قبل أسابيع قليلة أقيم غداء سري جداً في الإدارة العامة. وشمل الحضور رئيس وزراء سابق وشخصيات بارزة من شتى المجالات. وكان موضوع المناقشة تحويل ثكنات وولويتش القديمة، في جنوب شرقي لندن، إلى حي جديد يحمل الاسم "حي غرينيتش الملكي للكومنولث"، ويضم معرضاً وفندقاً ومتحفاً ومركزاً ثقافياً وأجنحة إقليمية، تكون كلها على غرار "إكسبو" ودائمة.
وتتلخص الفكرة الأساسية في أن المشروع ينبغي أن يحل محل معهد الكومنولث الثقافي في شارع كنسينغتون الرئيس ونادي جمعية الكومنولث الملكية في جادة نورثمبرلاند، وكلاهما مغلق الآن. ومن المقرر أن يصبح "الحي" الجديد بمثابة مركز محوري للتجارة مع الكومنولث ومعرض لثقافات خمسة ملايين مواطن بريطاني يعيشون في مغتربات الكومنولث.
وكانت ثمة فكرة فرعية مفادها بأن بريطانيا يجب أن تبذل مزيداً من الجهد لاستخدام المنظمة التاريخية الجامعة لبلدان لصالحها بعد بريكست. وقال أحد الحاضرين إنه ثمة شعور سائد بأن الكومنولث هو أشبه بهدية لا أحد يعرف قيمتها. فبعد خروجنا من الاتحاد الأوروبي، نحن في حاجة إلى شركاء في التجارة الحرة، وفي الكومنولث، وبلدانه الـ54 الأعضاء وسكانه الـ2.5 مليار، ثمة فرصة مثالية وملحة لإقامة الأعمال.
ومن شأن تحويل المباني الضخمة في الثكنات السابقة إلى مركز للكومنولث أن يشير إلى جديتنا في إقامة روابط تجارية أقوى مع منظمة أكبر بأربعة أضعاف من الاتحاد الأوروبي. ونال ضيوف الغداء تأكيدات بأن مجلس غرينتش البلدي يدعم الخطة في شكل كامل. فهذا القسم الإداري يرى أن الاقتراح يستكمل المتحف البحري الوطني القائم فيه، و"كاتي سارك" [سفينة قديمة معروضة في المتحف]، والمرصد الملكي، و"أو 2" [مركز للفنون في القسم الإداري].
تمتلك وزارة الدفاع الموقع، القريب من محطة "وولويتش كروس رايل" [للسكك الحديدية] التي ستفتتح قريباً. وسيطرح للبيع في غضون بضع سنوات. كل شيء على ما يرام وجيد، على ما يبدو. إلا أنه ليس بهذا الوضوح القاطع.
داخل الحكومة، هناك خلاف حول الخطة. فقد أبلغ المشاركون في الغداء أن وزارة المالية تود الحصول على أفضل سعر، ما يعني حتماً بيع العقار إلى مؤسسة للتطوير العقاري ستحوله إلى مشروع سكني. ونظراً إلى مساحته الشاسعة، سيتوفر مجال للعديد من المساكن الاجتماعية، لكي يصبح الموقع جذاباً على نحو مضاعف.
وفي وزارة الخارجية هناك في الوقت نفسه فصيل يشكك في قيمة الكومنولث، ويعتبره تركة محرجة من تركات الإمبراطورية البريطانية، ويفضل حله في شكل كامل.
ومن ثم هناك أولئك الذين يقولون إن بريطانيا في مرحلة ما بعد الاتحاد الأوروبي تحتاج إلى كل المساعدة التي تستطيع الحصول عليها، وإن اتفاقيات التجارة الحرة يصعب الحصول عليها، وإننا في الكومنولث لدينا وسيلة جاهزة للاستثمار التجاري. إنه "عملاق نائم يمكن إيقاظه للمساعدة في تنشيط التجارة الحرة بعد (كوفيد) في أنحاء العالم كله" – هكذا وصفت الكتلة على الغداء.
