على المحك، باتت حياة المريض إسماعيل، الذي يعاني المرحلة الأخيرة من القصور الكلوي أو ما يعرف بالفشل الكلوي، بعد نفاد أدوية مثبطات المناعة ومضادات الفيروسات، وبات يعتمد، لبقائه حياً، على وحدات الدم التي تنقل لجسده.
وخلال أسبوع واحد، انخفض منسوب "هيموغلوبين" الدم لديه إلى أقل من خمسة غرامات لكل 100 ملليتر دم يجري في جسده، وخلال هذه الفترة نقل إليه مقدمو الرعاية الطبية نحو 150 وحدة دم، لكن من دون جدوى، إذ لم تتحسن حاله الصحية.
أزمة دواء
يقول إسماعيل الذي بالكاد يستطيع الكلام، إنه بحاجة إلى ثلاثة أدوية لكنها غير متوافرة في قطاع غزة، وهذا يجعله عرضة للموت أو الإصابة بأمراض أخرى قد تكون خطيرة، وكذلك ترفض السلطات الإسرائيلية السماح له بالانتقال إلى أراضيها أو إلى الضفة الغربية لتلقي الرعاية الطبية هناك.
في الواقع، لا تزال أزمة نقص العلاجات واللوازم الطبية ملازمة للقطاع الصحي، الأمر الذي يزيد معاناة مرضى قطاع غزة المحاصر ويجعلهم يواجهون مصيراً مجهولاً، لكن مرضى الفشل الكلوي بالتحديد مشكلتهم ثلاثية الأبعاد.
يقول رئيس قسم أمراض وزراعة الكلى عبدالله القيشاوي إنه، منذ خمسة أشهر، تعاني مستودعات مستشفيات غزة من نفاد الأدوية الخاصة بهم، وكذلك ترفض السلطات الإسرائيلية السماح لهم بالسفر لتلقي العلاج اللازم في مستشفيات الضفة الغربية أو في أراضيها، فضلاً عن الأعطال المستمرة التي تصيب الأجهزة الطبية الخاصة في الغسيل الكلوي.
يضيف القيشاوي، "غياب الأصناف الدوائية عن مرضى الفشل الكلوي قد يجعلهم معرضين للإصابة بأمراض أخرى، وبالفعل هم عرضة للموت في أي وقت، ومعظم الحالات المرضية باتت تعاني من فقر الدم، فضلاً عن التعب والهزال، الأمر الذي ينتج منه ضعف أو فشل في عضلة القلب"، وبحسب القيشاوي أيضاً، فإن أصنافاً دوائية عدة بات رصيدها صفراً في مستودعات وزارة الصحة في غزة.
وغالباً، تدخل هذه العلاجات إلى وزارة الصحة في غزة، على هيئة منح وهبات من الاتحاد الأوروبي، ومؤسسات دولية، وتبلغ تكلفة كل حقنة نحو 30 دولاراً، ويحتاج المريض إلى 150 دولاراً شهرياً لتغطية هذه الحقن العلاجية، لكن القيشاوي يشير إلى أن هذه العلاجات والهرمونات غير متوافرة في القطاع الخاص من الأساس.
عدم القدرة على السفر
في الواقع، ليست هذه الأدوية الوحيدة غير المتوافرة لسكان القطاع، إذ بلغت نسبة الأصناف الصفرية بين قوائم الأدوية نحو 38 في المئة، في حين بلغت نسبة الأصناف الصفرية من قائمة المهمات الطبية نحو 22 في المئة.
ويشير القيشاوي إلى أن معاناة مرضى الفشل الكلوي لا تقتصر على نفاد الأدوية، بل أيضاً يعانون من عدم القدرة على السفر لتلقي العلاج اللازم، إذ ترفض السلطات الإسرائيلية منحهم تصاريح، وهذا الأمر يفاقم المرض لديهم بطريقة لافتة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبحسب بيانات وزارة الصحة في غزة، فإن عدد المرضى المصابين بالفشل الكلوي في القطاع بلغ نحو 2200 حالة، بينهم نحو 30 طفلاً، وجميهم يتناوبون على جلسات غسيل الكلى في سبعة مراكز طبية تحتوي على 197 جهاز غسيل كلوي صناعياً، وهم بحاجة إلى عقاقير علاجية بشكل مستمر، لكن المؤسسة الحكومية غير قادرة على توفيرها لهم.
وتؤكد المنظمات الحقوقية العاملة في الأراضي الفلسطينية أن إسرائيل ترفض السماح لعدد كبير من المرضى المصابين بالفشل الكلوي بالسفر لتلقي العلاج اللازم، وتتحجج بذرائع أمنية من دون النظر لحالتهم الصحية.
الأجهزة الطبية متعطلة
والأمر بالنسبة إلى مرضى الكلى ليس مقتصراً على ذلك وحسب، إذ يعانون أيضاً من الأعطال المستمرة التي تصيب الأجهزة الطبية المخصصة لغسيل الدم، ويقول مدير دائرة التصوير الطبي في وزارة الصحة إبراهيم عباس إن المهندسين التقنيين ينهمكون في إصلاح عدد من الأجهزة الطبية بعضها خاص بقسم الكلية الصناعية، وهذه الأجهزة تتعطل باستمرار، وجزء منها خرج من الخدمة لعدم توافر قطع الغيار اللازمة لإصلاحها بسبب القيود الإسرائيلية على المعابر، ويوضح عباس أن قسم العمليات في المستشفى فيه أربعة أجهزة من أصل ستة بعضها متوقف عن العمل منذ عام 2019 بسبب استخدامها بشكل كثيف ما أدى إلى تهالكها.
ووفقاً لوزارة الصحة، فإنهم بحاجة إلى نحو 30 جهاز غسيل كلوي، ومن أجل توفيرها، تواصلوا مع جهات دولية ومراكز حقوقية عدة، بينها منظمة الصحة العالمية للتوسط لدى إسرائيل لإدخال الأدوية، إلى جانب المعدات الطبية، إلا أن تل أبيب ترفض التجاوب مع كل المطالب، لكن منسق نشاطات الحكومة الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية غسان عليان يقول إنهم لا يمنعون إدخال المواد الطبية إلى قطاع غزة، ويتيحون للمجتمع الدولي تقديم المساعدة للأجهزة الصحية والطبية في القطاع.