فرض الاتحاد الأوروبي حظراً على واردات الفحم الروسي، في إطار حزمة خامسة من العقوبات الغربية ضد موسكو جراء الحرب الأوكرانية التي نشبت قبل نحو ستة أسابيع، حسبما أعلنت الرئاسة الفرنسية لمجلس الاتحاد. وهي المرة الأولى التي يفرض فيها الاتحاد عقوبات على قطاع الطاقة الروسي، الذي تعتمد عليه بعض دول التكتل بشدة.
ويدخل الحظر حيز التنفيذ في بداية أغسطس (آب)، بعد 120 يوماً من نشر الحزمة الجديدة في الجريدة الرسمية للاتحاد الأوروبي، وهو إجراء متوقع اليوم. وأمام الدول الأعضاء السبع والعشرين في الاتحاد الأوروبي مهلة حتى الصباح لتقديم الاعتراضات النهائية قبل اعتماد العقوبات رسمياً.
وتشكل إمدادات الفحم الروسي 45 في المئة من واردات الاتحاد الأوروبي بقيمة 4 مليارات يورو (4.36 مليار دولار) سنوياً مع اعتماد بعض الدول عليه بشكل خاص، مثل ألمانيا وبولندا، اللتين تستخدمانه لإنتاج الكهرباء، وتمتلك روسيا 15 في المئة من الاحتياطي العالمي للفحم، بحسب التقرير السنوي لشركة "بريتيش بتروليوم" حول الطاقة. وجرى تنسيق الحزمة مع الولايات المتحدة التي فرضت حظراً مماثلاً، الشهر الماضي، وبريطانيا التي كانت أكثر طموحاً مع تفعيل الحظر بحلول نهاية العام الحالي.
وأحجم التكتل الأوروبي عن معاقبة قطاع الطاقة الروسي في جولات العقوبات السابقة، بعدما أوقفت ألمانيا والمجر هذا التحرك بسبب اعتمادهما على الوقود الأحفوري الروسي. وما زالت بعض الدول الأعضاء تضغط لاتخاذ إجراءات إضافية على واردات الطاقة الروسية والنفط تحديداً. ومن المقرر أن تناقش الدول أفكاراً عدة مثل حسابات الضمان لتجميد الأرباح الإضافية الناتجة من ارتفاع أسعار النفط منذ بداية الحرب.
قوة دافعة جديدة
واكتسبت العقوبات الغربية على روسيا بسبب حربها ضد جارتها قوة دافعة جديدة هذا الأسبوع على أثر اكتشاف مقتل مدنيين بالرصاص من مدى قريب في مدينة بوتشا بضواحي العاصمة الأوكرانية بعد استعادتها من القوات الروسية. وهو ما تنفيه موسكو.
ويُعَد حظر واردات الاتحاد الأوروبي من الفحم الروسي بمثابة حجر الزاوية في الحزمة الجديدة من العقوبات ضد روسيا، التي اقترحتها مفوضية الاتحاد الأوروبي هذا الأسبوع، باعتبارها رد فعل على الفظائع في بلدة بوتشا الأوكرانية. وتشمل هذه الحزمة "الكبيرة للغاية" أيضاً حظر صادرات إلى روسيا بقيمة تصل إلى 10 مليارات يورو (10.9 مليار دولار) تضم بخاصة البضائع التكنولوجية المتطورة، وتجميد أصول عديد من البنوك الروسية، إلى جانب حظر دخول معظم الشاحنات والسفن الروسية إلى الاتحاد الأوروبي.
ارتفاع أسعار الفحم
ويتوقع محللون أن يعزز الحظر الواردات العالمية من الفحم غير الروسي، مع احتمال ارتفاع الأسعار، على الرغم من أن المستوردين من خارج الاتحاد قد يستفيدون من انخفاض أسعار الفحم الروسي. وبحسب تقييم منصة "آرغوس ميديا" المعنية بشؤون الطاقة، وصل سعر الفحم في خليج ريتشاردز في جنوب أفريقيا إلى 296.34 دولار للطن، الأربعاء الماضي، ما أسفر عن فرض علاوة على ما يعادله في ميناء نيوكاس، كما قد تستفيد المناجم الأميركية من الحظر، ومن الممكن دعوتها لزيادة صادراتها إلى أوروبا، حسبما ذكرت وكالة "بلومبيرغ".
