أقرت الحكومة العراقية خطة لسداد الدين الداخلي البالغة قيمته 50 مليار دولار خلال ثلاث سنوات، وذلك بعد أن أقرت استراتيجية لهذا الغرض، قدمتها دائرة الدين العام في وزارة المالية تمتد على السنوات 2022 و2023، و2024، ضمن مسودة مشروع قانون الموازنة العامة الاتحادية للبلاد للسنة المالية 2022 والسنوات التي تليها.
وتهدف الخطة إلى تصفير الدين الداخلي العراقي الذي وصل إلى 70 تريليون دينار (50 مليار دولار) غالبيته دين للبنك المركزي العراقي استدانته الحكومة إبان الأزمة الاقتصادية التي شهدتها البلاد في عام 2020 (إبان تفشي فيروس كورونا عالمياً) والتي تُعد الأعنف منذ سقوط نظام صدام حسين في عام 2003. ونتجت تلك الأزمة عن الانخفاض الشديد لإيرادات الدولة العراقية من النفط والقطاعات الأخرى وعدم قدرتها على دفع رواتب موظفي القطاع العام لأشهر عدة، ما اضطرها إلى اللجوء للدين الداخلي من البنك المركزي والمصارف بنحو 25 تريليون دينار عراقي (17 مليار دولار تقريباً) لسد العجز الكبير في إيراداتها.
إيرادات النفط شجعت الحكومة
ويبدو أن ارتفاع أسعار النفط الذي تجاوز 100 دولار للبرميل الواحد، ووصول الإيرادات المالية الناتجة من بيع النفط الخام إلى رقم قياسي بلغ 11 مليار دولار لشهر مارس (آذار) الماضي، شجع الحكومة على إقرار استراتيجية في مجلس الوزراء للإيفاء بالديون الداخلية، التي بلغت ضعف الدين الخارجي البالغ 25 مليار دولار تقريباً.
وقال المستشار المالي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح إن "مجموع الدين الداخلي يبلغ 70 تريليون دينار عراقي حتى الوقت الحاضر"، فيما أشار إلى أن "الاستراتيجية المعتمَدة ستعمل على تسديد الفوائد وجدولة الدين على مدى السنوات الثلاث المقبلة". وأضاف صالح أن "البنك المركزي لوحده لديه حيازات من ذلك الدين نجمت عن عمليات السوق المفتوحة للمصارف العراقية التي تولت التعاطي بحوالات الخزينة الصادرة عن وزارة المالية، وهي أدوات دين تمكنت المصارف المذكورة من خصمها لدى البنك المركزي بنسبة بلغت قرابة 65 في المئة من إجمالي إصداراتها، إذ تحمل أدوات الدين المذكورة فائدة سنوية تبلغ في المتوسط ثلاثة في المئة".
لن تتخلى الحكومة عن استراتيجيتها
وتنصرف الاستراتيجية المعتمدة، إلى تسديد الفوائد السنوية وجدولة أصل الدين على مدى السنوات الثلاث المقبلة ليُتاح دفعه كلياً، بحسب صالح، الذي أكد أن 98 في المئة من إجمالي الدين الداخلي يوجد بحوزة الجهاز المصرفي الحكومي.
واستبعد صالح أن تتخلى الحكومة المقبلة عن هذه الاستراتيجية التي وافق عليها مجلس الوزراء الحالي كون أنها "صُممت بعناية فائقة للسير بإيفاء الديون وتسديد الفوائد المترتبة عليها، وستوفر للجهاز المصرفي الحكومي الحائز للسندات، مقومات السيولة وسلامة العمل المصرفي، وتعطي في الوقت ذاته إشارة موجبة لرصانة العلاقة بين السياستين المالية والنقدية للبلاد".
