بعدما شهد المغرب خلال عام 2021، مثل بعض دول العالم، ظاهرة اختفاء النحل، أصابت هذه الأزمة المخيفة المزرعة الجماعية لتربية النحل في العالم، والتي أنشئت بقرية إنزركي، في الجنوب المغربي عام 1850، ويعتبرها بعض الباحثين أنها المزرعة التقليدية الأكبر والأقدم من نوعها في العالم.
مزرعة تاريخية
تشكل مزرعة إنزركي لتربية النحل تراثاً وطنياً، وتقع على منحدر يرتفع 1000 متر في ضواحي مدينة أكادير، وتنتج أفضل أنواع العسل، لكونها تقع في وسط نباتي متنوع وغني يضم الأركان والزعتر والأزير وغيرها من النباتات، وتضم المزرعة بناء ضخماً من الطين والخشب على خمسة مستويات مقسمة أفقياً إلى خانات بأحجام متساوية، ويتم وضع خلايا النحل القصبية الدائرية بداخلها، وكانت المزرعة قد تضررت بشكل كبير بسبب الفيضانات التي عرفتها المنطقة خلال تسعينيات القرن الماضي، إلا أن دعم الوكالة الأميركية للتعاون الدولي أسهم في ترميم الأضرار التي لحقت بها.
ويقول إبراهيم شتوي، أحد مربي النحل في المزرعة حيث فقد 40 خلية نحل من أصل 90 خلية في أقل من شهرين، لوكالة الصحافة الفرنسية، "يفترض أن يملأ طنين النحل المكان في هذه الفترة من العام، لكنه الآن ينفق بوتيرة عالية"، موضحاً أن ظاهرة اختفاء النحل من أقدم مزرعة النحل بالعالم أجبرت بعض عائلات القرية على التخلي بشكل نهائي عن تربية النحل.
تضارب الأسباب
وتتضارب الآراء بخصوص أسباب ظاهرة اختفاء النحل، ففي الوقت الذي ترجع فيه مؤسسات رسمية الظاهرة لدواع بيئية ومناخية، يؤكد مهنيون أن غياب النحل يعود لفيروس فتاك، وتقول أسماء كميل رئيسة قسم الصحة الحيوانية بالمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتوجات الغذائية (التابع لوزارة الفلاحة)، إن جانباً من أسباب غياب النحل في المغرب مرتبط بالعوامل المناخية ذات الصلة بتراجع مستوى التساقطات المطرية وارتفاع درجات الحرارة، مشيرة إلى أن عوامل بيئية أخرى قد تكون وراء هذا الاختفاء، مثل تراجع مساحات الرعي الخاصة بالنحل، ما يؤدي إلى عدم كفاية الموارد الغذائية الخاصة بها، إضافة إلى الحالة الصحية لخلايا النحل، لا سيما الإجراءات الوقائية والممارسات المعتمدة في تربية النحل، لافتة إلى أن هذه الظاهرة سجلت كذلك في أوروبا وأميركا وأفريقيا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من جانبه، قال الحسن بنبل رئيس النقابة الوطنية لمحترفي تربية النحل بالمغرب، "عرف العديد من المناحل بأماكن مختلفة من جهات المملكة ظاهرة غريبة تم تحديدها بظاهرة الانهيار المفاجئ لطوائف النحل، وتعرض عدد كبير منها للاختفاء بشكل غير معهود"، مضيفاً أن أهم الأعراض التي تم الوقوف عليها هي الاختفاء الكامل للشغالات، وبقاء الملكة مع بضع نحلات فقط فوق رقعة أو رقعتين من الحضنة الميتة داخل الخلية.
