي فور أي دي أس"، وهي مجموعة لتحليل الصراع تتتبع المرتزقة الروس عن كثب، إلى أن الحكومة الروسية ترغب في رؤية مجموعة "فاغنر" على أنها أداة فعّالة في تخويف الغرب، لكن المجندين الأجانب الذين ينضمون إلى الحرب في أوكرانيا من غير المرجح أن يرجحوا كفة الصراع، ولن يغيروا سير المعركة، غير أنها قد توفر بعض المنفعة، من حيث استخدامها في سياق عمليات محددة ومقيدة للغاية.
ومع ذلك، فإن سجل أعمال "فاغنر" الغامض للغاية، أسهم في حصول المجموعة على مكانة شبه أسطورية في مُخيّلة الجمهور، ما جعلها أداة مفيدة من ضمن أدوات السياسة الخارجية لروسيا، فقد أثارت التقارير حول نشر "فاغنر" في أوكرانيا القلق في الغرب. وأشار مسؤولو استخبارات أوروبيون وأميركيون إلى أن المقاتلين المأجورين كلفوا اغتيال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بينما قال آخرون إنه من المتوقع أن يركز المرتزقة على مساعدة الجهود الروسية في شرق أوكرانيا، والتي قاتلوا فيها بالفعل إلى جانب الجماعات الانفصالية خلال صراع 2014.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، نشر المسؤولون الأوكرانيون صوراً لعلامات عثر عليها على جثث مقاتلين قتلوا في الحرب تشير إلى أنهم ربما أتوا من سوريا، حيث تعمل "فاغنر" منذ عام 2015، كما حذر المسؤولون الأميركيون من أن المجموعة تجند سوريين ماهرين في القتال في المناطق الحضرية من أجل القتال في أوكرانيا، إضافة إلى انتشار مقطع فيديو يظهر عناصر "فاغنر" في جمهورية أفريقيا الوسطى، حيث تقاتل إلى جانب القوات الحكومية ضد حركة تمرد هناك، معلنة استعدادها للقتال في أوكرانيا.
جهود تتزايد
وهناك بعض المؤشرات إلى أن جهود التجنيد التي تبذلها مجموعة "فاغنر"، لا سيما في سوريا، قد تتزايد مع استمرار حرب أوكرانيا، ولكن يبقى التأكد عما إذا كان مرتزقتها سيلعبون دوراً حاسماً في الصراع، أم أن تورطهم سوف يؤدي إلى انتهاكات واسعة النطاق وانعدام المساءلة مثلما حدث في صراعات أخرى.
وبصرف النظر عن تغلغل "فاغنر" في عدد من الدول الأفريقية ودول الشرق الأوسط، فإن وجودهم صاحبه كثير من التكلفة الإنسانية، والتي تجسدت في ارتكاب المرتزقة الروس انتهاكات عكست أحياناً تلك التي ارتكبها مقاتلو تنظيم "داعش" من تعذيب وإعدام عدد من الأشخاص.
مستقبل الحرب
ومن بين الأسباب التي تثير المخاوف استمرار الافتقار إلى المساءلة كسمة مميزة في استخدام المرتزقة، وصعوبة تتبع الاتفاقات التعاقدية وراء انتشارهم، فضلاً عن صعوبة تتبع عمليات المرتزقة على الأرض، بالنظر إلى وجود جماعات مسلحة ليس لديها تسلسل واضح للقيادة، بحسب ما يقول سورتشا ماكليود، الذي يرأس فريق الأمم المتحدة المعني باستخدام المرتزقة، والذي يسلط الضوء على أن المرتزقة لا يرتدون زياً رسمياً أو شارات واضحة، وهذا من شأنه أن يجعل محاسبة الناس على انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب في حال النزاع المسلح، مسألة صعبة.
ويشير ماكليود إلى أن وجود المرتزقة أدى بشكل مباشر إلى تصعيد العنف في نزاعات متعددة، كما أنه يزيد من خطر انتهاكات حقوق الإنسان وانتهاكات القانون الدولي الإنساني، بينما يقول شون ماكفيت، المحلل الأمني، إن تورط مقاتلي المرتزقة في نزاعات كهذه، حيث يكون التدقيق في انتهاكات حقوق الإنسان منخفضاً، من المرجح أن يشكل صراعات مستقبلية، ويوضح ماكفيت أننا نعيش في عصر العولمة الذي أدى إلى عولمة الحروب، مشيراً إلى العدد المتزايد من الصراعات التي تجذب المتطوعين ذوي الدوافع الأيديولوجية، بما في ذلك في أوكرانيا.