إن البلدان الأعضاء في الكومنولث ناطقة بالإنجليزية، ومعتادة على التطلع إلى المملكة المتحدة، وتكن تقديراً عالياً للملكة إليزابيث الثانية، وتشترك في قيم وروابط تعليمية وثقافية وقانونية. وكان عدم استغلال هذا الهدف المفتوح جنوناً.
كان الزخم يتجمع وراء خطة وولويتش. وجرى تواصل مع مستثمرين في بلدان الكومنولث أكدوا دعمهم. وسيأتي التمويل أيضاً من بلدان الكومنولث، ومعارض تجارية، وعوائد تذاكر الزوار. ونظراً إلى تفاني الملكة طيلة حياتها في الكومنولث الحديث، بدا من المنصف تماماً الإعلان في يونيو (حزيران)، أثناء احتفالات اليوبيل البلاتيني لجلوسها على العرش، عن مشروع "الإرث الملكي" هذا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ثم جاءت جولة [دوق ودوقة كامبريدج] ويليام وكيت الكارثية في منطقة الكاريبي. إلى أن بدأ الزوجان الملكيان زيارتهما، كانت طريقة الترويج لفكرة المباني الجديدة والمرموقة والروابط التجارية الأوثق في صفوف بلدان الكومنولث، كما قيل في الغداء، تتمثل في فكرة "تتجاوز الإمبراطورية" – في وجود صلة بين بلدان تتمتع بروابط وصداقات قديمة، ومن المؤكد أن من المنطقي في السوق الدولية المتزايدة التنافسية تلك أن تمارس هذه البلدان أعمالاً أكثر مع بعضها بعضاً.
إزاء هذه الخلفية، لم يكن من الممكن أن تكون الفكرة التي عبرت عنها الزيارة أكثر خطأ. فقد كانت بمثابة تذكير قوي بما شاب الإمبراطورية القديمة من أخطاء، بالاستعباد والاستغلال القاسي. وتردد صدى كل شيء يتعلق بها.
كذلك أظهرت الزيارة أن محاولة التظاهر بأن الماضي المُخزي لم يحدث قط، وأن هذه المنظمة الجديدة وغير المعرقلة التي يمكننا استخدامها لمنفعة مشتركة، محاولة خيالية. فالندوب عميقة.
في وقت متأخر للغاية، حاول الأمير ويليام إحياء شيء من الرماد. لقد أصدر بياناً اعترف بأن الجولة التي دامت أسبوعاً دفعت "أسئلة حول الماضي والمستقبل إلى تركيز أكثر حدة".
وكان هو وكيت "ملتزمين بالخدمة". وأضاف ويليام: "بالنسبة إلينا، لا ينبئ ذلك الناس بما ينبغي لهم أن يفعلوه. هو يدور حول خدمة الناس ودعمهم بأي طريقة يعتبرونها الفضلى، من خلال المنصة التي نمتلكها لحسن حظنا".
وبعد أن أصر على أن جولات كتلك التي انتهيا منها للتو "تعيد التأكيد على رغبتنا في خدمة ناس الكومنولث والاستماع إلى المجتمعات المحلية في مختلف أنحاء العالم"، كتب يقول: "ليس من يختاره الكومنولث ليقود عائلته في المستقبل هو ما يخطر في ذهني الآن. ما يهمنا هو الإمكانية التي تملكها عائلة الكومنولث لإنشاء مستقبل أفضل للناس الذين يشكلونها، وهو التزامنا بالخدمة والدعم بأفضل ما نستطيع".
سيكون هناك أشخاص سيصرون على أن الأوان لم يفُت بعد، وأن من الممكن إعادة تنشيط الكومنولث، وأن تحويل الغرض من وولويتش لا يزال يستطيع التقدم، وأن اتفاقيات وفيرة للتجارة الحرة تلوح في الأفق. ولعل هذا يفسر الطبيعة اليائسة التي يتسم بها بيان ويليام – أنه أدرك مقدار الأشياء التي هي على المحك – والإشارة إلى إمكانات عائلة الكومنولث.
في اعتقادي أن الغلبة ستكون الآن لوزارة المالية، وأن "حي غرينيتش الملكي للكومنولث" لن يرى النور. كان الغداء غداءً جيداً مهدراً.
© The Independent