التخلص من الكتلة النقدية بالأسواق
بدوره، صرح محمود داغر، مدير العمليات المالية السابق في البنك المركزي العراقي، أن "معظم الديون الداخلية هي للبنك المركزي بالإضافة إلى مبالغ ضئيلة للمصارف الخاصة"، مشدداً على "أهمية تسديد الدين الداخلي للتخلص من الكتلة النقدية الكبيرة في الأسواق". وأضاف داغر "نحتاج إلى 23 تريليون دينار تقريباً (أي في حدود 15 مليار دولار) كل سنة تُخصص ضمن الموازنة لتسديد كامل الدين الداخلي البالغ 70 تريليون دينار (50 مليار دولار)، مما سيعمل على تخفيض الكتلة النقدية الكبيرة في الأسواق، فكل تريليون يُسدد إلى البنك المركزي يسحب من السوق تريليون دينار تم خلقها أثناء الدين"، لافتاً إلى أنه "يوجد نحو 80 تريليون دينار (54 مليار دولار) في السوق".
شكوك حول التنفيذ
وشكك داغر بإمكانية الحكومة تسديد هذا الدين ووضعه في الموازنة باعتبارها حكومة تصريف أعمال، "على الرغم من قدرتها على تسديد هذه المبالغ، فبإمكانها خلال سنة واحدة إذا ما استمرت أسعار النفط وفق الأسعار الحالية، تحقيق 120 مليار دولار سنوياً في أقل تقدير". واعتبر "إذا ما سددنا نصف الدين فهو أمر ممتاز"، مشدداً على ضرورة وضع تخصيصات ضمن الموازنة العامة للبلاد بشكل سنوي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
25 مليار دولار ديناً خارجياً
وعن مقدار الدين الخارجي قال داغر إن "الدين الخارجي يتراوح ما بين 23 و25 مليار دولار وتسديدها يجري وفق مواعيد زمنية ثابتة".
ولا يخلو تنفيذ الخطة الحكومية لتسديد الدين الداخلي من تحديات، أهمها انتهاء عمر حكومة مصطفى الكاظمي التي بات دورها يقتصر على تصريف الأعمال، مما يلقي على عاتق الحكومة المقبلة تنفيذ الاستراتيجية، فضلاً عن ضرورة موافقة البرلمان على إدراج مبلغ يصل إلى 23 تريليون دينار (15 مليار دولار) في موازنة 2022، السنة الأولى لتنفيذ الاستراتيجية، ويصعب تحقيق ذلك وفق اللجنة المالية في البرلمان العراقي.
ضرب من الخيال
في السياق، صرح عضو اللجنة المالية في البرلمان، أحمد مظهر أن "تسديد الديون الداخلية خلال ثلاث سنوات هو ضرب من الخيال، إذ لا تستطيع الحكومة تسديد هذا المبلغ وفق التوقيتات التي وضعتها، لا سيما وأن لدينا ديوناً خارجية أيضاً واجبة التسديد. ولذلك فإن هذه الاستراتيجية غير واقعية ولا يمكن المضي بها وفق التوقيتات الموضوعة من قبل الحكومة"، فيما أشار إلى إمكانية موافقة البرلمان على تخصيص عشرة تريليونات دينار (6.8 مليار دولار) في أبعد تقدير.
ورأى مظهر أنه من الممكن تسديد عشرة تريليونات دينار (6.8 مليار دولار) سنوياً في أعلى تقدير، مشيراً إلى أن "عام 2022 هو العام الوحيد الذي بدأت فيه أسعار النفط بالتحسن ولا يمكن إنفاق كل واردات النفط".
معرضة للإلغاء
ولم يستبعد عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي أن يتم "إلغاء هذه الاستراتيجية من قبل الحكومة المقبلة إذا ما وجدت أن فيها مشاكل مالية، لا سيما وأن كل حكومة لديها برنامجها الحكومي وهو يختلف عن البرنامج الذي سبقه".
ووفق المادة 31 ثالثاً، من النظام الداخلي لمجلس النواب فإن "من اختصاصات البرلمان النظر في مشاريع القوانين المقترحة من مجلس الرئاسة أو مجلس الوزراء، بما في ذلك مشروعا الموازنة العامة للدولة والموازنة التكميلية والمصادقة عليها وإجراء المناقلة بين أبواب وفصول الموازنة العامة وتخفيض مجمل مبالغها، وله أن يقترح على مجلس الوزراء زيادة إجمالي النفقات وفقاً للمادة 62 من الدستور".