يشكّل معرض في مرسيليا عن الأمير عبد القادر (1808-1883) حدثاً يندرج في إطار السعي إلى التقريب بين الذاكرتين الجزائرية والفرنسية، إذ يمثّل هذا المفكر بالنسبة للجزائريين "بطلاً قومياً"، فيما كان يُنظر إليه طويلاً في فرنسا على أنه مقاتل هزمته الإمبراطورية الاستعمارية.
ذاكرة التكوين الفكري
وذكّرت كاميّ فوكور، وهي من القيّمين على المعرض الذي انطلق الأربعاء 6 أبريل (نيسان) الحالي، ويستمر حتى 22 أغسطس (آب) في متحف حضارات أوروبا والبحر الأبيض المتوسط (Mucem) في مرسيليا (جنوب شرقي فرنسا) بأن الأمير عبد القادر "هو بالنسبة إلى الجانب الجزائري مؤسس الدولة الجزائرية الأولى ومقاتل ومقاوم، أما بالنسبة إلى الفرنسيين فكان يُصوّر في مطلع القرن العشرين في الكتب المدرسية على أنه ألدّ أعداء فرنسا. ويمكننا القول اليوم إن ثمة قدراً كبيراً من عدم المعرفة به".
أما المنسقة الأخرى للمعرض فلورانس هودوفيتش، فقالت "حاولنا أن نظهر كل غنى شخصية الأمير وتشابكها، من خلال العودة إلى معظم جوانب حياته، من مرحلة المقاومة التي أثبت نفسه كرجل تخطيط عسكري، إلى دوره كرائد في حقوق الأسرى، وكذلك إلى مرحلة اعتقاله في فرنسا، وعلاقته بالروحانية والحداثة وقدرته على الحوار".
وتطمح فوكور وهودوفيتش إلى التقريب بين الذاكرتين الفرنسية والجزائرية في شأن الأمير عبد القادر الجزائري، انطلاقاً من هدف المتحف المتمثل في التعريف بثقافات البحر الأبيض المتوسط بشكل أفضل. وهما تأملان أيضاً في إقامة هذا المعرض بالجزائر، وتقولان "لقد أبدينا هذه الرغبة، وإذا كان تحقيق هذا المشروع معقداً، فإن Mucem منفتح على أي اقتراح".
وولِد مشروع المعرض من لقاء جرى عام 2019 بين رئيس Mucem جان فرنسوا شونييه والكاهن السابق لرعية حي مانغيت الشعبي في ضواحي مدينة ليون الأب كريستيان ديلورم الذي يؤدي دوراً فاعلاً في الحوار بين الأديان.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومع أن الأمير عبد القادر كان ينطلق من العقيدة الإسلامية وتقاليدها، ويستمد سلطته من الشريعة، كان يحرص دائماً على الحوار مع ممثلي الديانات الأخرى. وفي عام 1860، لجأ إلى دمشق، وأنقذ مسيحيين خلال أعمال شغب كانت تستهدفهم ما أكسبه مكانة دولية وأوسمة، بينها وسام جوقة الشرف.
وأيّد الأمير عبد القادر الذي كان منفتحاً على الحداثة مشروع قناة السويس، وكان يرى أنه يفتح الطريق أمام حوار بين الشرق والغرب.
كما مانديلا
ووصف الأب كريستيان ديلورم الأمير عبد القادر بأنه "شخصية محرِرة عظيمة. وكما مانديلا بعد قرن، كان مناضلاً من أجل العدالة ولم يتخل يوماً عن إمكان حصول مصالحة مستقبلاً". ولاحظ ديلورم أن صورة عبد القادر تمثّل "كرامة الجزائر وكرمها" معتبراً أنه كان بمثابة "معلَم" و"شخصية وسيطة من أجل التوحيد". ومنذ عام 2007، دأب ديلورم على جمع أشياء ذات صلة بعبد القادر، من صحف ونقوش وكتب وصور ورسائل، أعطاها لمتحف مرسيليا.
ويضم المعرض ما مجموعه 250 عملاً ووثيقة مقسمة إلى خمسة أقسام توضح حياة عبد القادر، حصل عليها من مجموعات فرنسية ومتوسطية عامة وخاصة، وبينها قسم كبير لم يُعرض أو ينشر من قبل.
ومن أبرز هذه المعروضات "معاهدة تافنة" التي وقعها قائد القوات الفرنسية الجنرال بوجو وعبد القادر عام 1837 والتي أعطت الأخير السلطة على جزء كبير من الجزائر. وأقام الأمير هناك طوال سنتين أسس دولة لها عملتها وإدارتها، قبل أن تعاوَد الحرب.
وفي المعرض أيضاً نص تعهده الرسمي في 30 تشرين الأول (أكتوبر) 1852 للوي نابليون بونابرت عدم ممارسة أي سلطة سياسية أو عسكرية وعدم العودة إلى الجزائر، في مقابل إطلاق سراحه بعد خمس سنوات من الأسر.
كذلك يعرَض للمرة الأولى "كتاب المواقف في التصوف والوعظ والإرشاد"، وهو مجموعة من الأفكار والتجارب التي كرس لها الأمير جانباً من حياته.
ويشمل المعرض أيضاً عدداً من صور الأمير، من بينها أول صورة التقطها المصور غوستاف لو غراي في أمبواز عام 1851، إضافة إلى متعلقات شخصية ومنها قفطان أبيض، وأسهم في المعرض أيضاً متحفا اللوفر أورسيه اللذان وفّرا لوحات.