أبحاث مخبرية
وأشار بنبل إلى أنه مع انتشار ظاهرة اختفاء النحل، نهاية العام الماضي، قامت نقابته بجمع عينات من مختلف مناطق البلاد، ومن ثم أشرفت على أبحاث مخبرية تضمنت فحصاً شاملاً للعينات المذكورة بمختبر الأبحاث العلمية برئاسة جامعة مولاي إسماعيل بمكناس، موضحاً أنها "أسفرت عن تشخيص المرض في عينتين، وتأكد لنا إصابتهما بمرض "تكيس الحضنة"، وهو مرض معدٍ معروف على الصعيد العالمي، ناجم عن فيروس يسمى اختصاراً S.B.V، يصيب الحضنة، ويتسبب في موت اليرقات قبل اكتمال نموها، ما يؤدي إلى عدم تجدد أفراد طائفة النحل بعد انتهاء عمرها الافتراضي، وكل ذلك يفسر، بوضوح، ظاهرة الانهيار المفاجئ التي رصدناها في العديد من المناحل بمختلف مناطق المغرب". وقال إن "ذلك المرض لا يصنف ضمن الأمراض الخطيرة إذا ما تم اكتشافه مبكراً، والتدخل في الوقت المناسب، فقد تأكد لدينا أن الخلايا ذات خمسة إطارات فما فوق، تجاوبت جيداً مع العلاج الخاص بمرض تعفن الحضنة الأوروبي، وأن سلالات من النحل تنجح في مقاومة المرض والتخلص من آثاره".
ظاهرة اختفاء طوائف النحل
وشهدت ظاهرة اختفاء طوائف النحل بالمغرب تراجعاً خلال الأسابيع الماضية نظراً لارتباط انتشار الفيروس المسبب للمرض بفصل الشتاء، وقال الحسن بنبل إن تلك الظاهرة قد "عرفت انفراجاً مع نهاية فصل الشتاء الذي يتوقف فيه نشاط الفيروس المسبب للمرض، فقد أثبتت الدراسات العالمية أن هذا الفيروس ينشط بداية الصيف ويشتد في وسطه، ثم تخف حدته بشكل تدريجي مع نهاية الخريف"، موضحاً أن ما عرفته طوائف النحل المصابة بالمرض من انهيار شامل مع بداية فصل الشتاء يعد من التداعيات الجانبية للمرض الذي أدى إلى انهيار التوازن الطبيعي لطوائف النحل بعد انتهاء العمر الافتراضي لشغالات النحل المسنة من دون أن تجد خلفاً لها من الجيل الشتوي، وأن خلايا النحل التي غفل المربون عن الاعتناء بها ومعالجتها في الوقت المناسب كان مصيرها الهلاك.
وأكد رئيس النقابة الوطنية لمحترفي تربية النحل أن الأبحاث المخبرية "أكدت تراجعاً ملحوظاً للفيروس، وتحقق الانجلاء الكامل، والخلو التام في العينات الشتوية، لذلك، وصف الخبراء المتخصصون المرض الناتج من الفيروس بغير الخطير، إذ تعود طوائف النحل التي تعافت منه إلى وضعها الطبيعي مع اكتسابها المناعة، وقد اكتشفنا وجود طوائف نحل تحمل في الأصل صفات وراثية مقاومة للمرض"، مشيراً إلى تمكن العديد من النحالين من استرجاع ما بين 50 و75 في المئة من رصيد خلايا نحلهم.
داء "الفارواز"
وكانت وزارة الفلاحة المغربية قد قامت بإطلاق برنامج لدعم مربي النحل المتضررين من ظاهرة انهيار طوائف النحل، وخصصت له ميزانية تقدر بـ 130 مليون درهم (ما يفوق 13 مليون دولار) لاتخاذ إجراءات استعجالية من بينها دعم المربين لإعادة إعمار خلايا النحل المصابة، بتوزيع طوائف نحل جديدة، إضافة إلى القيام بحملة وطنية لمعالجة خلايا النحل ضد داء "الفارواز"، وحملات توعية لفائدة مربي النحل.
وبحسب إحصاءات رسمية لعام 2019، يضم المغرب حوالى 910 آلاف مزرعة لتربية النحل يستغلها نحو 36 ألف مزارع، وينتج حوالى ثمانية آلاف طن من العسل سنوياً.