وزادت مكاسب كل من "بيبودي إنرجي"، المنتج الأميركي الأكبر، و"أرك ريسورسيز"، ثاني أكبر مورد، بما يزيد على 5.8 في المئة، يوم الخميس، في نيويورك، بعد موافقة الاتحاد الأوروبي، لكن الشركات قد تعاني لزيادة شحناتها بشكل كبير، لأنها باعت معظم إنتاجها عبر عقود طويلة الأجل، وسيُصعّب نقص العمالة واختناقات النقل من دعم الإنتاج.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يقول المتخصص في شؤون الطاقة، كلايد راسل، "تكمن المشكلة في أن الخطة قد لا تنجح، وقد ينتهي بها الأمر إلى إلحاق أضرار جسيمة بالاتحاد الأوروبي أكبر بكثير من روسيا، إلى جانب التسبب في معاناة الدول الأخرى غير المعنية والأكثر فقراً. ويضيف، في مقال نشرته وكالة "رويترز"، أن "هناك سابقة في هذا الأمر، عندما فرضت الصين حظراً غير رسمي على الفحم الأسترالي"، متابعاً أن بكين تعد أكبر مستورد لأكثر أنواع الوقود الأحفوري تلويثًا في العالم، وكانت أستراليا ثاني أكبر مورد لها بعد إندونيسيا حتى منتصف 2020.
ويستطرد راسل، "لكن الخلاف السياسي بين الصين وأستراليا حول سلسلة من القضايا، من بينها دعوة كانبرا لإجراء تحقيق دولي في أصول جائحة كورونا، أدى إلى مطالبة بكين التجار والمرافق بالتوقف عن شراء الفحم الأسترالي". وأشار إلى أن فرض الاتحاد الأوروبي حظراً على شراء الفحم من روسيا لا يعني أن الديناميكيات ستسير بالطريقة نفسها كما فعلت الصين مع الفحم الأسترالي، لكن هناك أوجه تشابه كافية في الحالين بشكل يسمح بإجراء مقارنة، إذ كانت بكين قادرة على تأمين إمدادات بديلة، بشكل رئيس من منغوليا وإندونيسيا وروسيا، لكنها اضطرت إلى دفع علاوات ضخمة من الموردين الأخيرين.
وتمكنت أستراليا من الاستمرار في تصدير الفحم، وبعد الضربة الأولية للأسعار، شهدت أحجاماً وأسعاراً تتعافى، إذ اضطر المشترون الذين كانوا يأخذون الفحم الإندونيسي إلى التحول لنقل الشحنات من أستراليا. ويضيف كلايد راسل أن الخاسر الأكبر كان دول الطرف الثالث التي شهدت ارتفاعاً في فواتير استيراد الفحم، واضطرت إلى البحث عن بدائل، ومن المحتمل أن يتمكن الاتحاد الأوروبي من استبدال الفحم الروسي ببدائل، على الرغم من أنه يعتمد على موسكو في تلبية 45 في المئة من احتياجاته من الفحم.
لكن راسل يعتقد أن التكلفة ستكون باهظة، وسيتعين على المرافق الأوروبية الاستعداد لدفع علاوات لنقل الشحنات من جنوب أفريقيا والأميركتين وحتى من أستراليا وإندونيسيا، وأضاف أن "من المرجح أن يكون الخاسرون من حظر الاتحاد الأوروبي للفحم الروسي هم البلدان الأكثر فقراً، التي لا تستطيع تحمل الأسعار المرتفعة مقارنة مع الدول المتقدمة".